| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
كنت أود الكتابة عن دفتر التحضير هذا منذ زمن إلا أنني ترددت نظراً لكثرة الكتابة عنه الى أن وجدت نفسي مرغماً على ذلك في محاولة عسى ألا تكون يائسة لرد بعض الاعتبار للمعلم والمعلمة والذي انتزعه منهما هذا الدفتر العزيز, إذ لا اعتبار لشخص المعلم ولا لخبرته ولا لخدمته ولا لجهوده ولا لاجتهاده بل ولا حتى لسنه.
وقد يقال إنك تبالغ, ولكن هذا هو الواقع ما دام البعض ينظر الى العمل من خلال ثقب ضيق الى زاوية معتمة لا اعتبار لها ويدقق النظر ويركز على أشياء لا تخدم العمل بقدر ما تضر به وتفسده وتترك في النفوس آثارا غير محمودة تنعكس على العلاقات وعلى العمل نفسه في الوقت الذي يغفل فيه أولئك عن الجوانب المشرقة والتعامل الحسن ولين الجانب والتشاور في الأمر.
وما دام ينظر الى المعلم من خلال هذا الدفتر ويحكم عليه حكما ساذجا جائراً يذكرنا بقصة ذلك الاعرابي قديما حين جلس على مائدة طعام فتناول حبة من الموز ولم يكن رآها من قبل فرمى بلبها وأكل قشرتها!.
لقد جعل البعض هذا الدفتر مقياسا لنجاح المعلم وحذقه وأمانته وصدقه وإلمامه بمادته و,,و,, حتى وصف بأنه مرآة المعلم!!
وعجباً لهذه المرآة!! وعجباً أكثر وأكثر ممن يهتم بها وينظر الى الصورة ولا يكلف نفسه النظر إلى الأصل وهو أمامه ولا يستطيع مواجهة الحقيقة وهي بين عينيه ولا يعترف بالواقع وهو يعيشه!!.
ألا يمكن أن تكون المرآة مشروخة؟! ألا يمكن أن تكون مقعرة خادعة تبدو فيها الصورة أكبر من الواقع أو محدبة تظهر الصورة أصغر؟ ألا يمكن أن تكون الصورة ملطخة بالألوان مزينة بالمكياج؟!, عجباً ممن يكون همه في علم المعلم هذا الدفتر وكأنه هو أصل العمل وأساسه فإن كمل كمل سائر عمل المعلم وان نقص نقص سائر عمله!!.
قبل سنوات حضر أحد الموجهين درساً لأحد المعلمين فلم يُخف اعجابه بالشرح والتوضيح والطريقة والمناقشة و,, و,, وأثنى كثيرا وامتدح في الفصل وخارجه وفي دفتر الزيارة إلا أن العقدة دفتر التحضير ما زالت موجودة فأبى الموجه إلا أن يلطخ هذا الثناء ويفسده بالاشارة الى وجوب الاهتمام والعناية بالدفتر وذلك بأن يذكر فيه كل ما يتعلق بالدرس وشرحه!!! كما لم ينس الموجه أن يحمّل المعلم مسوؤلية ضعف بعض الطلاب!!! ولننظر بواقعية الى الغرض من دفتر التحضير:
يقال انه يعين المعلم ويساعده في الشرح على الوجه المطلوب, ولكم أن تتصوروا معلماً يدخل الفصل يحمل دفتره العزيز ثم يتصفحه ليكتب على السبورة, ثم ينظر مرة ثانية فيه ليشرح ثم ثالثة ليسأل ويناقش طلابه,, وهكذا.
ماذا سيقال عنه؟ بل كيف سينظر إليه طلابه؟!
إنه بذلك أشبه ما يكون بطالب مهمل لا يستطيع الاجابة عن الأسئلة إلا بالنظر في الكتاب ولا يدخل قاعة الاختبارات إلا بالبراشيم !!.
فإن قيل ليس هذا هو الهدف منه, قلنا فما هو إذاً؟ أهو واجب منزلي يؤديه المعلم؟! أم هو لشغل الفراغ الذي ينعم به المعلم الذي يحمل فيه عمله الى منزله في الوقت الذي يخرج فيه الآخرون من مكاتبهم تاركين أعمالهم خلف ظهورهم! فإن قيل ليس كذلك, قلنا لم يبق إلا أن يكون الغرض منه خدمة غير المعلم! وذلك لينظروا فيه فيحكموا على المعلم بيسر وسهولة دون عناء وليكون هذا الدفتر وثيقة أو شهادة تثبت للآخرين صدق نوايا المعلم واخلاصه وأنه يقوم فعلاً بالشرح ويؤدي أمانته,,!!!!
إذاً لو كان الهدف حقاً مساعدة المعلم في الشرح لكفى أن يكتب له وليس في حاجة مذكرة دائمة يحملها معه أو أن يستفيد من نفس دفاتره السابقة مادام يدرس نفس المواد والمناهج,, ولكن يأبى النقاد ذلك لأن فيه راحة للمعلم!.
وفي الواقع أن هذا الدفتر عديم الجدوى خاصة لذوي الخدمة والخبرة الطويلة,, ومما يثبت ذلك ان جل المعلمين إن لم يكن كلهم لا يكتبون تحضيرهم إلا بعد شرح الدرس وذلك لاسكات السائلين عن التحضير والمهتمين به ليس إلا!.
تصوروا,, في الوقت الذي كان فيه الزملاء يتبادلون التهاني بعيد الفطر المبارك وفي اليوم الثاني من استئناف الدراسة بعد اجازة العيد يأتي الى احدى المدارس خطاب ظنه البعض تهنئة بالعيد فإذا هو تحذير لمجموعة من المعلمين وقد كُتبت أسماؤهم بالخط العريض جزاء لهم وردعاً لأمثالهم ممن تسول له نفسه التقصير في حق دفتر التحضير!!!!
يأتي هذا الخطاب وبهذا الوقت دون اعتبار لشخصهم ولا لخدمتهم ولا لخبرتهم ولا لجهودهم ولا لدورهم في النشاطات المنهجية وغير المنهجية والتي تميزت بها مدرستهم منذ أعوام يشهد لها الجميع بحمد الله وفضله!!.
هذا الخطاب كان بناءً على زيارة تمت في شهر رمضان المبارك سُئل فيها عن دفاتر التحضير دون لقاء بالمعلمين فأخذ مستخدم المدرسة يقرع أبواب الفصول يطلب الدفاتر من المعلمين!.
فهل كان الغرض من الزيارة التربوية السؤال عن هذا الدفتر العزيز وتفقد أحواله؟!.
أم هي زيارة تفتيشية؟, لِمَ لم يتم الاجتماع بالزملاء المعلمين وطلب الدفاتر منهم مباشرة ما دامت بهذه الأهمية؟!.
أو على الأقل الاجتماع بمن لم يحضر واجبه لمعرفة الاسباب قبل أن يصدر الحكم ضدهم غيابياً مستعجلاً!!.
هل هناك أمر ما تم على أساسه الحكم دون حضور الطرف الآخر؟! فهلا نظر فلعل الخصم قد فقئت كلتا عينيه؟!!
هل القصد ارسال الخطاب؟ فليكن خطابا تربويا لطيفا يفي بالعرض يشكر فيه من قدم دفتره,, أم ان خطابات الشكر عزيزة؟! لماذا يعامل المعلم بهذه الصورة في الوقت الذي يوصي فيه التربويون بالرفق واللين الشديدين مع الطالب حتى وإن كان مشاغباً متطاولاً!!!!
عفواً فما هكذا تورد يا سعد الإبل.
الى متى نهتم بالتحضير ونتجاهل المعلم؟!.
أين مكانة المعلم؟ وتكريم المعلم؟ واليوم العالمي للمعلم؟ احتفالات وخطب وشعارات تزين بها الميادين والشوارع يحسبها الظمآن ماء!.
أين وفّه التبجيلا ؟! أين كاد المعلم؟ ومن علمني حرفاً؟ كلمات لم تترجم في كتاب الواقع وعبارات مُستهلكة انتهى تاريخ صلاحيتها ولم يُعمل بها!!.
فإلام نظل متمسكين بهذا الدفتر مع قناعة المعلمين وكثير من المشرفين وبعض مديري المدارس بأنه يمكن الاستغناء عنه دون أن يؤثر ذلك على العمل؟
فضلاً أعيدوا النظر بشأن هذا الدفتر قبل استدعاء ولي أمر المعلم! وصححوا الوضع, فحتام نستمر نمضغ القشرة ونذم الثمرة؟!
دعوا قطار التعليم يمضي ويواصل سيره بحرية وأمان لا تعيقوه ولا يكن الهدف ملء العربات بأي شيء، فلئن تبقى بعض العربات شبه فارغة خير وأفضل من ان تُملأ بما لا نفع ولا خير فيه.
أخيراً,, عذراً فليس القصد الانتقاد أو الشكوى أو الاساءة لأحد ولكنه واقع استشهدت به, وإن كان القول لم يعجب البعض فإن الفعل قبل ذلك قد ساء الآخرين ولولا أنه يحز في النفوس كثيرا أن تكون النظرة الى المعلم بهذه الصورة التي تلغي معنوياته وجهوده لما قلت ذلك,, ولكن,.
إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها |
عذراً مرة أخرى ونستودعكم الله, وكل عام ودفتر التحضير الموقر بخير,, و,,قم للمعلم!
يحيى بن محمد الغفيلي
متوسطة علي بن أبي طالب - الرس
|
|
|
|
|