| مقـالات
العمل المثمر المنتج هو ذلك العمل الذي يستند إلى أسس واضحة ومرتكزات سليمة لا تهددها القوارض والمؤذيات, والإداري في أي عمل هو الركن الأساس الذي لا يقوم بدونه بناء المنشأة التي تقوم بذلك العمل، وبالتالي فإن العلاقة المنتجة بين المنشأة والإداري يجب ان تكون مبنية على صدق الانتماء والإخلاص، ثم لابد أن تكون مغذاة بالاحترام المتبادل بين الطرفين؛ لأن هذا الاحترام هو الماء الذي تسقى به بساتين تلك العلاقة لتزهر حقولها طيب الجناء، ولتثمر أشجارها يانع الثمرات.
والنتيجة الطبيعية لحسن العلاقة بين الإداري والمنشأة التي يعمل فيها أن تتولد رغبة أكيدة في نفوس العاملين من أجل التعريف برسالة المنشأة التي يعملون فيها، والسعي إلى تحقيق المكاسب المادية والمعنوية لها.
وأهم وسيلة لتحقيق رغبة العاملين في التعريف برسالة المنشأة التي يعملون فيها وتحقيق المكاسب لها هي: وسيلة العلاقات العامة؛ إذ إن العلاقات العامة وسيلة مهمة من وسائل الاتصال، ولا سيما في هذا العصر عصر التطور والتقدم العلمي.
المقصود بالعلاقات العامة
يعرف بعض علماء الاتصال العلاقات العامة بأنها :العمل الذي يهدف إلى كسب الجمهور، وإلى تحسين صورة المؤسسة في نظر المتعاملين معها؛ وذلك لتحقيق هدف مادي أو معنوي , (1)
وعرفها كانفيلد بأنها : الفلسفة الاجتماعية للإدارة والتي تعبر عنها من خلال أنشطتها وسياستها المعلنة للجمهور لكسب ثقته وتفاهمه , (2)
وعرفها آخرون بأنها :أي جهد تبذله المؤسسة، وأي قرار تتخذه، وأي سياسة تتبناها، وأي رسالة تصدرها أو تستقبلها ما دامت تستهدف تعزيز التفاهم بين المؤسسة وكل أو بعض جماهيرها , (3)
فالعلاقات العامة في ضوء ما ظهر لي من التعريف الأخير هي: فلسفة إدارية شمولية ذات طبيعة اتصالية مؤثرة، وقد لاحظت أن اختلاف تعريفات العلاقات العامة عائد إلى ما شهده علم العلاقات العامة من تطورات في النظريات الإدارية والاجتماعية والتنظيمية.
والعلاقات العامة أصبحت اليوم تخصصا مستقلاً؛ بحكم التطور التقني الهائل الذي شهدته وسائل الاتصال ووسائطه، وهو تخصص مطلوب في المنشأة الحكومية، كما هي في المنشأة الخاصة؛ لأن أهم وظائفها هو: تحقيق كسب مادي أو معنوي للمنشأة التي تتبعها,.
اصبحت العلاقات العامة اليوم ضرورة، ودعامة أساسية للمؤسسات بأنواعها وأشكالها المختلفة، المالية والتجارية والصناعية والاقتصادية والسياسية والعلمية وغير ذلك، ففي كل مؤسسة من هذه المؤسسات تظهر الحاجة ماسة إلى إيجاد شعبة للعلاقات العامة.
بل إن تخصص العلاقات العامة أصبح مركزاً تتفرع منه تخصصات أخرى، كتخصص العلاقات التربوية، والعلاقات الدعوية مثلاً.
أسس العلاقات العامة
العلاقات العامة عملها الأهم كما هو واضح من تعريفها السابق ذكره هو: الاتصال بالجماهير، أي ترسيخ التواصل بين المؤسسة أيا كانت صفتها حكومية أو أهلية، وأيا كانت طبيعة عملها دينية او علمية أو اقتصادية الخ,, وبين المستفيدين من خدماتها ومواردها وأعمالها, وأهم أسس للعلاقات العامة هي:
1 حسن التعامل مع الناس؛ لأن المؤسسة تسعى إلى كسب هؤلاء الناس، وتعمل كل ما تستطيعه ليقبلوا إليها، وليتقبلوا أعمالها بصدر رحب وقبول تام، ورجل العلاقات العامة هو رجل الاتصال في هذه العلاقة.
2 توليد الثقة بالمؤسسة وبرجل الاتصال (رجل العلاقة العامة) في نفوس المتعاملين مع المؤسسة؛ لأن هذه الثقة هي وسيلة كسب ودهم، وهي وسيلة تحقيق رضاهم.
3 العمل على ترسيخ مفاهيم وقيم معينة هي قيم ومفاهيم رسالة المنشأة التي تتبعها العلاقات العامة.
وهذه القيم والمفاهيم تكون واضحة اكثر في المؤسسات الحكومية الخدمية، أي تلك الجهات المخصصة لخدمة الجمهور، كوزارة البلديات ووزارة الزراعة والمياه ووزارة المعارف، فالعلاقات العامة في هذه الجهات وما يماثلها تهدف إلى بث قيم ومفاهيم تربوية وتوعوية تساعد على تحقيق أهداف الجهاز في عدم الإسراف في الماء، أو المحافظة على النظافة العامة، والتحصيل العلمي، وهكذا,.
خطوات عمل العلاقات العامة
أظهر صفات العلاقات العامة وأوضح ملامحها أنها في الأساس عملية ذات طبيعة اتصالية، وغير ذلك من الصفات العلمية والاجتماعية,, إلخ تأتي تبعاً ونتيجة لاحقة، لذا فإن خطوات عمل العلاقات العامة تتكون من خمس خطوات على النحو التالي:
1 البحث وجمع المعلومات.
2 التخطيط وتصور الأطر والمجالات.
3 العمل والتنفيذ تطبيق الأطر .
4 الاتصال.
5 التقويم والتقييم.
ضوابط العلاقات العامة
العلاقات العامة علاقة بين طرفين، الطرف الاول: مؤسسة أو منشأة حكومية أو خاصة، ويمثلها رجل الاتصال (رجل العلاقات العامة).
الطرف الثاني: المستهدفون بهذه المنشأة، وبالعلاقات العامة ورجالها.
لذلك كله يمكن تبين عدد من الضوابط الهامة في العملية الاتصالية للعلاقات العامة، من أهمها على سبيل المثال، لا الحصر ما يأتي:
1 المخالطة وعدم الانعزال عن الناس؛ لأن من طبيعة الاتصال مخالطة من نريد الاتصال به وإلا لم نستطع توصيل رسالتنا الاتصالية له.
2 التعاون؛ لأن هدف العلاقات العامة هو تحقيق مكاسب مادية أو معنوية للمنشأة، وهذا لا يتحقق إلا في ظل التعاون المثمر مع الأطراف التي لا تتحقق هذه المكاسب إلا عن طريقها.
ومن هنا تظهر أهمية التعاون بين المسؤولين والموظفين في المنشأة التي تتبعها العلاقات العامة، وكذلك التعاون مع المستهدفين برسالة المنشأة.
3 مراعاة بيئة المجتمع الذي تعيش فيه المنشأة ويعمل رجال العلاقات العامة على كسب أفراده لصالح منشأتهم، فالمجتمع السعودي مثلا مجتمع متدين بصفة عامة، فهو يحتاج إلى طريقة خاصة وأسلوب خاص في التعامل، وهكذا,.
وقد أشار بعض الباحثين إلى أهمية العوامل البيئية والثقافية والحضارية وتأثيرها في السلوك الإنساني، وفي أسلوب التعامل, (4)
4 تحديد الهدف من العلاقات العامة، وهو هدف ينطلق أساساً من هدف المنشأة ذاتها وما تتطلع ان تصل إليه برسالتها.
وتحديد الهدف في مجال العلاقات العامة له مواصفات محددة، تساعد على تحقيق وظيفة العلاقات العامة في المجتمع الذي تخدمه أو تتعامل معه، من أهمها:
أ, تحديد الهدف تحديداً واضحاً، والتعرف على مواصفاته.
ب, الربط بين الهدفين وبين أهداف المجتمع، سواء كانت أهدافاً للتنمية الاجتماعية أو الاقتصادية.
ج, اتخاذ الهدف أساساً للتخطيط والتنظيم، والإدارة بالاهداف من المناهج الإدارية التي نشأت بسببها نظريات إدارية متنوعة.
د, متابعة العمل وتقويم الأداء؛ للتأكد من سير العمليات قدما نحو تحقيق الأهداف المطلوبة, (5)
5 الاهتمام بالجماهير الخارجية وكسب دعمها وتأييدها, (6)
6 دعم القيادة العليا في المنشأة لإدارة العلاقات العامة ورجالها، والاهتمام بها اهتماماً يعينها على تحقيق رسالتها.
تأثير القيادة العليا في عمل العلاقات العامة
عرف تاننباوم القيادة بأنها التأثير الشخصي في موقف معين بواسطة الاتصال؛ لتحقيق هدف أو أهداف محددة ويذهب كوشان إلى أن القيادة هي: عملية تأثير تتغير بموجبها أفعال , (7)
والقيادة العليا، على اختلاف مدارسها ومشاربها لها تأثير قوي في المنشأة وفي العاملين في التنظيم، ومن هؤلاء: رجال العلاقات العامة، ومن المؤكد ان عمل العلاقات العامة يعتمد بشكل كبير على مدى تقبل الإدارة أي القيادة العليا لتوصيات إدارة العلاقات العامة، ودعمها بشتى طرق الدعم.
والعلاقة بين إدارة العلاقات العامة وبين القيادة الإدارية العليا يحكمها:
أ, وعي الإدارة العليا، ومدى اعترافها بأهمية عمل العلاقات العامة بشكل عام.
ب, قيام جهاز العلاقات العامة بعمله بطريقة سليمة، وشعور الإدارة نتيجة لذلك بجدوى الاعمال التي يقوم بها الجهاز.
ج, مستوى التوصيات المقترحة من جهاز العلاقات العامة وجديتها, (8)
العوامل المساعدة والكيفيات المناسبة التي تقدمها القيادة العليا للعلاقات العامة
هناك عدة عوامل تساعد القيادة الإدارية العليا على النهوض بعمل العلاقات العامة، وهناك كيفيات مناسبة لهذا العمل.
فمن أهم العوامل العائدة للقيادة الإدارية العليا في مجال العلاقات العامة ما يأتي:
1 اتخاذ القيادة العليا المواقف المناسبة والسياسات الناجحة التي تسهل من عملية تكيف المنشأة مع البيئة المحيطة، وتستجيب لمتطلبات المجتمع، وهذا من صلب وظيفة العلاقات العامة، والقيادة الإدارية العليا تملك مفتاح التأثير فيه بقوة.
2 الوعي بطبيعة المنافسة، فالمنشأة لا تعيش في المجتمع وحدها، ولا سيما إذا كانت ذات طبيعة اقتصادية أو تجارية، بل هناك منافسون يسعون لتحقيق الهدف الذي تسعى هي إليه، وهو كسب الجمهور والفوز بتعاطفه معها، لذا فلابد من الوعي بطبيعة المنافسة واتخاذ التدابير المناسبة من القيادة العليا عن طريق تخطيط وتنفيذ برامج العلاقات العامة.
3 رفع المستوى الإداري لجهاز العلاقات العامة ليتمكن مسؤولو هذا الجهاز من الاتصال المباشر بالقيادة العليا، وعرض الاقتراحات، وجلب التوجيهات بسرعة وفاعلية أكبر من تنفيذ هذه العملية عن طريق وسطاء إداريين ومشرفين.
وأما عن الكيفيات المناسبة التي يحسن بالقيادة العليا ان تتخذها في مجال العلاقات العامة، فأهمها:
1 حسن التخطيط للعمل، فالمسؤول الأعلى في المنشأة هو القادر على صناعة القرار وعلى إعادة صياغة طريقة العمل، وعلى تعيين القائمين بالإشراف على مجموعات العمل، وعلى اعتماد الحوافز العادلة للعاملين.
2 توفير مناخ العمل القادر على حفز همم العاملين وشحذها لصالح الأهداف المتوخاة من عمل المنشأة.
3 تنمية قدرة وأسلوب ومهارة وكفاءة القيادة المشرفة على مجموعات عمل العلاقات العامة؛ لان كفاءة القيادة وحسن استخدامها للأساليب المناسبة من العوامل المهمة لحسن سير العمل ونجاحه.
إن الإنسان داخل التنظيم الإداري وخارجه يتأثر بالتنظيم الإداري ويؤثر فيه، ولذا لابد من تكييف التنظيم الإداري على أساس حساب إنسانيته وعواطفه، والحرص على تحقيق التوازن في مجال حقوقه وواجباته ليتحقق نفع الفرد والمنشأة الإدارية.
وكما انه من البدهي ان كل كائن لابد له من طاقة تحركه، وبحسب قوة وكفاءة هذه الطاقة تكون قوة وكفاءة الحركة الناتجة عنها؛ فإن المعاملة الحسنة هي الطاقة التي تحرك الإنسان وتؤثر في كفاءة عمله.
إن العلاقات العامة عملية اتصالية، تجدها في المؤسسات أو أي منشأة لها تنظيم معين.
وتجدها عند أفراد وهبهم الله عز وجل قدرة عجيبة على البشاشة، وعلى استقطاب إعجاب الآخرين والاستئثار بقلوبهم؛ نتيجة الطبيعة الاتصالية التي فطروا عليها، مما زرع لهم علاقات عامة مع الآخرين بصورة مذهلة.
فهل يعي المسؤول والقائد الإداري هذه الحقيقة لاستثمارها في تهيئة الأجواء لعلاقات عامة متميزة تسهم في رفع مستوى أداء إدارته، والرضا الوظيفي لدى موظفيه؟
الهوامش:
(1) الأستاذ زين العابدين الركابي، العلاقات العامة ووسائل الاتصال محاضرات مكتوبة باليد، مخصصة لطلاب الدراسات العليا بكلية الدعوة والإعلام بالرياض عام 1412ه ص8.
(2) علي عجوة، الأسس العلمية للعلاقات العامة، الطبعة الثانية، عالم الكتب بالقاهرة، ص20.
(3) الدكتور عبدالرحمن العناد، تخطيط وإدارة برامج العلاقات العامة، الطبعة الأولى 1414ه ص15.
(4) انظر: ناصر العديلي، تحليل التعامل الإنساني في منظمات العمل، مجلة الإدارة العامة ع 45 رجب 1405 ه ص92.
(5) انظر: الفريق جعفر العبد، الهدف أساس العمل الإداري، مجلة الإدارة العامة ع22 ذو الحجة 1398ه ص 96 باختصار.
(6) انظر: إبراهيم الطخيس وعماد الجربتلي ، العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية، نشر مطابع الشرق الأوسط بالرياض 1405ه ص 109 113.
(7) انظر: الدكتور أحمد فقيري، عمليات التأثير في المنظمة وانعكاساتها على أنماط القيادة، مجلة الإدارة العامة ع46 شوال 1405ه ص7 و8 باختصار.
(8) الدكتور عبدالرحمن العناد، تخطيط وإدارة برامج العلاقات العامة، ص40.
|
|
|
|
|