| العالم اليوم
حتى غير العرب الذين حضروا حفل العرضة السعودية مساء يوم الأربعاء تفاعلوا مع العرضة التي أعادوا بها رجال المملكة الروح والجسد بالحماس والتفاعل وإلى الذات الشعور بالقوة والشموخ الذي يتصف به العرب والمسلمون.
ولقد لفت انتباهي اثناء متابعتي حفل العرضة السعودية، تفاعل رجل أجنبي لا أعرف هل هو أوروبي أو أمريكي وتمايله إلى حد النشوة الروحية التي تتقمص الجسد في حالات نادرة عندما يتوحد الاحساس الذهني بالفعل الحركي، وإذ انتشلتني حالة الرجل الأجنبي الجالس بجانبي من الرحلة الفكرية التي قادتني إلى تتبع تاريخ العرضة السعودية النجدية التي كانت المحرض، والقدح الذي يفجر الهمم في نفوس المقاتلين للدفاع عن الدين والقيم، وحشد الرجال للقيام بالمهام التي يدعو لها الإمام او شيخ القبيلة أو القائد.
والذي تتبع خطوات أداء العرضة يرى انها بمثابة تمرين او دروس إعدادية لرفع الروح المعنوية للرجال، فالعرضة تبدأ بالمناداة حيث ينبري المنادي رافعا الصوت عاليا وعادة ما يصحب النداء الانتخاء المرافق بترديد اشعار الحماس والحث على الجهاد والدفاع عن العقيدة والوطن والعرض، ومع ارتفاع أصوات الطبول التي كانت لغة الإشارة في السنين الماضية يتجاوب الرجال كل حاملا سيفه للحضور إلى مكان تجمع الرجال، ومع ارتفاع اصوات الطبول وترديد شعر الحماس يصل الإعداد النفسي للمحاربين الى الدرجة القصوى حيث كان في الماضي يقوم المشاركون في العرضة وهم في الأصل المحاربون المتجهون للجهاد وللدفاع عن الدين والوطن بالمرور أمام قائدهم الذي تزيد مشاركته العرضة حماسا إلى أعلى درجاته وعادة ما يتبع تلك المشاركة توجه جحافل المجاهدين الذين يكونون قد أعدوا إعدادا معنويا ونفسيا تعجز عنه الآن كل اساليب ونظريات الإعداد المعنوي التي تقوم بها الجيوش الحديثة.
فالانفعالات وما تحمله العرضة السعودية من معانٍ وما تختزنه من دلالات فكرية ساهمت وإلى وقت قريب في الإعداد السلوكي والقتالي والرجولي لما يمكن ان نطلق عليه بالبدايات الأولى للجيوش في الجزيرة العربية يستوجب الاستفادة من كل هذا المخزون لإعداد جيل المستقبل الذي تبعده موجات التغريب والغزو الفكري والسلوكي الذي يهب على شبابنا من كل صوب.
وإذا كان من أصول التربية الاستفادة من وسائل الترفيه لكسب الأدوات المعرفية فإن تعويد اطفالنا اولا ثم شبابنا على تأدية العرضة السعودية لا يعد فقط العودة إلى تراث الأجداد بل ادخال وسيلة تربوية لزرع الرجولة والشجاعة والنخوة لدى الأجيال؛ ولهذا فإن تفعيل توجيه سموه الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لوزير المعارف بإدخال العرضة السعودية ضمن المناهج ضمن النشاط الطلابي والذي أشار إليه سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز نقول: ان تفعيل هذا التوجيه يتطلب جدية وتطبيقا من خلال وضع برامج وخطة تلتزم بها المدارس من المرحلة الابتدائية حتى آخر مراحل التعليم، وان تتضمن الخطة المقترحة مهرجانا سنويا للعرضة السعودية تمنح جوائز من خلاله للمدارس التي يبدع طلبتها في تأدية مثل هذا الضرب من الأداء الرجولي.
مراسلة الكاتب على البريد الإلكتروني
jaser@al-jazirah.com
|
|
|
|
|