| الاقتصادية
نشرت جريدة المدينة في العدد رقم 13768 صفحة رقم 20 خبرا غريباً جداً عنوانه ضبط طحينة مليئة بالصراصير فقد جاء في الخبر ان المواطن محمد صالح قد اشترى علبتي طحينة من صاحب معصرة في حي الرويس واكتشف وجود صراصير فيهما مما دفعه إلى التقدم بشكوى رسمية إلى أمانة محافظة جدة التي شكلت لجنة لمعاينة الموقع, ولقد اتضح للجنة بعد زيارة الموقع انه يفتقد لأصول النظافة المطلوبة وأن الموقع يعج بالذباب والحشرات الطائرة وأنه مخصص في الأصل بيع زيت السمسم وليس الطحينية, إلى هنا والخبر يبدو طبيعياً ولكن الغرابة تكمن في أسلوب المعالجة حيث أفاد الخبر أن أمانة مدينة جدة قد أنذرت صاحب المعصرة بالإغلاق النهائي ولم تقم بإغلاقه بالفعل, فعلى الرغم من تعدد المخالفات النظامية وعلى الرغم من اكتشاف المخالفة ومعاينتها على أرض الواقع فقد ظل المحل يعمل وظل معه المواطن السعودي عرضة للأمراض والمخاطر الصحية التي قد يسببها استهلاك مثل هذه الأطعمة الملوثة, السؤال الذي ربما يتبادر للذهن عند قراءة مثل هذا الخبر هو من يقف وراء هذا الإجراء الخاطئ؟ وهل هان المواطن السعودي على المسؤولين في أمانة جدة إلى هذه الدرجة؟ ثم ألم يكن في أسلوب المعالجة إشارة واضحة إلى قدرة صاحب المعصرة على تلافي العقاب مما دفعه لارتكاب المخالفات المتراكمة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فمن هو الموظف الذي يقف وراء صاحب هذه المعصرة ويحميه من الإجراءات العقابية التي نص عليها النظام؟ ثم أين كانت الأمانة عند هذه المخالفات قبل أن يكتشفها المواطن محمد صالح؟ أسئلة عديدة ربما تكشف الإجابة عليها الواقع الإداري للأمانة والحاجة الماسة إلى تصحيح الخلل قبل أن يصبح المواطن السعودي مدمناً على أكل الصراصير وغيرها من الحشرات الضارة.
وحتى لا نقسو على أمانة جدة ونحملها الخطأ لوحدها، فإن من المطلوب أن نشير إلى مخالفات أخرى لبعض الأجهزة الحكومية التي تقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه الأمانة, فعلى سبيل المثال تابعنا الخبر الصحفي الذي يقول بأن الرئاسة العامة لتعليم البنات قد عاقبت إحدى المدارس الأهلية بغرامة قدرها خمسة آلاف ريال لقيامها بافتتاح قسم ثانوي بدون ترخيص لاحظ هنا أن مقدار الغرامة لا يتناسب إطلاقا مع العائد المالي المتوقع من المخالفة مما قد يشجع على الاستمرار في المخالفة,, السؤال هنا ألم يكن لدى الرئاسة العامة لتعليم البنات المقدرة على تقدير المبالغ المالية التي تحصل عليها المخالف نتيجة لمخالفته؟ ثم ألم يكن بإمكان الرئاسة أن تفرض غرامة مالية على صاحب المدرسة تساوي أو تزيد عن المبلغ الذي دفعه أولياء أمور الطالبات الملتحقات بالقسم غير المرخص له؟ وماذا لو تمت معاقبته بإغلاق القسم المرخص له وتكليفه بإعادة الأموال التي تحصل عليها نتيجة لمخالفته فهل سيرتكب غيره نفس المخالفة؟ أعتقد أن الرئاسة مطالبة بتحديد موقفها من المخالفة، فإن كانت مخالفة تستحق العقاب، فإن العقاب يجب أن يكون رادعاً ومن جنس العمل حتى يحقق الردع المطلوب للمخالف وللآخرين، وإن كانت المخالفة لا تستحق العقاب الرادع فلماذا تعتبر في الأصل مخالفة ولماذا يلزم المخالف بدفع غرامة لا يعادل مقدارها نصف ما تدفعه طالبة واحدة من الطالبات الملتحقات بالقسم غير المرخص له؟
وفي مقام آخر نشرت الصحف خبراً مفاده قيام معهد تجاري بالتسجيل في الخفاء على الرغم من صدور قرار سابق بإغلاقه من قبل الجهات المعنية في المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ومن هذه المخالفة نستطيع استنتاج حقيقتين هامتين الاولى عدم وجود العقاب الرادع الذي يجعل المخالف يفكر كثيراً قبل ارتكاب المخالفة والثانية وجود خلل إداري وثغرات إدارية في أجهزتها الحكومية يستطيع من خلالها المخالف تلافي العقاب حتى لو كان رادعاً.
وبالتالي فإن تصحيح الخلل يجب أن يكون شاملاً ينطلق أولاً من داخل الأجهزة الحكومية التي لها علاقة مباشرة بالجمهور حتى نكفل عدم قدرة الموظف الحكومي على استغلال موقعه الإداري في خدمة مصالحه الخاصة ومصالح الآخرين خارج إطار عمله الحكومي، ثم بعد ذلك من بين أسطر أنظمتنا الإدارية والعقابية حتى نكفل لها جانب الردع المنشود من تطبيق العقاب البدني أو المالي, يجب علينا أن نسعى إلى تفويت الفرصة على الموظف الذي يضحي بالمصلحة العامة في سبيل تحقيق مصلحته الخاصة كما يجب أن نسعى إلى تفويت الفرصة على المستثمر الذي يظل يراوغ الانظمة ويبحث عمن يخدم مصالحه في الأجهزة الحكومية, فهل يتحقق ذلك؟ نتمناه عاجلاً.
*أستاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية
|
|
|
|
|