| مقـالات
** حسب ظني، حتى الآن لم تصدر مجلة عربية في أي بلد عربي تحمل قضايا وهموم الوطن العربي بصورة مبسطة، تناسب عقل الطفل, وتفتح مفهوم الأطفال نحو الحقيقة كيف يتواجد معها ويتعاطف معها, لم تخرج إلى النور حتى الآن أية مجلة تقدم مادة فكرية تنمي الروح الوثابة لديه، وتغذيه بالأخلاقيات السامية,, وترصد موقف الطفل من حيث علاقتُه بذاته وبالآخرين.
ولم نجد أي مطبوعة تمده وتعلمهُ لكيفية أن يتعامل مع أزماته ويتدبر طريقه في الحياة بمفرده، انطلاقاً من ثقة مختزنة في وعيه,, عندما يقرأ المادة المعروضة تحرك ما لديه من فهم في بداية تكوينه ويبدأ من هنا يستخدم عقله بصورة فعالة مبتكرة.
منذ كنا أطفالاً وحتى الآن تكاد ان تكون المجلات التي كنا نقرأها ذاتها مستمرة بالأسلوب ذاته وبالشخصيات التي كنا نعرفها,, ربما طرأت بعض الخواص على تلك الشخصيات عندما دخلت عليها بعض مواصفات العولمة والتقنيات الحديثة,, ولكن في ذات نمط الفكر والعتمة التي تسود قراءة الحدث والبعد عن تشخيص الواقع، إنها قراءات لا تحرر الوعي الإنساني لدى الطفل من المطلقات ولا تقدم له صيغة واضحة حول خصوصيته الثقافية.
المجلات المقدمة للطفل لم تزل تعيش إرهاصات الماضي عندما كان الكبار يعملون على إقصاء الطفل من دائرة النضج، انهم الناضجون المدركون الناصحون وعلى الطفل السمع والطاعة، وأن يغلق كل منافذ العقل والاستيعاب لديه من باب الأدب والطاعة,, متناسين ان طفل اليوم قد يفوق بعض البالغين وعيا وإدراكاً على الاقل بمستجدات العصر فهو نابغ في تعامله مع الإنترنت,, ذلك العالم المزدحم بكل المعارف,, ليل نهار تصب في رأسه وتتفاعل في وجدانه وتساهم في بلورة شخصيته,, غير التعامل مع التقنيات العديدة ومواكبته حتى دون إرادة منه لكل التطورات العلمية, لم تزل المجلات الحالية تقدم البطل ذا القوة الخارقة للطبيعة، أو الذي يمتلك قدرات تفوق الخيال كالطيران الذاتي، واختراق المادة الصلبة ببصره المجرد, او لديه قدرات عقلية مذهلة,, بلا شك مثل هذه الشخصيات والسلوكيات تخلق سعة في خيال الطفل وقد تنمي لديه التنوع في مجال أحلام اليقظة، وذلك بما تخلقه لدى الطفل من شعور بالانبهار والاعجاب ومن ثم تجعله اما شخصا خياليا اتكالياً يستهين بقدراته المحدودة حسب اعتقاده، ويفقد ثقته بنفسه مادام ليس لديه تلك القدرات الخارقة التي يمتلكها صديقهُ البطل في مجلته المفضلة,, وإما أن تولد لديه روح المغامرة والشقاوة والجريمة والعدوان, وبهذا يبتعد عن واقع البيت والمدرسة والوطن وكل مايجري حوله من أمور حياتية جادة,, الامر يتطلب تقديم موضوعات للطفل تحترم عقله النامي المدهوش مما يدور حوله,, تلك الدهشة الجميلة، التي تقوده الى الاكتشاف والمعرفة,, طفلنا يحتاج الى دعوة تعمق شعوره الإنساني بالآخرين، تلغي الفواصل بين المحلي والعالمي والاقليمي، وترسخ القيم والأفكار الخلاقة لديه، وعلى المثقفين ان يحتلوا واجهة المشهد الثقافي المتعلق بالطفل,, ان يستخدموا الغطاء الرمزي او الإنساني الشفاف لكل حدث، ليستخرجوا مشروعاً شمولياً يتعلق بفاعل بشري جديد، ينفتح معه إمكان للتحرر من صور وأطياف عن الإنسان الحالي عما كان سابقاً,, عليهم طرح أفكار ذات جدوى وعمق تخدم نمو الطفل العقلي والخلقي, أتمنى أن تكون لنا مجلة عربية جادة للطفل تقدم روح ومضمون حياتنا كعرب ومسلمين وشعوب تسعى للارتقاء بكل جهودها، أناس يصارعون صعابا جمة,, لا نريد مطبوعات لأطفالنا تعتمد في نقل أحداثها من الترجمة الحرفية والنقل عن حياة شعوب تختلف عنا بكل شيء, مجلة تلتزم بقضايا تمس حياتنا وتمثل كل همومنا وسعادتنا, بذلك نخلق أطفالا أسوياء من حيث الانتماء القومي لأوطانهم وامتهم.
|
|
|
|
|