| الريـاضيـة
ماذا بوسعي ان اكتب كي امتدح اللاعب الكبير، نجم النجوم، وموهبة القرن (نوّاف التمياط)؟ بعد كل الذي قيل وسالت به أنهار الحبر اليومي, في البداية أجد حتماً عليَّ ان أعلن شعوري بالفخر (بنفسي) لأن (نوّاف) أحد أعز اصدقائي, وهذا شعور لم استطع التمرد عليه, ولا يعني التمرد عليه أي قيمة أو فضيلة!
برز (نوّاف بندر التمياط) بعد تجربتين (مريرتين): الأولى لشقيقه (صفوق) الذي أنهى تألقا مشهودا خلال زمن قصير، وسيىء!!, والثانية لشقيقه الآخر (محمد) الذي سار على درب صفوق, وخسر الأخوان كثيرا جراء ذلك, الجماهير، والنادي غير العادي، وربما العريض من (المال).
ولأن (نوّاف) رجل منذ صغره, ومنفذ (مهمات) صعبة منذ صغره, فلم يفكر بهجر اللعبة الساحرة هربا من مصير شقيقيه, بل انخرط منذ صباه الباكر بالفريق مبتدئاً بالبراعم وقافزا الى التشكيلة المثالية ليس ل (الهلال) وحده, بل وللفريق الوطني نفسه, وصار المدرب الذي (يدّعي) أن بإمكانه الاستغناء عنه لا يكرر ذلك بتاتا, فقد لعب به الوطني القدير (ن الجوهر) كل دقائق منافسات كأس آسيا 2000م التي طويت منذ اشهر معدودة، فلم يجلس على دكة الاحتياط إطلاقا.
اهم ما يختزنه هذا اللاعب العظيم هو (غريزة الفوز)!
لا يحدث أن تشاهده متوترا، يمزقه الوقت، مذهولا, حتى ولو كان فريقه متأخرا عن الخصم وفي الوقت الرديء!, فعيناه الصقريتان في مثل هذا الظرف تحدقان من بعيد في شباك الخصوم وبغالبية ساحقة يفعل الذي اراد, في لحظة دراماتيكية يسدد هدفا (مميتا) او كما نسميه (ذهبيا), وهو الهدف الذي لا يشبهه هدف آخر, فجانب من عشاق اللاعب العظيم يتحدث عن جمال الهدف, وجانب يهمه (ثمن) الهدف, وهو (ثمن مجزٍ) بل وهائل, لا أقل من بطولة أو فرض فريقه طرفا فيها.
الجانب التقني لديه لا جدال حوله.
ف (نوّاف) لم اشاهده يؤدي الدور الكلاسيكي للاعب الوسط (متقدم خلف المهاجمين، محور، مساند للمدافعين), إنه يقوم بكل ذلك, لكن بدون إهدار للوقت, وباهتمام كبير بمساحة الملعب الواسعة أي: التي تتطلب لقطعها كرات (موهوبة) ومحترفة وطويلة ولكن دقيقة بنسبة 90%, وغالبا لا يفضل لعبة مركز (محدد), موهبته اكبر من تحديدها في موقع مثل أداة الشطرنج.
وباختصار فإنه عمل بالمثل الشعري السائر:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
لا أملك اللحظة سوى التقدم من اللاعب التاريخي (نواف التمياط) بأبلغ ثناء أمتلكه وأجمل تهنئة تعادل ولو جزءا من انجازاته الفذة, وأصدق دعاء لله تعالى بأن يوفقه ويسبغ عليه موفور الصحة والسعادة, وأن يجنبه مكاره (الإصابة).
وأتمنى ان أوصل للقارىء الكريم عبارات قالها لي شخصيا بصدق عذب:
(أنا لا ألعب الكرة حاجة بالمال, فهي مستورة والحمد لله, أنا العب وأؤدي رسالة مفاد الرسالة: يا جماهير اللعبة الساحرة انظروا لمن يمارس حياته بإبداع وبلا تثاؤب, الذي يملك موقفا صادقا من المخدرات, فحواه: ان بديلها بناء العقل والجسم وبالتالي التميز ومن ثم تحقيق إنجاز للوطن الغالي الجميل, الحياة أروع وأعذب من المخدرات واللذات القميئة غير الطبيعية).
عمر الصديق الرائع الذي قال ذلك كان 21 عاما.
عمره (قدامه) إن شاء الله (هذا تعبير شمالي جميل للدعاء بطول العمر)!
فتنت به لاعبا, ثم صديقا مهذبا ومثقفا, يقرأ أحيانا فوق مستوى عمره, يتحدث بتواضع, وتختلط لهجة الرياض بلهجة الشمال الفاتنة (حيث كيانه العائلي) ودود, ومتحدث موهوب لا يتشنج, ولا أظن ان قلب (نواف) ينطوي على الكراهية تجاه اي إنسان!
وفي رسائله إليَّ يمتلك لغة سلسة معبرة, ويميل (غالبا) الى الجدية والأهم انه قال لي أيضا (انا حين اتعامل بانضباطية أثناء اللعب أشعر أنني أعطي رسالة هامة للناس, فالحياة ممتعة وتشبه سحر الكرة, ولكنها تحتاج الى شيء من الروح القتالية).
الكلام المقوّس لنواف, لا فضل لي فيه سوى إعادة ترتيبه ضمن سياقات حوارات جميلة جمعتنا ولو بعجلة ولكنها ستظل من اجمل الحوارات.
عزيزي نواف:
لأنني أعرف طموحك, فلن أتقدم إليك بنصائح مجانية.
ودمت نموذجاً للشاب المتوهج موهبة والمتوثب والذي يجيد حساب الأرباح والخسائر, لا كتاجر ولكن كفرد موهوب أدرك مبكرا ان من أهم واجبات الإنسان تجاه موهبته: الاستفادة منها وتنميتها وأن تكون (تعبيره) الشخصي عن ذاته, بكل استقلالية ومسؤولية.
jar@faharis.net
|
|
|
|
|