| الثقافية
*إعداد:عبدالحفيظ الشمري
تفتح الجزيرة الثقافية نافذة التواصل لتطل منها الأسئلة نحو المفكر، والأديب، والكاتب,, تداخله، وتجادله، وتستجلي أبرز مقومات طرحه، ومعطيات إبداعه في أحدث مؤلفاته,, لعلنا في هذا التداخل نقدم إضاءة جديدة حول أفضل ما يطرح في مشهدنا الثقافي من فكر، وأدب، وإبداع.
هانحن نتواصل وعبر مساءلات مع الناقد الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه الجديد النقد الثقافي لنحاول من خلال السؤال والاجابة تقديم المفيد:
* د, في كتابك النقد الثقافي اتهام صريح للشعر العربي من خلال الإدانة للشخصية العربية المتشعرنة كما أشرت؟ هذا اتهام صريح للشعر العربي أليس كذلك؟
هو ليس اتهاما للشعر العربي بل هو اتهام للشخصية العربية الشخصية العربية أصيبت بحمى الشِّعر والشعر في حد ذاته ليس مصابا بهذه العيوب لأن هذه سماته وليست عيوبه، سمات الشعر هي هكذا.
الإشكال ان تنتقل هذه السمات الى الشخصية في سلوكها في رؤيتها في خطاباتها الأخرى كنهها الفلسفي والعقلاني والسردي والسياسي والإعلامي والاجتماعي فهناك خلل ابتدأ من المطبخ الشعري وانتقل الى المناحي الأخرى فأثر فيها هذا هو الخلل فهذه ليست عيوب الشعر ولكن عيوب الشخصية العربية.
* تعرضت لأقطاب الشعر العربي ووجهت لهم سهام نقدك وهو اتهام نقدي حاد بل إن هناك من يرى أنك تجنيت على ذائقة الشعر العربي,, لماذا؟
لا تستغرب لأنه كما قلت لك أن الانسان العربي كله كائن شعري متشعرن فبالتالي إذا أتيت إليه وسلبت منه أهم ما يريد مثل حالة المريض بالسكر إذا أخذت قطعة الحلوى التي أمامه ينظر اليك على أنك جبار وطاغية لأنك تعرف أن مرضه وعلته في قطعة الحلوى هذه لكنه متعلق بها فلا شك أننا نحن مصابون مرضيا بالشعر ومصابون بالعمى الشعري والعمى الثقافي فالناس لا يزالون يتصورون المتنبي عظيماً وأبوتمام عظيماً ونزار قباني عظيماً وأدونيس عظيماً فإذا جئت وقلت لهم إن الخطاب عند هؤلاء الشعراء معيب وأنه ينطوي على أنساق مضمرة خطيرة في التشكيل الثقافي من الصعب عليهم أن يتحولوا ومن الصعب عليهم أن يسلموا بذلك بين عشية وضحاها وسيظلون يقولون رموزنا ورموزنا ورموزنا واذا لم يكن عندنا من الشجاعة المعرفية والعلمية على أن ننتقد الذات الثقافية المكونة لنا بل نزال في حالة خنوع واستسلام ومشكلتنا دائما أننا لا نريد أن نحكي عن عيوبنا نتستر على هذه العيوب باستمرار هذه من سمات الحالة المتشعرنة ما يكشف عن العيوب نقبلها وهذه هي الذات المجازية فالذين ينطلقون من هذا المنطلق هم ذوات مجازية متشبعة بالشعر ولا تستطيع أن ترى عيوب هذا الشعر.
طباعا أنا لا أقول بإلغاء الشعر, وهم لا يميزون بين شيئين بين نقد الذات المتشعرنة وبين نقد الشخصية العربية الثقافية من جهة والحديث عن الشعر فيظنون أن أي حديث عن الشعراء هو حديث عن الشعر وأي كلام سلبي عن الشعرنة هو كلام سلبي عن الشعر والقضية ليست كذلك سيظل أبو تمام مبدعاً عظيماً والمتنبي مبدعاً عظيماً ونزار وأدونيس كل هؤلاء عظماء لكن داخل هذه العظمة الابداعية هناك أنساق ثقافية خطرة جدا فهم يجمعون بين شيئين بين الجماليات والقبحيات في آن واحد أنا استطعت أن أرى البعدين معا غيري ما يزال لا يرى إلا البعد الواحد البعد الجمالي فحسب فيعمي عينيه عن النظر في العيوب.
* من المنتصر في هذه المواجهة بينك وبين الذين يرون هذا السياق؟
لا أحد وتعرف دائما في الثقافة لا نفكر بمنتصر وخاسر فهي ليست معركة ومباراة وقتية تحسم في الثقافة، الأفكار المهمة التي تحمل تغيراً نوعياً تحتاج الى زمن طويل لكي تُقبل، من المحال أن نقول بفكرة قوية وخطيرة جدا وذات بعد تغيري كبير.
من المحال أن نتصور الناس ستتقبلها بين عشية وضحاها هذا شيء محال تماما الأفكار الساذجة هي التي تقبل بسرعة، الأفكار البسيطة هي التي تقبل بسرعة، والمثل الشعبي يقول: ما سهل مدخاله سهل مطلاعه , فالشيء السهل يستجاب له بسرعة وينسى بسرعة أما الأشياء الكبيرة والضخمة تحتاج الى زمن من الجدل ومن الحوار ومن التفكير بل بالعكس كل الحوار ضد الفكرة يعززها ويعزز مقامها ويثبتها ويساعد على التمعن فيها والتفكير فيها, الآن أنا أعرف أنه في البحرين فيه مجموعة من ثمانية نقاد شباب شكلوا خلية معرفية باسم النقد الثقافي وعندهم الآن ندوة عن الكتاب ويعتبرون أنفسهم مدرسة جديدة في النقد الثقافي هؤلاء من البحرين كلهم من منطقة الخليج أنا أرى أن مستقبل النقد الثقافي هناك صحيح انطلق من عندي هنا لكن امتداده الآن أراه بشكل واضح عند هذه المجموعة التي في البحرين كذلك رأيت مجموعات في المغرب ورأيت مجموعات في مصر ففيه جماعات رأت وبشدة هذا التغير النوعي الضخم طبعا بإزائهم هناك جماعات ترى أن هذا تمرد وان هذا الغذامي الذي طول عمره يحدثنا عن الحداثة والابداع والشعر انقلب، طبعا أنا انقلبت أول انقلابة انقلبت على نفسي الذي لا ينقلب على نفسه لا يستطيع أن يحقق تغيراً نوعياً ضخماً وهذه المسائل عادة عندنا أن الانسان يثبت على كلمته وهذا جزء من الشعرنة أن الرجل عند كلمته يعني لا يتغير أنا أقول أن الرجل ليس الذي عند كلمته بل الرجل الذي يتغير متى ما أحتاج الأمر الى التغيير، والعظماء في التاريخ هم الذين لا يمانعون أن يعملوا اليوم ما يناقض عمل الأمس لأن القضية تقتضي هذا والعظماء في التاريخ يغيرون مواقفهم وبشكل شديد ولذلك كثير من الناس لا يفهمونهم أما الحمقى في التاريخ ونحن عادة نسميها رجولة أن يظل على كلمته حتى يدمر نفسه ويدمر العالم, يجب أن تكون عندنا القدرة على التغير الضخم في داخل ذواتنا.
* كتاب النقد الثقافي يصف خطاب أدونيس بأنه رغم حداثته رجعي ولو قرأنا كتاب أدونيس لوجدنا أن هناك نسقية في بحث تاريخ النصوص الأدبية,, ألا ترى أن هذا تباين في الرأي؟
لا,, لا,, كتاب أدونيس للأسف مثال صارخ على النسقية ومثال صارخ على الأنا الطاغية ومثال صارخ على الذات التي لا ترى إلا ذاتها وتلغي الآخر بل بالعكس هو مثال دقيق على نسقية المعارضة كما شرحته في الكتاب لأن نسقية المعارضة التي تأخذ عيوب السلطة نفسها بدلاً من أن تكون معارضة من أجل البعد الانساني المتعدد الأصوات البعد المنفتح تظل هي نفس المعارضة حاملة لعيوب المؤسسة بحيث تكون أنا طاغية وتكون ذاتاً لا ترى إلا ذاتها وتكون لا منطقية ولا عقلانية صحرانية للأسف الشديد أدونيس يجمع مستويين مستوى واعياً يقول بالحداثة وبالتنوير وبالتغيير وبالتجاوز والتحضر وتحت هذا المستوى الواعي هناك مستوى مضمر أدونيس نفسه لا يعيبه لكن القراءة المعتمدة على النقد الثقافي والحصر تكشفه إنه داخل هذه الحداثة هناك رجعي يتحدث بلسان نسقي هو بالضبط صورة للفحل الجديد والأب الجديد وهذا ينقض كل مشروع بناه وهذا في خطابه كله من أول ما ظهر الى آخر شيء حتى في كتابه هذا أمس مكان الآن مثال واضح بل هو تتويج أصلا لمشروعه كله.
* لكن يا دكتور عبدالله ماذا تقول عن كشف أدونيس لعيوب التاريخ الأدبي؟
الكل يكتشف ان للتاريخ الأدبي عيوباً، وهي ليست قضية أن تكشف عيوباً ممكن تحمل رشاش وتقتل الطغاة في التاريخ ثم تكون أنت طاغية بدلا منهم، فلا تنظر الآن الى الفعل المضاد من حيث ما فَعَله ولكن من حيث ما يمكن أن يفعله أيضا, مثلما نقول عن كثير من الانقلابات التي صارت في العالم العربي يسمونها ثورة وتغيير ثم اكتشفنا أن كثيراً من الانقلابات أسوأ من الأنظمة السابقة, يعني احلال طاغية محل طاغية, أدونيس يزيح فحلا ليضع بدلا منه فحلا يعني يكشف عن عيوب وأخطاء رهيبة في تاريخنا لكنه أيضا يضع بدلا منها عيوبا وأخطاء يعني لا يدخلنا الى عالم جديد ومختلف.
العالم الجديد المختلف نجده عند الشباب نجده عند محمود درويش عند أمل دنقل، نجده في الخطاب السردي عند نجيب محفوظ، في معظم الخطاب السردي في معظمه، وفي الخطاب السردي النسائي لكن يظل هذا كله لا يزيد عن عشرة بالمائة أما تسعين بالمائة من الخطاب الثقافي العربي عقلاني وإعلامي وسياسي وشعري وثقافي تهيمن عليه صفة النسقية أي الشعرنة وهذا إشكال ضخم جدا يحتاج الى أن نشتغل بشكل كبير جدا لكشف هذا الخلل.
* في الفصل الخامس من الكتاب تناولت أو استحضرت السرد,, هل الراوي في السرد هو أحذق من الراوي في الشعر؟
في الشعر ليس هناك راوٍ بل هناك شاعر مباشرة.
* ألا نقول مجازا إنه راوٍ
لا طبعا هذا لا يكون إلا إذا قلنا بالنظرية الشفاهية التي ترى أن الشعر عمومي وأنه للقبائل وليس للأفراد هذه نظرية طبقها امرؤ القيس مثلا راوية لأشعار آخرين قياسا على هوميروس وغيره لكن في الحقيقة أن الشاعر فرد يتحدث بلسانه فعلا إنما الراوي يتحدث عن غيره وبسمة غيره وليس بلسان واحد وميزة الراوي أنه يتحدث بألسنة متعددة فالخطاب السردي دائما هو انساني وخاصة السردي الشعبي فهو الأكثر انسانية أما السردي الفردي وبالذات في القصة القصيرة أصيب بما أصيب به الشعر فنجد مؤلفاً مفرداً وبصوت مفرد خاصة في القصة القصيرة الرواية تتعدد الأصوات فيها وبذلك تكون أقرب الى الخطاب الانساني, أما السرد الشعبي فالتأمل فيه يكشف لنا عن هموم دقيقة جدا على مستوى من الانسانية والتعدد ونوع من المعارضة الايجابية ليست المعارضة السلبية لهذا السبب أنا بحثت في الفصل الخامس عن الحكايات المصاحبة للشعر المؤاخية للخطاب الشعري، طرفة بن العبد عنده شعر وفيه حكايات عنه وعن شعره فنحن أمام خطابين فيه خطاب شعري وخطاب سردي فَعَبر محاولة قراءة الخطاب السردي نكتشف أموراً كثيرة تحاول الثقافة أن تقولها وأن تسربها دون أن تواجه فالخطاب السردي في الحقيقة هو مجال كبير والخطاب السردي الشعبي هو مجال كبير للكشف عن أنساق أخرى مختلفة عن أنساق الشعرنة.
|
|
|
|
|