أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 28th January,2001 العدد:10349الطبعةالاولـي الأحد 3 ,ذو القعدة 1421

مقـالات

شهوة قراءة الأرقام
سلم رواتب الموظفين ,, قراءة نحو هيكلة وخصخصة صحيحتين
م/ عبدالرحمن بن عبدالله النور
لم أكد اصحو من النوم وعيناي تفتحان نافذتيهما على مصراعيهما بعد غيبوبتهما الرمادية، وشمس العصر تدخل من نافذتي وتتزاور عني ذات الشمال، وأنا أتزاور عنها ذات اليمين، إلا وأنا بشهوة قراءة الأرقام تقفز من رأسي فجأة وتنتصب أمامي، ثم تقفز على أوراق أرقام السلم الوظيفي وتتقافز بين مراتبه ودرجاته مرتبة مرتبة ودرجة درجة، وثارت ثائرتها تطلب قراءة أرقام السلم الوظيفي وفهمه ودراسته وما يحتويه من مراتب ودرجات وأمور اخرى، وكيف جاء؟ ومتى جاء؟ ولماذا جاء؟ وكيف حاله؟ وما هي أحواله؟ وإلى أين يسير بنا؟ والى اين نحن نسير به؟
وبحركة واحدة بسطت شهوة قراءة الأرقام أوراق السلم الوظيفي على وجه الجدار المقابل لي وتركت عيني تركضان على جسده وفي تفاصيل أعضائه، فكانت مراتب ودرجات السلم الوظيفي تبدأ وتستمر وتنتهي كما يلي:
سلم رواتب الموظفين، مراتبه ودرجاته:
يحتوي سلم رواتب الموظفين (السلم الوظيفي) في وقته الراهن على المراتب والدرجات التالية:
المرتبة الأولى تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 1500 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 100 ريال كعلاوة لكل درجة، اي ان الموظف عند تعيينه على المرتبة الاولى عند الدرجة الأولى يبدأ براتب مقداره 1500 ريال ويصل بعد 15 سنة الى راتب مقداره 2900 ريال.
المرتبة الثانية تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 1825 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 120 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الثالثة تبدأ بالدرجة الأولى براتب مقداره 2210 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 140 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الرابعة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 2655 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 170 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الخامسة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 3190 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 200 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة السادسة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 3815 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 230 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة السابعة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 4530 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 270 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة التاسعة تبدأ بالدرجة الأولى براتب مقداره 6240 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 350 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الثامنة تبدأ بالدرجة الأولى براتب مقداره 5285 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 310 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة العاشرة: تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 7000 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الخامسة عشرة بزيادة 380 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الحادية عشرة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 8165 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الرابعة عشرة بزيادة 400 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الثانية عشرة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 9390 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الثالثة عشرة بزيادة 430 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الثالثة عشرة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 10705 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الثانية عشرة بزيادة 455 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الرابعة عشرة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 12095 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة الحادية عشرة بزيادة 525 ريال كعلاوة لكل درجة.
المرتبة الخامسة عشرة تبدأ بالدرجة الاولى براتب مقداره 15000 ريال وتمتد درجات هذا السلم الى الدرجة العاشرة بزيادة 650 ريال كعلاوة لكل درجة.
هذه هي مراتب ودرجات سلم رواتب الموظفين الحالي، وهذا السلم لم يأت بشكله الراهن فجأة، بل إن الأمر سار عبر مراحل زمنية حدثت فيها تطورات كثيرة، أثرت إيجابا في مراحل ثم سلبا في مراحل لاحقة، ومعرفة كيف جاء السلم الوظيفي تحتم معرفة ما هو تاريخ نظام الخدمة المدنية لدينا؟ وكيف جاء وتطور هذا النظام؟
تاريخ نظام الخدمة المدنية
/ مراحل النشوء والتطور:
ورد تاريخ نظام الخدمة المدنية في كتاب (مبادىء الخدمة المدنية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية) لكاتبه عبدالله السنيدي في سرد مطول لمراحل نشوء وتطور نظام الخدمة المدنية، وتعتبر النواة الأولى لنظام الخدمة المدنية هي في بيان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، بعد فتحه لمدينة مكة عام 1343ه الموافق 1924م، حين اصدر رحمه الله بيانا هاما الى اهل مكة ورد فيه: من كان من علماء وموظفي حرم او مطوفين ذو راتب معين فله ما كان عليه لا ينقصه شيئا، إلا رجلا أقام عليه الناس الحجة أنه لا يصلح لما هو عليه وكان هذا البيان هو النواة الأولى لنظام رسمي لشؤون الموظفين، وفيه إشارات مهمة لمضامين مهمة، وفيه إشارة الى قانونين مهمين أساسين في مبادىء الخدمة المدنية وهما: القانون الأول (الموظف للوظيفة وليست الوظيفة للموظف)، والقانون الثاني: (الوظيفة تكليف وليست تشريف) وهذان القانونان في غاية الأهمية لدراسة وتفسير حال نظام الخدمة المدنية وسلم رواتب الموظفين.
ثم صدرت التعليمات الأساسية في المرحلة الثانية عام 1345ه لتنظيم مختلف شؤون الدولة، وقد تضمنت هذه التعليمات أحكام وقواعد في شؤون الموظفين تتعلق بشروط التعيين على الوظائف العامة، وحقوق الموظفين وتعيينهم وإنهاء خدماتهم.
ثم جاءت المرحلة الثالثة حين صدرت التعليمات الخاصة في سنة 1347ه في اثنتي عشرة مادة تتضمن قواعد شؤون الموظفين وفي هذه المرحلة تم تقسيم الوظائف الى ثلاثة مستويات هي: المستوى الأول: يشمل وظائف مدراء المصالح، المستوى الثاني: يشمل الوظائف التي تزيد رواتبها عن اربعمائة قرش أميري، ويتم التعيين عليها من قبل نائب الملك, المستوى الثالث: يشمل الوظائف التي تقل رواتبها عن أربعمائة قرش أميري، ويتم التعيين عليها من قبل مدراء المصالح والحكام الإداريين.
ثم جاءت المرحلة الرابعة بصدور نظام المأمورين عام 1350ه، الذي شمل مائة واثنتي عشرة مادة قسمت الى عشرة فصول تتعلق بأحكام التعيين، الرواتب، واجبات الموظفين، تصنيف الوظائف، الترقيات، الإجازات، النقل، إنهاء الخدمة، محاكمة الموظفين وأنواع عقوباتهم، وفي هذه المرحلة قسمت الوظائف الى قسمين، قسم الوظائف الكبيرة كوظائف الأمراء والقضاة ورؤساء المصالح وقسم يشمل بقية الوظائف الاخرى.
ثم جاءت المرحلة الخامسة بنظام الموظفين عام 1364ه ويضم هذا النظام مائتين وخمس عشرة مادة وفي هذا النظام قسمت الوظائف الى إحدى عشرة مرتبة، منها مرتبة ممتازة وقسمت المراتب العشر الأخرى الى ثلاث حلقات، الحلقة الأولى تشمل المراتب (الأولى، الثاني، الثالثة، الرابعة)، والحلقة الثانية تشمل المراتب (الخامسة، السادسة، السابعة)، والحلقة الثالثة تشمل المراتب (الثامنة، التاسعة، العاشرة).
ثم تبعتها المرحلة السادسة بنظام الموظفين العام لسنة 1377ه وقد احتوى هذا النظام على 129 مادة وقسمت فيه الوظائف الى المراتب التالية (مرتبة وزير، المرتبة الممتازة، المرتبة الأولى (أ)، المرتبة الأولى (ب) المرتبة الثانية الثابتة، المرتبة الثانية العادية، المرتبة الثالثة المرتبة الرابعة، المرتبة الخامسة، المرتبة السادسة، المرتبة السابعة، المرتبة الثامنة، المرتبة التاسعة.
ثم جاءت المرحلة السابعة بعد صدور نظام الموظفين العام لسنة 1391ه والذي صدر في 86 مادة، ثم وصل الامر الى نهايته في المرحلة الثامنة عندما صدر نظام الخدمة المدنية لسنة 1397ه وهو امتداد لنظام 1391ه وفي هاتين المرحلتين تبلور السلم الوظيفي بشكله الحالي المعروف مع زيادة درجات المراتب الدنيا والوسطى في عام 1415ه.
هذا هو تاريخ تطور نظام الخدمة المدنية وكيف وصل الى سلم رواتب الموظفين الحالي، ومعرفة هذا التاريخ وسنواته ومراحله مهمة جدا لمعرفة المأزق التاريخي الذي وقع فيه نظام الخدمة المدنية والسلم الوظيفي المرتبط به دون وعي من المسؤولين عن وضعه وتصميمه، ولمعرفة هذا المأزق فإنه يجب الحديث اولا عن السلم الوظيفي من حيث ادواره الوظيفية.
الأدوار الوظيفية للسلم الوظيفي:
السلم الوظيفي له دوران وظيفيان أساسيان هما، الدور الوظيفي الأول: تحديد رواتب وظائف السلم الوظيفي فيما يتناسب مع نوع وحجم مهام الوظائف الحكومية في القطاعات الحكومية, والدور الوظيفي الثاني: ضبط حركة الموظفين الى المراتب الأعلى عن طريق الترشيح والاصطفاء من بين الموظفين للترقي الى تلك المراتب.
دور تحديد رواتب وظائف السلم الوظيفي:
يتم تحديد راتب الموظف حسب المجموعة الوظيفية التي تنتمي لها الوظيفة مع الأخذ بعين الاعتبار مؤهلات الموظف التعليمية وسنوات دراسته وخدمته، مع اقتطاع جزء من راتب الموظف يتم ادخاره للموظف الى حين تقاعده وهو ما يعرف بنظام معاشات التقاعد، ورواتب السلم الوظيفي في عام 1377ه كانت تبدأ بالمرتبة التاسعة كأقل مرتبة في ذلك السلم بمربوط قدره 400 ريال ونهاية المربوط هو 525 ريال بعلاوة قدرها 25 ريال، وينتهي ذلك السلم صعودا بالمرتبة الاولى بمربوط قدره 5000 ريال ويليها المرتبة الممتازة بمربوط قدره 8000 ريال ثم مرتبة الوزير بمربوط قدره 10000 ريال، وهذه المراتب الثلاث الاخيرة هي مراتب ثابتة وليس لها علاوة، ثم بعد مرور عشرين سنة اي في عام 1397ه تم تعديل رواتب هذا السلم وتغيير مراتبه لتبدأ اقل المراتب بالمرتبة الأولى عند الدرجة الاولى براتب مقداره 1015 ريال وعلاوة سنوية مقدارها 100 ريال، وينتهي بالمرتبة الخامسة عشرة عند الدرجة الاولى براتب مقداره 9255 ريال وعلاوة سنوية مقدارها 550 ريال، ثم بعد مرور اربع سنوات أي في عام 1401ه تم تعديل رواتب هذا السلم ليصير بصورته الحالية المذكورة في الفقرة الأولى، واستمرت رواتب هذا السلم منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا دون تعديل.
دور الترشيح
والاصطفاء الوظيفي (الترقية):
القانون الأول في نظام الخدمة المدنية يقول: إن الموظف للوظيفة وليست الوظيفة للموظف أي أن الدولة تحدث من الوظائف الحكومية العامة ما يحقق لها القيام بوظائفها على الوجه الكامل والمطلوب، والوظيفة المقصودة هنا هي الوظيفة الحكومية العامة وتعريفها ما ورد في كتاب (مبادىء الخدمة المدنية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية) هو أن الوظيفة العامة كيان نظامي تابع للادارة الحكومية ويتضمن مجموعة من الواجبات والمسؤوليات، توجب شاغلها التزامات معينة مقابل تمتعه بالحقوق والمزايا الوظيفية, ووظائف الدولة وحجم عددها يرتبط بعدد ونوع الخدمات الحكومية ممثلة في القطاعات الحكومية المختلفة من وزارات وغيرها، التي بدورها تتأثر بما يحدث في الدولة من نمو نوعي وكمي، وهو ما حدث فعلا في السنوات الماضية، حيث حدث في هذه القطاعات طفرة كمية ونوعية صاحبت ما حدث في البلد من طفرة اقتصادية هائلة، ثم مع ظروف معروفة وغير معروفة حدث توقف في نمو الكثير من هذه القطاعات، وتوقفت الزيادة في التوظيف والموظفين رغم الزيادة في عدد السكان وحجم ونوع الخدمات التي يحتاجون لها، ورغم ايضا الزيادة والنمو في عدد خريجي الجامعات، والمعاهد المختلفة وزيادة الطلب على الوظائف العامة الحكومية، مما أحدث انتكاسة في وظيفة السلم الوظيفي وزادها سوءاً عدم فاعلية وقصور التوظيف في قطاعاتنا الخاصة.
وحقيقة ما يقوم به السلم الوظيفي هي عملية ضبط حركة موظفي القطاع الحكومي الى مراتب اعلى عن طريق عملية ترشيح واصطفاء وظيفي، حيث احاطت تعليمات نظام الخدمة المدنية وضوابطه من تعيين وترقية وتدريب وغيره بهذا السلم وصارت الحركة الرأسية لصعود هذا السلم خاضعة لاصطفاء الموظف الأكفأ للوظيفة بين عدد من الموظفين ممن هم أيضاً يستحقون الترقية على هذه الوظيفة من حيث الأقدمية والكفاءة، إلا انه في نهاية الامر لا يفوز بهذه الوظيفة الا موظف واحد، وكان عدد موظفي الدولة في بداية حياة السلم الوظيفي قليلا جداً حتى ان الدولة اعتمدت على توظيف عدد كبير من الموظفين غير السعوديين لشغل تلك الوظائف، وقد قام السلم الوظيفي في بداية حياته الوظيفية بمهمة اخرى صارت جزءاً أساسياً من سمات هذا السلم الوظيفي وهي ان السلم الوظيفي ضمن لجميع موظفي الدولة السعوديين التوظيف والترقية بشكل منتظم حتى انه حدث في فترات ان الموظف قبل استحقاقه للترقية يجد الوظيفة تنتظره على احر من الجمر، وهو الأمر الذي جعل الموظف يرى ان ترقيته عندما يكمل المدة النظامية حقا كاملا من حقوقه الوظيفية التي تضمنها له الوظيفة، وصار ذلك عرفا وظيفيا تعارف عليه الجميع، بل صار احد المسلمات التي لا يمكن الخلاف عليها، كما ان اسم السلم الوظيفي وهو سلم رواتب الموظفين يصرح بهذه الحقيقة، وكلمتا (سلم رواتب) توحيان ضمنا وصراحة برقي وصعود (راتب) الموظف مرتبة مرتبة ودرجة درجة الى ان يصل الموظف الى آخر درجة في آخر مرتبة، واسم سلم رواتب الموظفين فيه إشكال من الناحية القانونية، والاسم الصحيح حسب ما اراد واضعو نظام الخدمة المدنية كان يجب ان يكون سلم مراتب وظائف الدولة ورواتبها، وبهذه التسمية يكون الموظف للوظيفة وليس العكس,, وبسبب ظروف سعيدة تمثلت في قلة عدد موظفي الدولة السعوديين في بداية عمر السلم الوظيفي، فقد قفز عدد من الموظفين مراتب ودرجات هذا السلم الى مراتب عليا في سنوات قليلة من عمرهم الوظيفي ووصل الى اعلى مراتب هذا السلم عدد من الموظفين بشهادات لا تتجاوز شهادة الثانوية العامة بحكم الأقدمية وعدم وجود المنافسة، ثم جاءت فترة فتوة وشباب السلم الوظيفي بزيادة عدد الموظفين وزيادة عدد طالبي الوظيفة الحكومية وقد تزامنت هذه الفترة مع مجيء الطفرة الاقتصادية التي أمدت هذا السلم بكل ما يريد من احتياجات، ثم جاءت مرحلة اخرى بزيادة طلبات التعيين وزيادة طلبات الترقية من الموظفين المؤهلين علما وخبرة مع انتهاء الطفرة الاقتصادية حيث بقي السلم الوظيفي وحده عاجزا عن ارضاء الجميع وهو ما أحدث التحول الرهيب حين زاد عدد الموظفين ذوي المؤهلات العليا الجامعية على مراتب هذا السلم، وصار العديد من الموظفين الأكفاء ذوي المؤهلات العليا والخبرة الطويلة ينتظرون على أحر من الجمر شغور وظيفة لتتم ترقيتهم، ولان الموظف للوظيفة وليس العكس فقد بقي العديد من الموظفين ذوي الكفاءة والخبرة ينتظرون على درجات السلم الوظيفي دون جدوى, والموظف حين ترقيته يتم تعيينه على مرتبة اعلى من مرتبته وذات راتب اعلى، أي أن الترقية تعني زيادة دخل الموظف وهنا مربط الفرس, زيادة الدخل هي الأمر المهم والحاسم بالنسبة للموظف وهو حق يعتبره الموظف من اهم حقوقه وواجبات الوظيفة وإن عجز السلم الوظيفي أحيانا عن تحقيق ذلك خصوصا مع إجراءات عمل محاضر الترقيات واجراءات التحوير والرفع الوظيفي ضمن بيروقراطية بطيئة، ثم جاء نظام الترقيات الأخير دون ان يحل هذه المشكلة.
وهذا الوضع سار ويسير في اتجاه حدث بسببه وقوف العديد من موظفي الدولة عند إحدى مراتب هذا السلم.
وحركة الموظف وصعوده على هذا السلم ترتبط ارتباطا مباشرا وحاسما بالهيكل الوظيفي للقطاع الحكومي، فما هو الهيكل الوظيفي وكيف هو شكله وما علاقته بأداء السلم الوظيفي؟؟
الهيكل الوظيفي
الهرم الوظيفي والسلم الوظيفي:
الهيكل الوظيفي للقطاعات الحكومية هو ما يحدد نوع الوظائف العامة وحجمها وعددها، والهيكل الوظيفي في معظم قطاعاتنا الحكومية هو هيكل شبه هرمي يترأسه وزير أو رئيس ثم يزداد عدد الوظائف نزولا وتكون الوظائف الوسطى والدنيا هما ما يمثلان الحجم الاكبر في عدد وظائف القطاع الحكومي، ولرؤية شكل الهيكل الوظيفي بالارقام لقطاع حكومي يضم 1500 وظيفة مثلا، فإن توزيع هذه الوظائف يكون بشكل عام كما يلي:
وظيفة واحدة وظيفة وزير، 4 وظائف وكلاء وزارة، المرتبة الخامسة عشرة، 8 وظائف وكيل مساعد، المرتبة الرابعة عشرة.
24 وظيفة مدير عام إدارة عامة، المرتبة الثالثة عشرة.
120 وظيفة مدير إدارة، المرتبة الثانية عشرة الى المرتبة العاشرة.
450 وظيفة بالمرتبة التاسعة الى المرتبة السابعة.
500 وظيفة بالمرتبة السادسة الى الرابعة.
393 وظيفة ببقية المراتب الدنيا من السلم الوظيفي.
ولقراءة أرقام واقع حركة الموظف وترقيته المرتبطة بالهيكل الوظيفي فإننا إذا أخذنا موظفا يحمل شهادة البكالوريوس الجامعية وعمره 24 سنة وتم تعيينه بالمرتبة السابعة مثلا واردنا أن نضمن ترقيته كل اربع سنوات فإن هذا الموظف يحتاج الى 36 عاما ليصل الى المرتبة الخامسة عشرة، اي ان الموظف عندما يبلغ ستين عاما وهو سن التقاعد يكون قد وصل الى آخر مرتبة ودرجة في السلم الوظيفي وهي الخامسة عشرة براتب مقداره 20825 ريال، وهذه حالة مثالية ولا تحدث في واقع السلم الوظيفي الحالي لماذا؟ لانه حسب طبيعة الهيكل الوظيفي للقطاع وعدد وظائف ذلك القطاع، فإننا نجد مثلاً 80 وظيفة بالمرتبة السابعة، ولترقية هذا العدد بشكل منتظم كل أربع سنوات على مدار 36 عاماً فإننا نحتاج في نهاية الأمر الى ان يكون لدينا في الهيكل الوظيفي ما يقرب من 80 وظيفة عليا بالمرتبة الرابعة عشرة بمسمى وكيل وزارة مساعد، و80 وظيفة عليا بالمرتبة الخامسة عشرة بمسمى وكيل وزارة، وهو أمر يستحيل من ناحية النظام والهيكل الوظيفي، بل سيصل الامر في نهايته الى وصول 4 وكلاء بالمرتبة الخامسة عشرة أما البقية الباقية من الثمانين موظفاً ذوي التعليم الجامعي وذوي الخبرة فإن السلم الوظيفي سيقوم بتوزيعهم على المراتب الوسطى ودرجاتها في السلم الوظيفي، ليتسنى له في الاخير مواجهة ترقية عدد قليل من الموظفين الى المراتب العليا وهو أمر سيسهل عليه التعامل معه، هذا ما يحدث الآن لنا جميعا في قطاعاتنا الحكومية وفي مختلف مراتب السلم الوظيفي، وكل الشكاوى والدعاوى التي نسمعها كل يوم ما هي إلا من موظفين ينتظرون بالمئات على السلم الوظيفي في معظم بل في جميع قطاعاتنا الحكومية, وما ذكرته كمثال عن المرتبة السابعة ينطبق بكل ما فيه من مظاهر على جميع وظائف السلم الوظيفي من المرتبة الاولى الى المرتبة الرابعة عشرة، باعتبار ان من وصل الى المرتبة الخامسة عشرة فإنه قد وصل الى بر الأمان, إذن حسب حالة العجز الحالية في أداء السلم الوظيفي المرتبطة بطبيعة الهيكل الوظيفي فإن الموظف عند تعيينه على المرتبة السابعة مثلا سيجد نفسه يصعد مراتب ودرجات السلم الوظيفي ببطء شديد حتى يصل في نهاية المطاف بعد مرور 36 عاماً الى المرتبة العاشرة على الأكثر ويبقى في آخر درجات هذه المرتبة براتب شهري قدره 12320 ريال، أي ان الفرق بين دخله ودخل موظف زميل وصل الى الخامسة عشرة براتب مقداره 20825 ريال هو 8530 ريال، رغم ان العمر الوظيفي لكليهما يتساوى بالمدة الزمنية.
تناقضات وسلبيات السلم الوظيفي:
من اكبر ظواهر تناقضات السلم الوظيفي وأخطرها وجود كم هائل من العقول القادرة المبدعة من موظفي قطاعات الدولة ضمن المراتب الوسطى أو الدنيا بعيدا عن مناصب مهمة لعمل مبدع خلاق وهو ما يفسر عدم وجود تغيير وتطوير يذكر في كثير من قطاعاتنا الحكومية.
ومن ظواهر تناقضات السلم الوظيفي وجود سلالم وظيفية اخرى مثل سلم رواتب المستخدمين واجور العمال التي كان ظهورها لظروف معينة في فترة زمنية استدعت ظهور هذه السلالم والتي تعيق مرحلة الهيكلة والخصخصة القادمتين.
ومن ظواهر تناقضات السلم الوظيفي، ذلك الاختلاف الكبير بين مراتب السلم الوظيفي فيما يخص العلاوة الدورية وبدل الانتداب، فالعلاوة الدورية يجب ان تغطي اعباء ونفقات الموظف العائلية المتزايدة بسبب التضخم وزيادة حجم عائلته وهو الأمر الذي ينطبق على جميع الموظفين كبيرهم وصغيرهم، أما بدل الانتداب فهو لتغطية نفقات السكن والاعاشة في المنطقة التي ينتدب إليها الموظف سواء كان ذلك الموظف غفيراً أو وزيراً مما يحتم ضرورة ان يكون الفرق في البدل معقولا ومناسبا وليس كما هو عليه الحال الآن في السلم الوظيفي الحالي.
ومن ظواهر تناقضات السلم الوظيفي ظاهرة التحوير الوظيفي والترقية، فالموظف عند استحقاقه للترقية يصطدم بضرورة أن يطابق مسمى وظيفته الحالية المسمى الوظيفي للمرتبة التي سيترقى عليها، رغم قيام ذلك الموظف بمهام عمله على أكمل وجه وحاجة ذلك القطاع لترقيته لما للترقية من ضرورة نفسية واجتماعية ومادية تؤثر وتزيد من أداء الموظف، وآلية التحوير الوظيفي تعلن صراحة عن وجود مثل هذه الحالات داخل قطاعاتنا الحكومية، وضرورة التحوير للترقية.
ويبقى الموظف ينتظر التحوير واجراءاته البيروقراطية الروتينية القاتلة ويبقى الكثير من موظفي الدولة الأكفاء ضحية جهل بعض مسؤولي شؤون الموظفين في قطاعاتهم الحكومية وضحية عدم فهم القائمين على الخدمة المدنية أن مسميات الوظائف لا تعني بالضرورة عدم تداخل مهام الوظائف في وضع تصبح فيه قضية المسمى الوظيفي داخل العديد من القطاعات الحكومية قضية بلا معنى أو جدوى.
ومن ظواهر تناقضات السلم الوظيفي ومأزق مسميات الوظائف المرتبطة بالهيكل الوظيفي ما نجده مثلا في المراتب العليا مثل مدير عام إدارة بالمرتبة الثالثة عشرة، فمثلا عندما يرى المسئول الأول في القطاع الحكومي عدم جدوى أداء موظف في وظيفة مدير عام إدارة بالمرتبة الثالثة عشرة فإن ذلك المسؤول يستخدم إحدى طريقتين إما تجميد نشاط ذلك الموظف نهائياً في مرتبته ووظيفته الى ان يحين وقت تقاعده، وهو ما يعتبر قتلا لوظيفة مهمة داخل القطاع الحكومي، وإذا كان ذلك المسؤول يعتقد ان العرف الإداري لا يسمح له بإبعاد هذا المدير العام عن منصب مدير عام مع بقائه في نفس الإدارة أو نقله الى إدارة اخرى وهو أعلى مرتبة من الجميع، فإن ذلك المسؤول يتحايل على هذا الأمر بإيجاد مرتبة بالرابعة عشرة ليرقي عليها ذلك المدير العام وتسند له مهمة مستشار، وهذا المستشار لا يستشار، ولا يطلب منه العمل ليلا أو نهاراً، ومع مرور الوقت يعتاد ذلك الموظف هذا الأمر ويموت هو وتموت المرتبة معه رغم أهمية تلك المرتبة لحركة الترقي والصعود في ذلك القطاع، وهو ما يخالف القانون الأول (الموظف للوظيفة وليس العكس) حين صارت الوظيفة للموظف، ويخالف القانون الثاني (الوظيفة تكليف لا تشريف)، فلم يأت النظام لتشريف الموظف، وهو ما يجعل ابعاد موظف الى المرتبة الرابعة عشرة كأنه تشريف له رغم عدم الرضا أصلا عن أدائه الوظيفي فهل الأمر تكليف أم تشريف؟! وهو ما يحدث موت الوظيفة بإشغالها بموظف لا يعمل وهذا الأمر كارثة كبرى على الموظف وعلى وظيفة القطاع الحكومي.
ومن ظواهر تناقضات السلم الوظيفي وسوء فهمنا الإداري لأدوار المراتب العليا حس الهيكل الوظيفي، ان وظيفة المرتبة الثالثة عشرة أو أعلى تتطلب الكثير من التفكير والإبداع والابتكار لخلق استراتيجيات العمل واتخاذ القرار في اسرع وقت وهو أهم اساسيات المراتب العليا وعندما يقوم الموظف بإدمان العمل الروتيني ويصعد درجات السلم حتى يصل الى المراتب العليا دون ان يتخلص من إدمانه للعمل العضلي الروتيني فإنه يقضي وقته في قراءة معاملات كثيرة تصل أحيانا الى 200 معاملة في اليوم أو اكثر، وسبب تراكم هذه المعاملات بهذه الكميات اصلا هو عدم إعطاء الصلاحية للموظفين وعدم قدرة موظفي المراتب العليا على اتخاذ القرار في حينه مما يجعل المعاملة الواحدة تدور في حلقة مفرغة اكثر من خمسين مرة وفي كل مرة يتم تذيلها بكليشات التوجيه مثل يدرس ويفاد، او بموجبه، أو ما رأيكم، أو للتفاهم الذي لا يكون للتفاهم بقدر ما يرغب ذلك المسؤول التوجيه الشفهي ليقوم غيره باتخاذ القرار حسب ذلك التوجيه مع بقاء المسؤول الأعلى خارج دائرة المساءلة لعدم توثيقه لذلك التوجيه الإداري, أو أن تبقى هذه المعاملة تدور بشكل روتيني الى ان تموت قضيتها وتدفن في أحد الادراج، والمسؤول بشكل عام يحتاج الى خمس دقائق لكل معاملة ليقرأها بشكل سريع ويشرح عليها ما يريد، أي أن موظف المرتبة العليا يحتاج الى 1000 دقيقة كحد أدنى لعمل آلي وهو ما يمثل تقريبا 16 ساعة يوميا، ثم تأتي الاجتماعات التي يصل الاجتماع الواحد فيها الى ساعات دون جدوى لتزيد الطين بلة، وبعض موظفي المراتب العليا يواصل العمل ليله بنهاره بنشوة عجيبة ظنا منه أنه يقوم بعمل خارق للعادة دون ان يلتفت وراءه ليجد أن إنتاجه الحقيقي وما أنجزه في تقديم الخدمة للمواطن ضئيل جدا لا يكاد يمثل عمل ربع ساعة يوميا، ما الذي يحدث في هذه الحالة؟ الوظيفة العليا تحتاج من المسؤول التفكير فقط لخلق إستراتيجيات العمل، والوظيفة الوسطى تحتاج من موظفها العمل مع شيء من التفكير، والوظائف الدنيا تحتاج من موظفها العمل والعمل فقط، والموظف في مرتبة عليا حين يقوم بمهام موظف في مرتبة متوسطة ويعمل دون ان يشغل عقله في التفكير فإنه حقيقة يقوم بعملية قتل وظيفي مزدوجة، هو يقتل هذه الوظيفة العليا التي تحتاج الى موظف مفكر، ويقتل الوظائف الوسطى بأخذ العمل من موظفيها، وعند ترك الموظف دون عمل حقيقي فإن الوظيفة تموت والموظف يموت وهو ما يحدث البطالة المقنعة التي تعني وجود موظف لا يعمل او بدون عمل، وهكذا تموت الوظائف دون أن ينتبه أحد من سباته.
يجب ان يكون شعار المرتبة العليا فكر ثم فكر ثم فكر واتخذ القرار، ودع الآخرين يعملون في هدوء وسكينة ويجب ان يكون شعار المراتب الوسطى اعمل ثم اعمل ثم فكر أما المراتب الدنيا فإن شعارها هو (اعمل ثم اعمل ثم اعمل بجد وإخلاص).
أيضا من ظواهر تناقضات السلم الوظيفي نجدها عند وصول موظف المرتبة العليا الى سن التقاعد، ويقوم القطاع الحكومي بتمديد خدمات ذلك الموظف ليغلق باب الترقيات وتجهض عملية حركة الصعود والترقي في السلم الوظيفي وهو أيضاً ما يكون له اثر سلبي محبط على بقية الموظفين ويحرم العشرات منهم من فرصة الترقية، وهذا فيه موت للموظفين وايضا عندما يتقاعد موظف المرتبة العليا ويقوم القطاع الحكومي بالتعاقد مع هذا الموظف وإعادة إسناد مهام وظيفته السابقة إليه، مما يعني حرمان الموظف الجديد من تقديم ما لديه وبقاءه في مرتبته الجديدة اسما فقط بينما يمارس صلاحيات هذه الوظيفة الموظف السابق الذي بدأ تقاعده، وتم التعاقد معه، كأسلوب للتحايل على أنظمة الخدمة المدنية المسكينة، ويتم دفع مبلغ وظيفة عليا للموظف المتعاقد معه بينما كان الأجدى دفع هذا المبلغ في إيجاد وظيفة عليا جديدة تخدم القطاع الحكومي وتخدم هيكله الوظيفي، فكيف يمكن لنا أن نتوقع من موظف أحيل على التقاعد أو موظف أفنى عمره في وظيفة واحدة أن يقدم شيئا جديدا ومختلفا ومتطورا وهو الذي أكل عليه الدهر وشرب، وهو الأمر الذي سن له نظام التقاعد حتى لا يتم شغر وظيفة حيوية مهمة بموظف قد قدم كل ما لديه طوال سنوات عمله وليس هناك من جديد لديه، ألا يعتبر ذلك مثل قتلنا بيدينا لتلك الوظائف؟! هذه التناقضات والسلبيات تحدث لدينا ظاهرة وهي وجود هيكل وظيفي مقنّع (بتشديد النون) يعمل داخل الهيكل الوظيفي الرسمي وأحيانا يعمل خارج الهيكل الوظيفي الرسمي وأحيانا يعمل بشكل مناقض للهيكل الوظيفي الرسمي ومناقض لما يراد للقطاع الحكومي، وهذا أمر أدى الى فشل الكثير من القطاعات الحكومية بسبب ضياع امر المسؤولية والتناحر والتطاحن والتناقضات الوظيفية الخطيرة, ثم تأتي ظاهرة وجود بعض الكوادر المقتصرة على بعض وظائف المجموعات الوظيفية دون بقية الوظائف لتزيد الأمر سوءاً، وعلى رأس هذه الوظائف المحرومة من كادر خاص بها تأتي وظائف المهندسين.
كادر المهندس السعودي والسلم الوظيفي:
السلم الوظيفي الحالي، خرج منه كوادر وظيفية هي كادر المدرسين كادر الاطباء وغيرها، وكان المبرر لوجود كادر لتلك المجموعات الوظيفية ان طبيعة عمل هذه المجموعات تحتاج الى النزاهة والصدق والتفاني، وهو ما يطرح السؤال التالي: أليس كل ذلك هو المطلوب من جميع الموظفين؟ ثم اليس المهندس أيضا عرضة للرشوة وفساد الضمير وهو يقوم بتوقيع ومصادقة المستخلصات الشهرية للمقاولين, وإذا كان ملء عين الموظف وملء جيبه من دخل وظيفته امرا هاما وحاسما حتى لا يكون تحت سيطرة المال وسطوة إغرائه وغوايته، وهو مايحدد وجوب وجود كادر للوظيفة، فإن المهندس السعودي يقوم بالإمضاء على مستخلصات شهرية تصل في أحيان كثيرة الى عشرات الملايين، وهذا المهندس قد يكون مديونا ولم يتم ترفيعه لسنوات عديدة، ثم يقال له اتق الله!!
ويبقى في أذهاننا جميعاً سؤال هام وهو: ما هي المعايير الموضوعية لتصنيف الوظائف واختيار كادر لها لدى نظام الخدمة المدنية.
الغزو الوظيفي والسلم الوظيفي:
عندما يكون هناك منصب شاغر بوظيفة عليا في أحد القطاعات الحكومية، فما الذي يحدث عندما يقوم المسؤول الأول في هذا القطاع بتعيين موظف من داخل قطاعه الحكومي وتعيينه على هذه الوظيفة العليا؟ عندما يتم ترقية موظف من داخل القطاع الى مرتبة عليا مثل الخامسة عشرة، يحدث ان هذا الموظف يترك مرتبته الرابعة عشرة شاغرة تنتظر موظفاً بمرتبة أقل، وهكذا يتم ترقية عدد كبير من الموظفين من أدنى درجات السلم الى أعلى مراتبه داخل القطاع الحكومي، والموظفون حين ترقية موظف من زملائه من داخل القطاع الحكومي الى مرتبة علياتراهم مستبشرين فرحين وتكاد تراهم يرقصون العرضة النجدية ويرتفع صوت المزمار الحجازي، وتسمع صوت السمسمية الينبعاوية وهم يتقافزون مع ضربات وأهازيج عرضة اهل الجنوب، ويترنمون بمواويل أهل البحر الشرقي ويختلط الجميع في تهاني وتوقعات حميمة وكأنهم أرض عطشى تنتظر ان يواقعها المطر, اما اذا جاءهم موظف من خارج قطاعهم الحكومي وعين مثلا فذلك بنظرهم هو الغزو، الغزو الوظيفي لأن الموظف من خارج القطاع يسد باب الترقيات على الجميع، ويحدث كارثة لجميع موظفي ذلك القطاع، وهذه الكارثة تصل الى حد عجيب حيث ترى موظفي ذلك القطاع وكأن على رؤوسهم الطير، بعد ان جاءهم الغزو وأخذ من بين ايديهم ما كانوا يدخرون من جهد وسنوات طمعا في الحصول على الترقية التي تعني ببساطة مزيدا من الدخل، وتخيب الآمال وتنكس الاعلام والرايات، ويسود الجميع فترة حداد عجيبة لا يزيلها الا استبشارهم بشغور مرتبة عليا جديدة، إذن إذا اردنا ان نقضي على تلك التناقضات والسلبيات فيجب ان نبحث في مشروع جديد لإحياء الوظيفة العامة وإحياء الموظف.
مشروع الهيكلة الجديدة إحياء الموظف وإلغاء السلم الوظيفي:
السلم الوظيفي بلا شك هو جسد نظام الخدمة المدنية، وما يحتويه هذا النظام من ضوابط وتوجيهات تخص الترقيات وتحوير الوظائف والتدريب وغيرها هي روح نظام الخدمة المدنية، والأمر حقيقة يحتاج الى عملية إحياء كاملة باعادة النظر في السلم الوظيفي بكل ما فيه وإيجاد جسد وظيفي جديد يواكب ويرافق النمو والتطور مع الموظف، النمو في اعباء الموظف بزيادة الدخل الثابتة من بداية تعيين الموظف الى حين إحالته على التقاعد، فكيف يكون ذلك؟
سر الأمر يبدأ وينتهي عند راتب الموظف، والأمر يحتاج الى ثلاثة اشياء، الشيء الأول: فك الارتباط بين راتب وظيفة الموظف والهيكل الإداري في القطاعات الحكومية، وهيكلة قطاعات الدولة إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الظواهر الاجتماعية والثقافية والنفسية المصاحبة لكل هيكل وظيفي فإن هذه الهيكلة قد تعيدنا مجددا الى سلبيات هيكلنا الوظيفي الحالي بكل مظاهره التي يشتكي منها الجميع, الشيء الثاني: ضمان دخل متزايد بشكل ثابت للموظف حسب طبيعة مهام وظيفته ومجموعتها الوظيفية، الشيء الثالث: ضمان دفع استحقاقات التعاقد له في حياته بعد تقاعده ولبقية ورثته بعد موته بحيث يكون النظام الجديد متوافقا مع نظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية فيما يكفل حق الموظف وحق ورثته بعد وفاته.
فمثلا عند تعيين الموظف على وظيفة ما، ولها مسماها المرتبط بطبيعة التخصص مثلا مهندس، طبيب، عامل صيانة، مساح إلى آخره، فإن هذه الوظيفة لا تتبع مراتب او سلالم او درجات، هذه الوظيفة مسماها ثابت على مدى سنوات تعيين الموظف وكل ما يحكمها هو عمر الموظف الوظيفي، اي ما يشبه كادراً خاصا لكل مجموعة وظائف، مثل مجموعة وظائف الأطباء، مجموعة وظائف المهندسين، مجموعة وظائف العمال الى آخره، والعلاوة السنوية الثابتة يجب ان تكون مضمونة للموظف على مدى سنوات عمره الوظيفي الا اذا اخل هذا الموظف بأدائه فإن لموضوع العلاوة الثابتة حسابات اخرى وحسومات يعرفها نظام الخدمة المدنية الحالي, هنا فقط يتم التخلص من مأزق المسمى الوظيفي للترقية، والتخلص من مأزق عدم وجود مراتب عليا في القطاع الحكومي للترقية، والتخلص من تناقضات السلم الوظيفي، وتصير المسميات مثل مدير عام، وكيل وزارة مساعد، وكيل وزارة وغيره مرتبطة فقط بالهيكل الوظيفي وتعيين الموظف مثلا كوكيل وزارة مساعد لا يعني زيادة أو نقصان دخله بل يعني تكليفه بأداء مهام وظيفة تم اختياره لها لأن تقرير الكفاية السنوي أتاح الفرصة للمسؤول الأول ان يرى في هذا الموظف قدرة وموهبة محددة تطلبها منصب وكيل وزارة لظروف معينة، وخروج وكيل الوزارة السابق من منصبه لا يؤثر على راتبه بالزيادة او النقصان، وهو ما يبعد حساسية الموقف والحرج عن الجميع، هنا فقط يتحقق قانون نظام الخدمة المدنية الأول وهو ان الموظف للوظيفة وليست الوظيفة للموظف، مع تعديل مهم اريد ان اضيفه لهذه العبارة بحيث تكون الموظف للوظيفة وليست الوظيفة للموظف، مع ضمان كامل حقوق زيادة دخل الموظف، وهو ما يحقق أيضا القانون الثاني وهو أن الوظيفة تكليف وليست تشريفاً.
تخصيص القطاعات الحكومية
تخصيص الموظف العام:
المرحلة القادمة في مسيرة الاقتصاد السعودي هي مرحلة التخصيص، وهي مرحلة مهمة وتمثل حقيقة قفزة نوعية في اقتصادنا، وتخصيص بعض القطاعات الحكومية يعني ببساطة تحقيق هذا القطاع للربح المادي المضمون المضطرد مقابل ما يقدمه من خدمات، وتحقيق الربح يرتبط مباشرة بأداء موظف هذا القطاع وإنتاجيته، اي اننا ببساطة نحتاج الى تخصيص الموظف أو بمعنى آخر تخصيص الوظيفة وهو ما يعني ان يحقق الموظف الربح والدخل المادي المضمون والمضطرد على مدى سنوات عمره الوظيفي مع وجود مبلغ من المال ينتظره عند تقاعده وتخصيص الموظف ايضا يعني جعل أداء الموظف المتفوق واجتهاده وإبداعه يحقق له مزيدا من الربح المادي، وهذا الربح يدفع الموظف لمزيد من العطاء والعمل والابداع، وهو ما تثبته الدراسات الحديثة في كثير من القطاعات الحكومية التي تم تخصيصها في دول متطورة, وتغيير نظام الخدمة المدنية فيما يخص سلم رواتب الموظفين يقلص من الفوارق الكبيرة بين الوظيفة الحكومية العامة والوظيفة الخاصة، مما يجعل من حركة الموظفين بين هذين القطاعين حركة مرنة، ويجعل مرحلة التحول مرحلة ميسرة دون حدوث سلبيات قد تعيق نجاح تخصيص القطاعات الحكومية، كما حدث في قطاع الاتصالات مثلا وما صاحبه من قصور في حق العديد من موظفي وزارة الاتصالات، ويجب في هذه المرحلة عند تقييم عملية تخصيص اي قطاع حكومي من ناحية الجدوى الاقتصادية، ان يتم اولا تقييم الاداء الإداري لهذا القطاع الحكومي وجدوى نظامه وهيكله الإداري ودراسة مظاهر العجز والإعاقة فيه ومعالجتها بالكامل ومن جذورها قبل أي خطوة واحدة في اتجاه عملية تخصيص ذلك القطاع.
السلم الوظيفي والموظف:
حياة الموظف الوظيفية وعطاؤه لا يستمران إلا بالصعود والترقي والنمو، وحياة السلم الوظيفي ترتبط بشكل مباشر بالحياة الوظيفية للموظف، وانا بعد هذه القراءة لأرقام وأحوال سلم رواتب الموظفين، أدركت يقينا حاجتنا الماسة الى مراجعة نظام الخدمة المدنية لدينا ومعالجة نواحي القصور فيه لذا ما اردنا إعادة هيكلة قطاعاتنا بشكل سليم، وإذا ما أردنا الدخول في مرحلة التخصيص بشكل جاد يضمن لنا نجاح تخصيص قطاعاتنا الحكومية على الوجه المطلوب.
وفي حموة قراءتي لأرقام السلم الوظيفي وما توصلت اليه من يقينيات، ما شعرت إلا بشهوة قراءة الأرقام تقفز من أوراق السلم الوظيفي الى داخل رأسي ثم قعدت أذكر الله وأفكر وأتفكر في بيان الملك عبدالعزيز ذلك النواة الأولى لنظام الخدمة المدنية الذي يقول: (من كان من علماء وموظفي حرم او مطوفين ذو راتب معين فله ما كان عليه لا ينقصه شيئاً، إلا رجلا أقام عليه الناس الحجة أنه لا يصلح لما هو عليه)، وكأن المغفور له بإذن الله اراد أن يضمن أشياء كثيرة مهمة لموظفي قطاعاتنا الحكومية الخدمية وهي: ضمان راتب الموظف، لا ينقص من هذا الراتب شيئا، عزل الموظف يأتي بإجماع الناس, وزاد انشغال فكري في قضية أن عزل الموظف يأتي باجماع الناس.
الحمد لله رب العالمين الذي جاء إلينا بعبدالعزيز الذي ولد على فطرة الإسلام وحكم وعاش على فطرة الإسلام ثم مات على فطرة الإسلام، وترك لنا من بعده خلفاء هم في جميع أمورهم على فطرة الإسلام.
فالحمد لله رب العالمين على ما قضى لنا من خير وبركة.
abdulalnour@hotmailcom
ص,ب 26520 الرياض 11496



أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved