| الاقتصادية
مع نهاية الصراع بأنواعه الرأسمالي والاشتراكي في بداية التسعينات الميلادية واتجاه العالم الى اقتصاد السوق الحر نوجه التساؤل الذي اثرناه سابقا وهو هل حقا وصلت البشرية الى نهاية التاريخ ,, ؟
هل انتقل العالم فعلا الى مرحلة جديدة سمتها التفاهم البناء رغم كل الفوارق الحضارية بين اركانه ,,؟
وكيف سيتم التوافق بين الحداثة والتقاليد في ان يتعايشا في توازن واستقرار؟ هل يمكن للاقتصاد العالمي بدوره ان يلعب دورا مهما في تقريب التباين التقني بين شعوب العالم ومساعدات لتحويله الى عالم يسوده التعاون والوئام لما فيه خير سكانه، قد يكون الادلاء بأية مرئيات سابق لأوانه ذلك ان الدول الصناعية ماضية في الاخذ بأسباب العولمة مكثفة جهدها في انتشار شركاتها الاقتصادية فيما نرى بعض دول العالم الثالث متحفظة على الانفتاح الاقتصادي لعدم قدرتها التنافسية الانتاجية او لاعتقادها بأن التجارة الدولية انما هي عدالة لبعض الدول دون الاخرى، وهذا هو السبب الذي يقف وراء الكثير منها في مشاركتها الفعالة ويبدو ان الاقتصاد العالمي متأرجح بين الحداثة والتقاليد منذ منتصف القرن الماضي، ففي الخمسينيات الميلادية تبنت دول العالم الثالث استراتيجية حماية الصناعات الوطنية فارضة الجمارك والتعريفات الحمانية الباهظة على السلع المستوردة وانشأت القطاع العام الذي يعتمد على الصناعة المحلية وتموله دولها كخطوة اولية للحداثة مالبت بعدها بوقت قصير في السبعينيات الميلادية ان تخلت عن تلك الاستراتيجية ووجهت مجهوداتها الصناعية للتصدير فلم تقم بفرض الجمارك بل طورت صناعاتها المحلية لتنتج سلعا رخيصة يمكن تصديرها للخارج وان كانت هذه الاستراتيجية اثبتت صحتها لاحقا، فقد نجحت دول منها في تحقيق ناتج قومي مرتفع جعلها تخرج من قائمة دول العالم الثالث.
ووصلت منطقة جنوب شرقي آسيا في منتصف التسعينيات الميلادية الى مستوى جيد من الحداثة والتطوير لجميع القطاعات الاقتصادية فيها وصل دخل الفرد فيها حوالي 15 الف دولار، ونتج عن نجاحها ان تحولت كثير من دول العالم الثالث من استراتيجية احلال الواردات الى استراتيجية التصدير مستعينة ببرامج اصلاح اقتصادي شامل والى التخلص من القطاع العام بالخصخصة الا انه بقيت دول منها تميزت بالسرعة في برامجها الاصلاحية مثل ماليزيا وهونج كونج وكوريا الجنوبية، ومنها ما تميز بالبطء مثل باكستان، كما ان تطور التكنولوجيا عالميا ساعدها الى تصنيع السلع في ارخص تكاليفها وبيعها حيث ترتفع اسعارها والى توفير مهارات عالية في مجتمعاتها اما الدول الصناعية فشهدت من جانبها تغيرات اقتصادية من نوع آخر، فقد تم تشكيل التجمعات والتكتلات الاقتصادية في اوروبا الموحدة فدول السوق الاوروبية المشتركة تمنح فرنسا امتيازات لا تحصل عليها الولايات المتحدة الامريكية، كذلك فان المكسيك بصفتها عضوا في اتفاقية تحرير التجارة في امريكا الشمالية نافتا مكنها من ان تحصل على امتيازات تجارية في اسواق الولايات المتحدة وكندا لا تحصل عليها اي دولة اخرى، ورغم الانفتاح العالمي في نهاية القرن الماضي فلا يزال العالم بين الحداثة والتقاليد فأغلب الدول الصناعية تحدد اسواقها امام البضائع الواردة من الخارج عن طريق عدم اقبال المستهلكين على شراء البضائع المستوردة، كما هو الحال في اليابان او عن طريق سن قوانين تحدد حصص الدول المنافسة في اسواقها ففرنسا تحاول تحديد نسبة الافلام الامريكية الواردة اليها بما لا يزيد عن 40% فيما تعارض الولايات المتحدة تلك المحاولة ومع ان فرنسا تعتبر رابع اقوى قوة اقتصادية في العالم الا انه يقتصر ما يصدره العالم الثالث لها على الموز وهنا يبدو ان الاحداث والتقاليد في اقتصاديات دول العالم تسير وتبطئ ليس فقط لعوامل داخلية بل والى عوامل عديدة لا تزال لها دور خفي وكانت على اثر ذلك ان درجة التركيز الجغرافي للدول الفقيرة اعتمد بشكل رئيسي على عدد معين من الدول الغنية، فمعظم صادرات منطقة جنوب شرقي آسيا تركزت على سوق الولايات المتحدة وبلغت اكثر من 48% ونظرا لان الولايات المتحدة لم تستطع الاستمرار في استيراد ودعم صادرات الدول الفقيرة بسبب العجز التجاري الامريكي المتضخم فيها اصبحت غير قادرة على استيعابها خاصة، بعد زيادة عدد الدول النامية التي تتجه الى التصدير اليها فكانت النتيجة متوقعة واسفرت عن الازمة الآسيوية في عام 1998م مباشرة، ومع ان التطور الاقتصادي السريع الذي ساعد على تقليل الفجوة بين دول العالم الثالث وبين الدول الصناعية الا ان التغيرات كانت بطيئة في خطواتها بشكل عام، اما اتفاقية الجات التي تهدف الى ازالة الحواجز بين الدول فانه يتوقع ان ترتفع حجم التبادلات التجارية والاستثمارية بين شعوبها مما يؤدي لاحقا الى منافسة ستجبر الشركات المتعددة الجنسيات على انتهاج ممارسات افضل لتحقيق الرخاء الانساني، على اي حال فلاشك ان الحالة الاقتصادية لكثير من دول العالم الثالث قد تحسنت مقارنة بمنتصف القرن الماضي فهي الآن دول تشارك بنصيب اكبر في الدخل العالمي، فمثلا كانت الولايات المتحدة تمتلك 60% من دخل العالم نجده انخفض الآن واصبح لا يزيد دخلها الآن عن 23% لدخول ومشاركة دول العالم الثالث الساحة التصديرية العالمية ولكن من ناحية اخرى، وامام هذا التغير لا تزال قوى التقاليد تلعب دورا مؤثرا وتبعا لذلك فقد خفضت الولايات المتحدة بدورها المساعدات الاقتصادية التي كانت تمنحها لدول العالم الثالث وتغيرت الطريقة التي تتعامل بها مع دول اوروبا واليابان.
وعندما حدث كساد نهاية التسعينيات اعلنت الولايات المتحدة عن تخفيض بسيط في اسعار الفائدة على الدولار مما أنعش السوق فيها مما ادى بدوره الى كساد كبير في منطقة جنوب شرقي آسيا بل ان اوروبا المتقدمة لم تستطع الخروج منه الا بصعوبة ولا تزال اسواق اليابان تعاني منها حتى الآن، ولذا فان نظام المنافسة الحرة في حد ذاته يساعد على التهيئة الاجتماعية ويمنح الحافز والفرصة المناسبة بين الافراد للوصول الى مكاسب مشتركة نافعة وتبقى القدرة على التعاون الدولي مرتبطة ارتباطا كبيرا مع التقاليد والقيم السائدة في الموقع، لذا يجب ان تحتل نسبة رأس المال الاجتماعي المكانة الاولى في المرحلة العالمية القادمة ولاسيما ان القوى البشرية في اي مكان يعتبر موردا بلا حدود وتحديث الكفاءات المهنية العالية سوف يجلب ربحية اكثر لمواقعها الانتاجية، ذلك لان القوى البشرية تقدم الافكار الجيدة التي تقلل من تكاليف مؤسساته الصناعية وعادة فإن القيم التنظيمية والمثل العليا تزرع الآمال في العاملين وترفع من معنوياتهم فيبدأ العطاء الذي بدوره يؤدي الى ارتفاع مستويات المعيشة لسكان العالم اجمع.
|
|
|
|
|