| مقـالات
لا أستطيع أن أقول: إن عنوان هذه المقالة صحيح مئة بالمئة، ولكنني أزعم أننا بإذن الله نحاول جاهدين أن نجعله حقيقة واقعة في ضوء ديننا الحنيف الذي ارتضاه الله لنا.
لقد جعل الإسلام من قضية الإسلام قضية أساسية، وفعلاً دائماً وحالة مستمرة، فالله سبحانه يعرف أن سنة الحياة في الأرض تقتضي وجود الأيتام في كل زمان ومكان، ولذلك وضع التشريعات المناسبة والضرورية لحل القضية وما يتشعب عنها، مهما طرأ عليها من تحولات وتبدلات؛ لأن المحصلة واحدة، ألا وهي وجود أيتام في المجتمع، ومن الضروري إيجاد السعادة المناسبة لهم مثل الجميع.
إن حالة اليتم اقتضت ان يتعرض صاحبها لحالات معينة، ولضغوط نفسية واجتماعية ومادية واقتصادية ومعنوية وثقافية وغير ذلك، ولذلك بدأ الإسلام العلاج من نقطة أساسية، ألا وهي التسليم بقضاء الله وقدره، فالمؤمن يتقبل القضاء والقدر بنفس راضية مطمئنة، وبنفس الوقت العلاج مستمر بالدعم الاجتماعي والديني المناسب والضروري في هذه الحالات، فالطفل اليتيم يحتاج حسب حالته ووضعه لمن يعتني به، ويداريه حتى يبلغ رشده، وكذلك تختلف الحاجات من مجتمع لآخر حسب المتطلبات الاجتماعية والصحية والاقتصادية والثقافية ، ولا يخفى أن الأمر قد يصل إلى درجة الحاجة للغذاء، ونحن في بلاد قد أغناها الله بفضله ربما لا يشعر بعضنا بذلك، ولكنها الحقيقة في بلاد إسلامية عديدة.
يقول تعالى:أرأيت الذي يكذّب بالدين, فذلك الذي يدعُّ اليتيم , وهل أخطر من هذا التنبيه والتذكير والوعيد، فاليتيم مكانته عالية عند الله تعالى، وهذا الأمر بشكل عام بالطبع، لأن حالة اليتم بحد ذاتها هي ابتلاء، واليتيم المؤمن أمره كبير عند الله، وسينال الناس حسب تعاملهم معه إما الثواب وإما العقاب.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم الناس باليتيم، وأشفقهم عليه، ويقول صلوات الله وسلامه عليه : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً.
صلى عليك الله يا رسول الهداية الربانية، فأنت الذي قلت أمراً ندر مثيله عندما وصفت البيت الذي فيه يتيم سواء في حالة الإكرام، أو في حالة الإهانة، لقد قال صلى الله عليه وسلم :خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه .
وليس بعد ذلك تمييز وتوضيح، فالخير نقيض الشر، والشر بعيد كل البعد عن الخير، ومصير الخير إلى الجنة، ومصير الشر إلى النار.
لقد اهتمت المجتمعات المسلمة بهذه القضية أيما اهتمام، وأولتها كل رعاية، ولعله من بديهيات القول أن نذكر أن المملكة العربية السعودية تمثل الحضن الدافئ للأمة، والمثل الأعلى للمجتمعات الإسلامية، وقد حباها الله تعالى بكل مقومات المجتمع المسلم النموذجي من قيادة راشدة، وحكومة رشيدة، ومجتمع طيب، وأرض معطاءة، وبقاع طاهرة، وغير ذلك من نعم الله، ولذلك كانت قضية اليتيم من الاهتمامات الأولى لأفراد هذا المجتمع وهيئاته ومؤسساته وعلى كل المستويات، ورغم أن الطموحات أكبر، ولكننا نحمد الله أننا على طريق الخير سائرون.
إنني أتحدث عن الأيتام، وقد عايشت اليتم ، وربما لا يعرف نفسية ووضع اليتيم احد اكثر من اليتيم نفسه الذي ذاق وعانى وعرف معنى هذه الحالة بأبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.
يقول صلى الله عليه وسلم : من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين إصبعيه السبابة والوسطى ، هذا إذا كان بمسح الرأس، فما بالك بالفعال الحميدة الكبيرة الأخرى، فالثواب لا يعلمه إلا الله سبحانه.
وبالطبع فالويل والثبور لمن يتعدى على حقوق اليتيم أو على نفس اليتيم، يقول تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا .
ويقول جل جلاله :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً , نعم تلك هي النار بانتظارهم، وتلك هي السعير تضطرم نيرانها بانتظار ورودهم إليها، وبئس المصير والعياذ بالله .
أما الذي قام برعاية الأيتام فيقول عنه رسولنا صلى الله عليه وسلم :من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كهاتين أختان, وألصق إصبعيه السبابة والوسطى ، ويا لها من خير صحبة وخير مكان، إنها جنة الخلد برفقة خير الأنام في النعيم الدائم الأبدي الخالد والسعادة غير المنقطعة ولا الممنوعة.
نحن الآن على أبواب المهرجان الخيري الأول لرعاية الأيتام، والمرتب إقامته في الرياض برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي أمير الخير والجود والعطاء الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، الذي ترى أياديه البيضاء حاضرة في كل مكان للخير، إنه أمير الخير بلا تردد وبشكل مطلق، استحق ذلك من فعاله وخصاله قبل أقواله.
سيكون المهرجان خلال الفترة من 19 22 من ذي القعدة القادم، وتقوم فكرته على أساس تنظيم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ممثلة بوكالة الشؤون الاجتماعية لمهرجان خيري يعرّف بقضية اليتيم، والجهود القائمة والمبذولة في رعايته، ودعمه، والدعوة العامة لكفالته، والوفاء باحتياجاته ومتطلباته.
سيقوم المهرجان بتنشيط برامج رعاية الأيتام وكفالتهم، واحتضان ذوي الظروف الخاصة لدى الأسر البديلة، وكذلك سيقدم الدعم للمؤسسات والجمعيات الخيرية القائمة بهذا الدور من خلال دعوة القطاع الخاص، والأفراد للإسهام في هذا المجال، ومن أهدافه المشكورة تحفيز ذوي الخبرة والاختصاص للمشاركة في تقديم البحوث العلمية المتعلقة بتربية ذوي الظروف الخاصة، وهي مناسبة مباركة أيضا لفتح المجال أمام القطاع الخاص والموسرين للإسهام في البرامج المناسبة والأنشطة المطلوبة خارج نطاق المؤسسات، وبالطبع فإن المهرجان ليس حكراً على جهة دون أخرى، بل هو مفتوح للجميع دون استثناء ما دام الهدف، هو الخير وفعل الخير.
إن طموحنا أن يشهد مركز الأمير سلمان الاجتماعي في الرياض حيث سيكون موقع المهرجان أن يشهد تظاهرة كبرى حول هذه القضية الحيوية والأساسية في حياتنا الاجتماعية، وأن يشهد منعطفا حقيقياً في الخدمات وعمليات الرعاية المقدمة لهذه الشريحة الغالية على قلوبنا، والخير مترابط ببعض، ولهذا تقرر استباق الحدث الكبير بمسابقة للقرآن الكريم ستتاح المشاركة فيها لعموم الأيتام في الدور الاجتماعية، أو الأيتام لدى أسرهم الطبيعية، وكذلك مسابقة ثقافية تختص باليتيم وشؤونه بالإضافة لمهرجان رياضي، وغير ذلك من فعاليات تسهم بإنجاح المهرجان، وتحقيق الغاية المرجوة منه، والأمر الأهم أنه سيتم في المهرجان تكريم أصحاب السبق في رعاية الأيتام تكريماً معنوياً عن طريق تقديم الدروع والشهادات التقديرية، وهي مناسبة نذكِّر فيها بضرورة إطلاق أسماء أولئك الذين خدموا هذه القضية بكل جهودهم عبر سنين طوال على بعض المدارس، أو الدور الاجتماعية أو المؤسسات المعنية بالأمر، أو قاعات الاحتفالات في تلك المؤسسات على الاقل أو ما شابه، وفي هذا تكريم معنوي كبير لأولئك الأشخاص الذين يستحقون ذلك رغم أنهم لم يطالبوا بذلك، بل إن بعضهم انتقل من هذه الدنيا الفانية، وكذلك علينا أن نذكر أن المجتمع كله يحب أن يعرف هذه القضية ومتطلباتها وما لها علينا من حقوق، وربما سنحتاج لعملية التعريف بهذه الجهود إلى الخطباء والأئمة في المساجد والعلماء والمدارس والمدرسين والمقتدرين، وكل الهيئات والمؤسسات ذات الصلة أو غيرها بتشجيع توظيف هؤلاء، والتعامل معهم بسياق اجتماعي سليم.
إنها فرصة لمراجعة الذات، والنقد الذاتي البناء، وتقويم ما نعمله، وما نطمح إليه، وما نتطلع له للوصول للأفضل، ونحن مجتمع نعشق الأفضل، ويتطلب الأمر مراجعة شاملة لواقع أعمال الدور نفسها، وكل الهيئات المعنية بالأمر، وذلك لاستخلاص العبر، والبناء عليها من أجل الوصول لواقع أفضل، وتشكيل لجنة للمتابعة تنعقد دورياً.
وأما الزملاء في وسائل الإعلام المباركين وهم ثروة في هذا الوطن فدورهم كبير في الإعلام المرئي والمقروء والمسموع في الصحف والمجلات، في الفضائيات والندوات لكي يدعموا هذه القضية، وكي يجروا اللقاءات والحوارات مع الأيتام المبدعين والمبرزين والفاعلين الذين لم يمنعهم فقدهم لأمهم وأبيهم عن متابعة دروب المجد والسؤدد، وهم كثيرون، وقد نبغوا بالفعل في مجالات حياتية مختلفة، وهم يعيشون معنا وبيننا، ومن حقهم علينا أن نبرزهم، ونظهرهم للعلن؛ ليكونوا قدوة مميزة متميزة بإذن الله، وننال نحن الثواب بعملية دعمهم وإظهارهم بالشكل الذي يستحقون، ولا بد من وجود اتصال بين الوزارة ووسائل الإعلام لتعريفهم بهؤلاء النوابغ المبدعين.
وهناك شخص لا بد أن يذكر بالتقدير والاحترام، وهو المعروف بمشاركاته وإسهاماته وأفكاره البناءة في أمثال هذه القضايا الاجتماعية قبل دخوله الوزارة، والذي ما لبث يقدم الجهد تلو الجهد، والعمل تلو العمل؛ ليصبح البنيان شامخاً بعد تسلمه زمام الأمور فيها إنه معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي يحاول اغتنام أي فرصة لتقديم الخدمات الممكنة للشرائح الاجتماعية المستحقة، كما لا ننسى تقديم الشكر والتقدير لزملائه العاملين في الجهاز، وفي مقدمتهم وكيل الوزارة لشؤون الرعاية الاجتماعية الأستاذ عوض الردادي، والقائمين على الدور والمؤسسات والمهرجان أيضاً الذين يبذلون جهوداً مشكورة مأجورة بإذن الله.
إننا نريد أن يحل الطموح محل الإحباط، والعمل مكان القول، والنشاط مكان الكسل، وهذه الأمور طريقها واضح واحد، إنه إسلامنا الحنيف، الذي به نحن واصلون بإذن الله إلى سعادة الدارين، تلك هي الرسالة قبل القضية، والله ولي التوفيق.
alomari1420@yahoo.com
|
|
|
|
|