| متابعة
علي أبو زعكوك ناشط سياسي في قيادات العمل الإسلامي في أمريكا باعتباره مواطناً أمريكياً من أصل عربي، والعرب الأمريكان فئة بدأت الدوائر السياسية الأمريكية تعترف بهم وبدأوا يؤثرون بجدية على الساحة السياسية الداخلية.
هذا الوجه بتقاسيمه العربية الأصيلة أبلى بلاء حسناً في تنظيم صف المسلمين الأمريكان سواء من أصل عربي أو خلافه في سبيل مشاركة فاعلة في الحياة السياسية الأمريكية كحق من حقوق أي مواطن أمريكي, وحماس هذا الرجل لبوش لم يأت اعتباطاً وإنما جاء استجابة لمبادرات إيجابية كثيرة قدمها الرئيس بوش أثناء حملته الانتخابية.
وقد أشار بوش، ولأول مرة في تاريخ الحملات الرئاسية الأمريكية إلى العرب الأمريكان، وانتقد بشدة في مناظرته الرئاسية الأخيرة قانون الأدلة السرية الذي يستهدف العرب والمسلمين في أمريكا كمنتج صهيوني تبنى تنفيذه آل جور.
وفي الوقت الذي كانت فيه حملة ما بعد الانتخابات الأمريكية حامية الوطيس في ولاية فلوريدا، كان الدكتور علي أبو زعكوك مطمئناً للغاية لفوز بوش ويحلو له الحديث عن البلاء الحسن الذي أبلاه المسلمون في تلك الانتخابات, وهي حملة لا شك ناجحة وغير مسبوقة على الرغم من تصويت نحو 90% من الأمريكيين من أصل أفريقي لآل جور وفيهم عدد كبير من المسلمين لا شك.
وبالقدر الذي شعر فيه المسلمون بنشوة الفوز ونجاح التنظيم، كإضافة جديدة لخبرتهم في العمل السياسي، فإن الانتخابات الأخيرة قد أظهرت أن اللوبي الصهيوني والجالية اليهودية يمكن أن تتجرع مرارة الهزيمة, إنها حقيقة عاشها الجميع تؤكد أن أحداً ما ليس أسطورة لا يمكن تحطيمها في عالم السياسة.
أبو زعكوك الذي فرح كثيراً من إشارة بوش إلى العرب الأمريكان، وشعر بارتياح كبير لانتقاد بوش لقانون الأدلة السرية، بدا أكثر سعادة بما تضمنه خطاب التنصيب الذي أشير فيه ولأول مرة في خطابات التنصيب إلى المسجد ودوره في إلهام الشعب الأمريكي إنسانيته جنباً إلى جنب مع الكنيسة, ويعد هذا الخطاب نصراً آخر في قاموس السياسة الأمريكية، خصوصا بعد تعهد بوش بأن يكون للمسجد مكانة شريفة في خطط الحكومة وقوانين أمريكا.
في زخم هذه المبشرات التي فرح بها المسلمون في أمريكا، لابد من التعاطي مع حقيقة أخرى مفادها أن بوش الابن قد وعى الدرس القاسي الذي تلقاه والده عام 1992م جيداً, فجورج بوش الأب قال وللمرة الأولى لا للوبي اليهودي ورفض منح إسرائيل عشرة مليارات دولار, وقد كانت نتيجة هذا الموقف الأمريكي الخاص أن خسر بوش الأب الانتخابات في وقت لم يكن يخطر ذلك على بال أحد, استيعاب الابن لما عرف بأنه خطأ الأب الاستراتيجي أسفر عن تبنيه ثوابت في حملته الانتخابية منها:
قناعته بأن الجالية اليهودية لن تصوت لصالحه، واللوبي اليهودي سيحاربه إلى آخر رمق في الانتخابات.
وضع مصالح أمريكا العليا فوق كل اعتبار، طالما أن عامل الخطر والاحتواء لن يسهل ترويضه, وبالتالي حرية كبرى في التعاطي مع جميع الجاليات.
التخطيط لمصالحة وطنية تستوعب كل الأعراق بعد الفوز.
هذه الاستراتيجية قادت بوش إلى اعتلاء صهوة البيت الأبيض، نتيجة خلوة شرعية بين المواطن الأمريكي الأصلي ومبادئه في لحظة عشق غاب واشيها, في تلك اللحظة رفض هذا المواطن آل جور وليبرمان في صمت مطبق ولكنه قاتل.
ونتيجة لهذا التجلي فاز بوش وربما لأول مرة دون تصويت ولايتي نيويورك وكالفورنيا له، وهو أمر غير معتاد مطلقا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لقد جاءت لحظة الوفاء ورد الجميل إلى أهل الجميل في الحملة الانتخابية الرئاسية ومكافأة بوش للأمريكان من أصل عربي، منصباً وزارياً للطاقة، وللهسبانك حقيبة وزارية وللمسلمين اعترافاً في أهم خطاب سياسي بوجودهم على الساحة الأمريكية من خلال ذكر المسجد ودوره في الحياة الأمريكية.
لكن يا ترى!! ماذا عن الأمريكان السود واليهود؟ هل يستبعدون من الحسنات التي وزعها بوش؟! بالتأكيد لم يحدث ذلك، على اعتبار أن الرجل ما زال يتمثل خطأ والده، ولابد من العمل منذ الآن نحو ولاية ثانية، وعلى هذا الأساس فإن ما قدمه بوش للسود كان اكثر من مكافأة، إنه استثمار في المستقبل واستمالة هادئة لهذا المارد الأسود, فقد حصل السود على أهم منصبين في الحكومة، وهما منصب مستشار الأمن القومي للدكتورة كوندا ليزا رايس، ومنصب وزير الخارجية لكولن باول، ومناصب قيادية أخرى.
أراد بوش أن يرد الجميل لمن آزره، كما أنه أراد أن يكسب رضا السود ويعيد بناء جسور الود معهم رغم انصرافهم عنه في التصويت الأخير بأكثر من 90% ولم يتوقف بوش عند هذا الحد بل توجه نحو اليهود بجدية فكان أول تصريح له عندما رشح كولن باول وزيراً للخارجية أن اعتبر أمن إسرائيل أساس التسوية في منطقة الشرق الأوسط, وبعد التنصيب مباشرة أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض قرب انتقال السفارة الأمريكية في تل أبيب إلى القدس, ذلك ربما يكون القربان الوحيد الذي يستميل به بوش وإدارته قلوب اليهود في أمريكا.
إن السيناريو الذي لانريد أن نتوقعه، ولا بأس من تخيله هو أن يُرمى للمسلمين الأمريكان بطعم خطابي حماسي تمثل في اعطاء بوش لهذه الفئة من الأمريكان مكانة لم تعطها من قبل على الصعيد السياسي، مما يخدر المشاعر وييسر اتخاذ إجراءات تنفيذية على أرض الواقع من نقل للسفارة الأمريكية وفرض تسوية غير عادلة على الفلسطينيين.
فإذا ما تحرك الرأي العام المسلم الأمريكي أسقط بوش قانون الأدلة السرية عربوناً للمحبة وايغالاً في تهدئة الخواطر.
قد يكون هذا السيناريو مطروحاً متى فهم أن هذه الفئة من المواطنين الأمريكان على قدر كبير من السذاجة والسطحية, إلا انه لن يخطر على بال الإدارة الأمريكية متى أدركت ان اللوبي المسلم داخل أمريكا يقظ ومستوعب للعبة السياسية, إذاً فأبو زعكوك والعمودي ونهاد عوض وغيرهم من القادة الفاعلين على الساحة الأمريكية مطلوب منهم مواصلة تنظيم الجالية للتعبير عن مكانة القدس وانه لا يعدل حرمتها وقدسيتها أية وعود أو تنازلات إدارية داخلية أمريكية.
إن أمريكا تجيد السماع لرأيها العام الداخلي، وهذا الرأي العام يمكن ان يكسب أرضية تتسع يوماً بعد آخر، إذ هناك أمريكان يتعاطفون مع العرب، والأمر يحتاج فقط إلى مزيد من التنظيم والتخطيط, غير أن هناك مواقف أخرى يمكن ان يسهم بها الشارع السياسي الداخلي العربي في المنطقة العربية من خلال اتخاذ مواقف سياسية توضح حجم مصالح أمريكا في المنطقة للرأي العام الأمريكي وحجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بهذه المصالح فيما لو أصرت أمريكا على مواقفها غير العادلة من القضية الفلسطينية.
أكاد أجزم أن البيت الأبيض، في ظل إدارته الحالية، يتمنى مثل هذا الموقف السياسي من حلفاء أمريكا في المنطقة, ذلك أنه سيكون عامل ضغط واضح على الرأي العام الأمريكي الداخلي يبين له مدى الخطأ الاستراتيجي الذي سترتكبه أمريكا في حالة إمعانها في تناسي مصالحها في المنطقة والتوجه نحو إسرائيل فقط.
إن السيناريو الأخير المحتمل والذي يمكن ان يضيع كل مقدس في فلسطين وكل حقوق الفلسطينيين هو أن يرتكب الرئيس العراقي صدام حسين حماقة جديدة في المنطقة عندها ستختلط الأوراق وتنشغل دول المنطقة الفاعلة بنفسها، وتدخل المنطقة كلها في متاهة جديدة تقدم فيها القرابين إلى إسرائيل لضبط النفس.
ولن يرتكب بوش عمل الأب مرة أخرى حينذاك.
الخيارات في هذا الموقف المبكر من إدارة بوش مفتوحة، وقابلة للصياغة إلى حد ما، ولكنها بعد أشهر ستغدو خطوات قابلة للتنفيذ يصعب مراجعتها, وعليه، فلابد من تحرك داخلي وخارجي في هذا الوقت يوازن خطط صانع القرار الأمريكي.
*واشنطن
|
|
|
|
|