| مقـالات
كما أسلفت في زاويتي الخميس الماضي فإننا لا نستطيع مقاربة الانتاج الأدبي اللبناني في العشرين عاما الماضية دون ان ننطلق من محاور ثلاثة رئيسة يدور حولها موضوع هذا الأدب، وهي الحرب الأهلية اللبنانية، والأدب الفرانكفوني وعلاقة المثقف اللبناني بفرنسا كمصدر للحضارة والابداع، وأخيرا موقعه القلق في العالم العربي كدولة مواجهة يتضارب فيها الكثير من التيارات السياسية والمذاهب الدينية والعقائدية المتشابكة.
وكتاب الهويات القاتلة للروائي اللبناني المبدع أمين معلوف الصادر عن دار ورد للنشر والتأليف عام 1999 وقد نقله الى العربية د, نبيل محسن يدور أيضا في هذا المسار، ولكن الكتاب يقدم وجهة نظر فكرية تنظيرية وليس عملا أدبيا، وقد سبق أن قدم أمين معلوف في السابق أعمالا أدبية رائعة مثل ليون الأفريقي، وسمرقند، وصخرة طانيوس، وحدائق النور والتي نال على احدها جائزة جنيكور وهي الجائزة المخصصة للأعمال المتفوقة في الأدب الفرانكوفوني, والثيمة الرئيسة التي تدور حولها الروايات السابقة هي الأرضية المشتركة للبشرية جمعاء دون حواجز اللون والعرق والمذهب التي ترتفع عاليا في وجه المسيرة الانسانية فتحجزها عن مسيرتها الأهم والأعظم باتجاه نجاتها من الحروب والشرور والآثام التي تعمقها العنصرية التي تؤمن بقداسة العرق والاعتقاد وبالتالي ترفض اي وجود للآخر بل وتزدريه وتسعى الى إلغائه اعتقادا منها بأنها تمتلك خصائص التفوق والخلود دون البشر.
وفي كتابه الهويات القاتلة يسعى أمين معلوف الى الاندماج في انتماء انساني ونبيل في عالم مزعزع بالانقسامات والاضطرابات والمذابح الشريرة والتي تجد مبرراتها في اثنية قومية أو دينية، ونزوع الى يوتوبيا يصنعها في رأسه تنبع من وضعه كأديب لبناني عربي يعيش على أرض فرنسية، والطموح نحو الأخوة البشرية كما يرى الكاتب ليست الغاء للهوية الوطنية أو القومية بل هي حالة مزج ذات أفق أكثر رحابة وشمولية وعمقا، وينهي كتابه بقوله أنا الذي اتبنى كلا من انتماءاتي بأعلى صوتي لا استطيع الامتناع عن الحلم بيوم تسلك فيه المنطقة التي ولدت فيها الطريق ذاته، تاركة خلفها زمن القبائل وزمن الحروب المقدسة وزمن الهويات القاتلة لكي تبني شيئا مشتركا .
الكتاب يحمل ذلك الحلم الانساني القديم الذي لا يندثر ولا يتبدد، الكتاب أكثر من رائع ويستحق القراءة.
e-mail:omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|