| محليــات
صدر الأمر السامي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعداً لوزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية بمرتبة وزير, وتلقفت وسائل الإعلام هذا الخبر ونشرته الصحف والمجلات في صفحاتها الأولى مصحوباً بسيرة ذاتية مستفيضة لسموه شملت مؤهلاته الأكاديمية وإنجازاته العسكرية والمراتب التي تقلب فيها, وهي بحق سيرة حافلة بالإنجازات والأعمال التي تتحدث عن نفسها وتؤهله بجدارة لتسنم مثل هذا المنصب القيادي الرفيع.
إلا أن هناك جوانب من شخصية الأمير خالد لا تظهرها الشهادات الأكاديمية ولا الرتب العسكرية ولا الألقاب الرسمية ولا التاريخ الوظيفي, من هذه الجوانب مثلاً أن من يعمل مع الأمير خالد مباشرة ويحتك به على الصعيد الشخصي لا يملك إلا أن يعجب بشخصيته القيادية الفذة وأسلوبه العملي وسلوكه المنضبط وأحكامه الموضوعية في تقييم الأشخاص والمواقف بحسب النتائج ووفقا لتحقيق الأهداف المرسومة، ناهيك عن تفتحه وعقلانيته ورؤيته العصرية للأمور, ومن هذه الجوانب أيضاً أن الأمير خالد مثلما هو رجل عمليات عسكرية وخطط حربية واستراتيجيات هجومية ودفاعية هو أيضاً رجل مشاريع سلمية وإنسانية وثقافية, إنه بحق رجل السيف والقلم؛ لا يضاهي شجاعته العسكرية إلا شجاعته الأدبية في تبني جريدة الحياة التي تعد نموذجاً صحفيا فريدا في عالمنا العربي من حيث جرأة الطرح ومساحة الحرية الفكرية, وفي نفس الوقت الذي كان فيه منذ عشر سنوات يخوض حربا ضروسا ويقود معركة ضارية لتطهير الصحراء العربية وتحريرها من الغزاة والطغاة كان يدشن مشروعاً فريداً يهدف إلى توثيق ثقافة هذه الصحراء وتاريخها الحضاري والاجتماعي والذي آتى أكله حديثا على شكل موسوعة وثائقية متميزة في شكلها ومضمونها تتألف من إثني عشر مجلداً تسجل وترصد مختلف جوانب الحياة التقليدية والثقافية الشعبية في المملكة العربية السعودية, وحينما كتب قادة الجيوش التي شاركت في حرب تحرير الكويت وكل أراد أن يدعي الفضل لنفسه ولبلده وأن يغمط المملكة حقها، لم يسكت الأمير خالد وانبرى للدفاع عن المملكة وقيادتها وشعبهاً وأخذ على عاتقه مهمة توضيح دورها وحجم إسهاماتها وما قدمته من تضحيات في كتابه مقاتل من الصحراء الذي ترجم إلى عدة لغات عالمية وتحول إلى موسوعة في العلوم العسكرية والسياسية.
إن الحياة بالنسبة للأمير خالد سلسلة من التحديات الكبرى والمعارك الحاسمة، عسكرية ومدنية، حربية وسلمية, لا يقنعه من الشرف إلى السنام ولا من المجد إلا القمة ولا من الإنجازات إلا ما يشبه المعجزات, وإن كان الوطن والمواطن يتوقعان منه الشيء الكثير في موقعه الجديد فهو الجاني على نفسه حيث عودنا على ذلك وأصبحنا لا نستكثر منه الكثير ولا نستعظم العظيم, من واقع خلفيته وتكوينه ومؤهلاته يتوقع الجميع ألا يكون تنصيب الأمير خالد مساعدا لوزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية برتبة وزير حدثا عادياً مجردا من المعنى والدلالة بالنسبة لهذا الجهاز العتيد.
لا أحد ينكر التطور والقفزات النوعية التي مرت بها قواتنا المسلحة، عتاديا وبشريا، بحيث أصبحت قوة ضاربة يحسب لها حساب، بفضل قيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز, لكن البعض يرى انه آن الأوان لأن تندمج هذه المؤسسة العسكرية في المجتمع المدني وتثبت حضورها فيه وتثبّت جذورها بشكل فعال وملموس, فهي القادرة بما لديها من تجهيزات بشرية ولوجستية وانضباط سلوكي وتنظيمي أن تتبنى مشاريع مدنية حضارية عملاقة تسهم في تطوير هذا البلد وتحديثه وعصرنته، كما يفعل الحرس الوطني مثلا في المهرجان الوطني للتراث والثقافة ومكتبة الملك عبدالعزيز، وغيرها من المشاريع التي حولت الحرس من مجرد جهاز عسكري إلى واجهة حضارية مشرفة يشكر عليها.
ولو أراد الأمير خالد من موقعه الجديد لوزارة الدفاع والطيران أن تضطلع بهذه المهمة الحضارية الجسيمة وتثبت دورها السلمي والحضاري فإنني لا أتصور أنه سوف يواجه صعوبة كبيرة، ليس فقط بحكم ان هذا سيكون منسجما مع تكوينه وتوجهاته، ولا بحكم ما يتوفر لهذا الجهاز من كفاءات بشرية وتقنية، وإنما أيضاً وأهم من ذلك كله أن القائم على هذه الوزارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رجل ثقافة شديد الحرص على تبني المشاريع الإنسانية والحضارية العملاقة مثل مؤسسة الأمير سلطان الخيرية ومثل الموسوعة العربية العالمية ومثل مشروع الملك عبدالعزيز آل سعود: سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية , وقد قرأت في المشروع الأخير وثائق حررها مندوبون سياسيون وممثلون دبلوماسيون أجانب تتطرق لشخصية الأمير سلطان في مقتبل عمره، وكلها تركز على سعة اطلاعه وشغفه بالقراءة وحبه للمعرفة ومواكبته لكل ماهو جديد.
إننا نأمل أن يحدث تعيين الأمير خالد قفزة نوعية تنقل وزارة الدفاع والطيران من مؤسسة عسكرية صرفه إلى صرح حضاري يتفاعل معه ويشعر بوجوده العسكريون والمدنيون ورجال السيف والقلم وقادة الجيش وقادة الفكر, ثم لا ننسى أن أعظم المكتشفات العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تلك التي تتعلق بغزو الفضاء والحاسب الآلي والسلاح النووي وحرب الجراثيم وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره، لم تصدر من الجامعات وإنما من وزارة الدفاع الامريكية وكم من الاختراعات والاكتشافات التي تبدأ أولا في القطاع العسكري السري لتنتقل إلى القطاع المدني بعد أن يأتي ما هو أكثر منها تطورا وكفاءة, وأرجو أن يسمح وقت الأمير خالد وتسنح له ولمساعديه ومستشاريه الفرصة للاطلاع على المبالغ التي تنفقها وزارة الدفاع الأمريكية على الأبحاث العلمية وعلى نشاطاتها في هذا المجال.
وجامعاتنا تزخر بالكفاءات الوطنية الذين يمكن أن يمدوا يد العون لوزارة الدفاع ويساهموا في برامجها البحثية وكذلك في مشاريعها الثقافية والفكرية.
|
|
|
|
|