| الثقافية
غدت الجنادرية العلامة البارزة للثقافة السعودية، فما ان يسأل عن الثقافة في هذا البلد حتى يرد ذكر الجنادرية التي صارت ومنذ العام 1405ه الواجهة الحقيقية للثقافة السعودية، وبما انها كذلك فانه يحق للمتابع ان يضع تصورات عن وضع الثقافة في هذا البلد من خلال ما مرت به الجنادرية من مراحل وتحولات.
فكرة الجنادرية سباق الهجن العربية التقليدي ذي الطابع البدوي الذي اصبح اشهر التجمعات الثقافية العربية السنوية لها نصيب من اسم المكان الجنادرية ، وكثيرا ما تساءل ضيوف المهرجان عن اسم الجنادرية ماذا يعني؟
المعنى المعجمي للجندرة ليس بغريب عن فكرة المهرجان فجندر الكتاب جندرة: أمر القلم على ما درس منه ليتبين وجندر الثوب اعاد وشيه بعد ذهابه ,, الجنادرية اذن ذلك الميدان البري المغبر الذي تركض فيه الجمال تحول الى رمز ثقافي ذي دلالة بيئية واجتماعية بشكل خاص، فكأن هذه الفلاة المندرسة التي هي الجنادرية تعيد وشي ذاتها الممحلة عبر احياء ما اندرس من ثقافة وتراث وليس من عمران وبناء وكنتيجة لامرار القلم واعادة الوشي الجندرة والزينة تحولت الفلاة المندرسة الى فتاة، الى عروس ينشد رضاها المثقفون ويخطب ودها الخاطبون، تلك هي الصورة المنعكسة عن الجنادرية سيميولوجيا حتى هذه الدورة السادسة عشرة للمهرجان التي شهدت انقلابا جديدا في الدلالات فقد تحولت الجنادرية الى شيء آخر لا اسم له، فهي اذن مرت بتحولات ثلاثة الجنادرية الفلاة، الجنادرية الفتاة، الجنادرية ,,, .
جنادرية 16
لا تنافس الجنادرية الثقافية رديفتها الجنادرية التراثية في اعداد الجمهور فذلك فضل لا تدعيه ومكانة عسيرة صعب على الثقافية ان تطالها فضلا عن ان الثقافة ذات طبيعة انانية وهذا شأن آخر، والتراثية تحظى بمئات الآلاف خلال اقل من اسبوعين بينما يظل حضور الثقافية دون المستوى نخبويا يعد المئات واحيانا العشرات، ولكن ما حدث هذا العام جنادرية 16 يستدعي التأمل واعادة النظر مليا، فالجنادرية الثقافية شهدت ما يشبه المقاطعة والهجران من جمهورها كل عام فالأعداد تقلصت بشكل ملحوظ وكثير من مدمني الجنادرية قد شفوا منها هذا العام، بل ان اسماء كثيرة لم تحضر بتاتا، او حضرت اجزاء من محاضرة، وقد احتار المتابعون في توصيف هذه الظاهرة وأسبابها فقال بعضهم: ان طبيعة البرنامج الثقافي لهذا العام تقول ان الافكار قد نضبت والموضوعات قد انتهت، وآخرون قالوا: مستوى الضيوف لم يكن مماثلا للأعوام السابقة، والبعض الآخر عزاه الى التوقيت والانشغال بأيام الاختبارات ونهاية الفصل الدراسي الأول، وقليل منهم من اشار الى ظاهرة آخذة في التمدد محليا، وهي العزوف عن كل ما هو ثقافي جاد والانصراف الى أشياء اخرى يعدونها مصادر ثقافية ومعلوماتية هي أيضا.
في جنادرية 16 تجنب البرنامج الثقافي مناقشة موضوعات مهمة على الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية فالجنادرية التي ناقشت موضوع الانتفاضة في العام 1409ه تجنبته هذا العام مع أهميته، وكأنما هناك زعم بان ما تمت مناقشته وطرحه في أعوام سابقة قد حسم رغم ان الكثير من المحاضرات ضاق عنها الوقت أو اعتذر بعض ضيوفها والمشاركين فيها والسؤال ما الضرر من اعادة النظر في موضوعات مثل: بين الأدب الشعبي والأدب الفصيح ونظرات في الأدب السعودي 1405ه الرقص والأغنية الشعبية والخصومات الأدبية 1406ه الموروث الشعبي ومخيلة المبدع 1407ه السيرة الشعبية العربية التراث ماذا نبعث منه وماذا نترك؟ 1408ه الانتفاضة والمثقف اللامنتمي 1409ه ازمة الثقافة العربية والمرأة مالها وما عليها 1410ه النفط والفكر في منطقة الخليج العربي 1413ه الاسلام والغرب 1416ه نهاية التاريخ 1417ه الخ,.
ما يحمد للحرس الوطني كونه مؤسسة عسكرية تتجاوز مهامها للقيام بواجب تكاسلت عنه قطاعات اخرى ونهض الحرس الوطني بعبء كبير هو الجنادرية هذا اذا ما تجاوز المتابع جهد مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في ندوة الثقافة العربية العام 2000م التي شهدت نسيانا وتجاهلا من الجمهور المثقف شبيها بمأساة جنادرية 16 مما يثبت ان هذه الجهات تنفخ في رماد,, رماد.
المثقفون وشراء الضمائر
ما طرح في بعض الصحف حول شراء الضمائر في الجنادرية جدير بالتعليق فهو امر ظل يطرح همسا وبين ضيوف المهرجان في بلدانهم تهمة يعير بها المناضل شقيقه الذي استجاب لدعوة الجنادرية النفطية، ومن المناسب الآن نقاش هذا الموضوع علنا وبشكل صريح، فانه لا يستطيع منصف ان يزعم الجنادرية انتقت ضيوفها بشكل كامل وانها تجنبت ذوي الاتجاهات المخالفة لها، فالجنادرية الثقافية شهدت حضور أسماء لم يكن احد يتوقع ان تتصالح الجنادرية معها بل ان الفرصة اعطيت لكثيرين يقولون اشياء لا تتبناها الجنادرية الثقافية من على منبرها، وهذا أمر آخر يحمد لها في تفهم طبيعة الخلاف وفضل الحوار.
لقد جرى فهم الدعوات من الجنادرية على انها شراء ضمير من قبل البعض، ولكن بماذا تفسر اتجاهات كثير من الضيوف الذين ظلوا ينادون بالآراء نفسها بل ان بعضهم هاجم الجنادرية ذاتها فيما بعد، والواقع ان مشكلة بعض الضيوف هي حصولهم على بعض الامتيازات بطرقه الخاصة وعلاقته الشخصية مع الوجهاء فالاتهامات التي قد تطلق بأن فلانا قد تجندر بسبب ما حصل عليه يجب ان يعاد فيها النظر ليكون منطلق الحكم على الشخص ذاته، وقد شهدت الجنادرية ولائم ودعوات وتذاكر اقامة حج وعمرة وبعض الهدايا العينية التي لا تخرج عن الاطار آنف الذكر فتلك امور يصعب تصنيفها في اطار الشراء او حتى في اطار البراءة ما لم تكن الدلائل متوافرة.
لا تملك هذه الورقة التعليق على ما يحصل عليه بعض المتجندرين لأسباب عديدة، كما لا تملك التعليق على شراء الضمائر فذلك امر قد يلجأ اليه الكثيرون بوسائل اشبه بالمشروعة كالتكريم الذي هو في النهاية احتواء، والاهداء الذي هو في غايته طوق، ولكنها تملك سؤالا ملحا ومرا حول بيع الضمائر وما اذا كان احتمال البيع مطروحا فالذي يعرض ضميره وقلمه وذاته للبيع، ما اجدره بأن يشتري من أي جهة كانت، وما أجدره ان يكون نفاية ثقافية شاذة لا قيمة لها.
بهو الفندق
في جنادرية كل عام تزدهي قاعة الاستقبال الرئيسية في فندق قصر الرياض بالضيوف من المثقفين والصحافيين والاعلاميين، فهم يملأون ممرات الفندق وقاعاته بالأحاديث واللقاءات والندوات المصغرة على هامش الجنادرية، هذا العام شهد انحسارا في عدد الضيوف من المحليين وغيرهم وانحدارا في مستواهم، واصبحت أمسياتهم أكثر برودا وأقل أهمية تبعا لمستوى الضيوف والبرنامج الثقافي اليأس باد على محيا الذين لاحظوا التغير، والبؤس يرسم ملامح الذين يحضرون لأول مرة، انه ناقوس النهاية لاحتفالية جميلة يقرع.
الخيمة الثقافية
نصبت ادارة الفندق خيمة على حمام السباحة كانت هذه الخيمة قد شهدت معارك فكرية وسجالات شعرية في اعوام سابقة وحتى الجنادرية 15 وكانت فكرة الخيمة تأتي استلهاما للماضي وربما ترفا ثقافيا وتراثيا، وتكريما للضيوف، هذه الخيمة الثقافية تحولت الى خيمة شعبية بالكامل في العامين الأخيرين فالفصحى فيها أصبحت مثار سخرية واشتكى الكثيرون مما يشبه الطرد للثقافة الجادة من الخيمة فقد سيطر عليها بل احتلها الشعر العامي المراهق، وأصبح مرتادوها من نوع مأساوي من الغوغاء والدهماء، وامتد هذا الاحتلال الى قاعة الفندق الرئيسية ليأخذ مساحة كبرى فيه وعددا اكبر من الكراسي والطاولات بعد ان حقق ما لم يكن يحلم فيه من الوصول الى قاعة الملك فيصل المقر الرئيسي للبرنامج الثقافي، وبعد ان أصبحت الأمسيات الشعبية توضع جنبا الى جنب مع تلك التي يحييها كبار شعراء العربية، وقد بدأت المفاجأة المذهلة في العام 1420ه حين وصل البرنامج الشعبي للجنادرية الى القاعة الرئيسية بعد ان كان متواريا بخجل في أماكن مختلفة، وأصبح شاعر عامي متواضع يجلس في كرسي جلس عليه شاعر بقاعة الجواهري ، ولم يكن أكثر العاميين تفاؤلا يحلم ان تصل أمسيات العامية الى قاعة الملك فيصل التي شهدت سجالات الفكر والأدب والسياسة الى عام 1420ه وهذا العام 1421 ومن المثير للجدل ان هذا الموضوع لم يكن مثار غضب المثقفين المحليين بقدر ما اثار غضب الضيوف من امثال الفيتوري الذي استاء من وصول العامية الى هذه المكانة في الجنادرية وما يطلبه المتابع هنا هو فقط ابعاد هذه الأمسيات العامية عن القاعة الرئيسية الى أي مكان آخر، ومن المناسب وضع برنامج خاص لها بمعزل عن جدول وضيوف ومكان البرنامج الثقافي.
اللجنة الثقافية
موضوعات المحاضرات، أسماء المشاركين، أسماء الضيوف وما يثار حولها منذ المهرجان الاول عام 1405ه مسؤولية اللجنة الثقافية التي تكتفي اعلاميا بما يوجه اليها من مدائح في الصحف المحلية، ولم تسأل اللجنة نفسها لماذا لا يكون للجنادرية ببرامجها الثقافية ذكر في الصحف العربية؟ مع انها توجه الدعوة بشكل دوري للكثير من رؤساء التحرير والصحافيين والمحررين الثقافيين من كل البلدان العربية، ما يحسب لصالح اللجنة الثقافية انفتاحها على المثقفين من جميع التوجهات وانفتاحها مؤخرا على المغرب العربي وموريتانيا التي كان مثقفوها ولا يزالون بحاجة الى الدعوات والاعتراف من عرب المشرق وما يحسب عليها صمتها الاعلامي عن الخوض في موضوع الدعوات فهي لم توضح مثلا انها دعت فلانا ولم يستجب او لم يستطع، وتفيد المعلومات ان هناك اسماء دعيت ولم تحضر او اعتذرت في اعوام سابقة وهي أسماء مهمة ومثيرة لكثير من الكلام، مطلوب من اللجنة الثقافية ان تعلن عن الأسماء التي دعيت ولم تستجب كما هو مطلوب منها الاعلان عن تحفظاتها تجاه الأسماء الأخرى وأسباب ذلك لأن الصمت الحالي غير مفيد عدا انه يتيح فرصة لكثير من المعلومات غير الدقيقة للانتشار، والذيوع، يحدث هذا في كثير من المنتديات الثقافية العربية ومعارض الكتب حيث توضح اللجنة ان فلانا قد اعتذر عن الحضور او لم يستطع أو ان دعوته قد وصلت اليه فاتخذ موقفا سلبيا.
ان التوضيح الاعلامي سيعطي فرصة لمراجعة الكثير من الأسماء التي لم يعد سرا انها مكررة وغير مفيدة، واتاحة الفرصة لأسماء جديدة قد لا تكون اللجنة الثقافية على علم ومعرفة جيدة بها، وكون اللجنة الثقافية تعقد مؤتمرا صحفيا تجيب فيه على الأسئلة بوضوح يعقبها ايضا من الاتهامات بشراء الضمائر وما تعود عليه المثقفون العرب من تقاذف ومحاكمات غيبية لبعضهم البعض فهذا يغازل نوبل، وذاك يمالىء السلطة وهذا يجامل اسرائيل، وذاك يخطب ود الفرانكفورنية والأخير مرتم في أحضان النفط أو متجندر .
وأخيرا كان المتابعون والمهتمون يتوقعون ان تكون الجنادرية فرصة لمناقشة ومراجعة الكثير من القضايا الثقافية العربية والمحلية، فأزمة الروايات الثلاث في مصر لم تنته والاوضاع في فلسطين والجزائر، والخلافات على الساحة اللبنانية، والأحداث الاخيرة في الكويت، وتراجيديا الثقافة في السعودية، كلها موضوعات لم تكن لتغيب عن البال لو كان هناك هم مشترك يجمع المنتدين في الجنادرية، ولكن السؤال يبقى من أين يأتي ذلك الحس المفقود؟ وكيف تنتظر نتيجة لم تبذل أسبابها؟
ان الثقافة السعودية بأمس الحاجة الى جندرة بالمعنى المعجمي، فاذا كان الجبل كومة من الحجارة، والأسد مجموعة من لحم الخراف فان الثقافة عدد من المثقفين.
hujailan@hotmail.com
|
|
|
|
|