| مقـالات
كنت قد عقبت في الحلقة السابقة على مسألتين من المسائل الثلاث التي أبدى الدكتور سلطان وجهة نظره حول ما كتبته عنها؛ وهما مسألة اشتراك الدكتور كورشون في تأليف الكتاب، ومسألة ما حدث قبل هجوم عبدالعزيز بن محمد بن سعود على العجمان في قذلة, وفي هذه الحلقة أواصل التعقيب متحدثاً عما أبداه الدكتور سلطان عن المسألة الثالثة المتصلة بمعركة الرضيمة.
المسألة الثالثة: قال الدكتور سلطان بن حثلين: إن العثيمين عند تعليقه على معركة الرضيمة قال: يعتمد الحديث الموجز عن المعركة المذكورة في هذا الفصل على ما قاله عنها الشيخ عبدالله الدامر أحد نبلاء العجمان, وقد ذكر أن تلك المعركة كانت أساساً بين بني خالد والعجمان، وأن هاتين القبيلتين كانتا قطبي الرحى فيها ,, ثم يضيف قائلاً: على ان كلا من ابن بشر والفاخري وهما مؤرخان محليان معاصران لتلك الحادثة قد ذكرا بأن معركة الرضيمة كانت بين فيصل الدويش زعيم مطير ومن تحالف معه من العجمان وغيرهم وبين زعيمي بني خالد محمد بن عريعر وأخيه ماجد ومن تحالف معهما من عنزة وغيرها.
ثم يتوقف العثيمين في مسألة أي الروايتين أصح وإن كان من خلال كتابته يميل إلى ترجيح رواية ابن بشر والفاخري لأنه على حد قوله يجب أن يؤخذ في الحسبان التنافس الذي كان قائماً في تلك الفترة بين والي مصر ووالي العراق وأن علاقة الدويش بالأول وطيدة وعلاقة زعيمي بني خالد بالثاني كانت جيدة.
وفي هذا السياق تبرز لنا عدة تساؤلات:
أولها هل حقاً تم ذكر مناخ الرضيمة بإيجاز وأن الشيخ عبدالله الدامر ذكر أن تلك المعركة كانت أساساً بين العجمان وبني خالد كما قال العثيمين؟
والإجابة عن ذلك هي الإشارة إلى النص في الكتاب,, التي تقول: وقع التصادم بين العجمان وبني خالد في عام 1238 في معركة مناخ الرضيمة التي كانت بين العجمان وحلفائهم من القبائل الأخرى مثل مطير والدواسر وغيرهم من ناحية وبين ماجد بن عريعر وأتباعه من بني خالد ومن تبعهم.
ثم ذكرت رواية الشيخ عبدالله الدامر سبب القتال,, إلخ، وانتهت الرواية بذكر انتصار الجمعان وحلفائهم, مما سبق يتبين لنا أن رواية الشيخ عبدالله الدامر لم تكن موجزة، وأنها لم تذكر بأن قطبي الرحى هما العجمان وبنو خالد, بل أشارت بكل وضوح إلى خلاف ما ذكره العثيمين الذي لم يشر أيضاً إلى أن هذه المعلومات قد وردت في الكتاب.
الأمر الآخر هو لماذا لم يرجح العثيمين رواية الشيخ عبدالله الدامر؟ ولماذا جعل رواية ابن بشر والفاخري هي الأقرب إلى التصديق؟
ثم طرح الدكتور سلطان سؤالين مما قال: إنه تبرز لنا عدة تساؤلات ,
الأول هل حقاً تم ذكر مناخ الرضيمة بإيجاز؟ والثاني هل ذكر الشيخ عبدالله الدامر ان تلك المعركة أساساً بين العجمان وبني خالد؟
والكلام السابق هو ما قاله الأخ الكريم الدكتور سلطان في إبدائه وجهة نظره حول ما ذكره كاتب هذه السطور في قراءته عن معركة الرضيمة بالذات.
فماذا قلت عن هذه المسألة؟ قلت:
مما يلفت النظر عدم التقيد في الفصل الثاني بالحديث عما يفهم من عنوانه؛ وهو علاقة العجمان بالدولة السعودية الأولى, فقد ذُكر فيه حديث موجز عن معركة الرضيمة سنة 1238ه, وهي معركة حدثت بعد نهاية تلك الدولة بخمس سنوات (ولا أظن ذلك خافياً على الدكتور سلطان), ويعتمد الحديث الموجز عن المعركة في هذا الفصل على ما قاله عنها الشيخ عبدالله الدامر، أحد نبلاء العجمان, وقد ذكر ان تلك المعركة كانت أساسا بين بني خالد والعجمان، وأن هاتين القبيلتين كانتا قطبي الرحى فيها, وفي إيجاز الشيخ عبدالله لها معلومات جديرة بالتأمل.
على أن كلا من ابن بشر والفاخري؛ وهما مؤرخان محليان معاصران لتلك الحادثة، قد ذكرا أن معركة الرضيمة كانت بين فيصل الدويش، زعيم مطير، ومن تحالف معه من العجمان، وغيرهم وبين زعيمي بني خالد، محمد بن عريعر وأخيه ماجد، ومن تحالف معهما من عنزة وغيرها, وقد ذكر هذا، أيضاً، المؤرخ الأحسائي محمد آل عبدالقادر, ولعله اعتمد على المصدرين الأخيرين, وترجيح رواية الشيخ عبدالله الدامر العجمي أو رواية ابن بشر والفاخري المعاصرين للحادثة، ومن اعتمد عليهما فيما يبدو، أمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق, على أنه ينبغي أن يؤخذ في الحسبان بأنه كان هناك تنافس، في تلك الفترة بين والي مصر ووالي العراق، وأن علاقة الدويش بالأول كانت وطيدة، وعلاقة زعيمي بني خالد بالثاني كانت جيدة .
ذلك ما قلته عن الموضوع.
وأبدأ تعقيبي على ما ذكره أخي الكريم الدكتور سلطان في وجهة نظره حول قراءتي عنه بالحديث عن السؤالين اللذين أثارهما الدكتور؛ وهما:
هل حقاً تم ذكر مناخ الرضيمة بإيجاز؟ وهل ذكر الشيخ عبدالله الدامر ان المعركة أساسا بين العجمان وبني خالد؟
لقد جاء الحديث في الكتاب عن معركة الرضيمة؛ ابتداء من قول المتحدث في الكتاب:
وتتلخص أحداث معركة مناخ الرضيمة إلى آخر الحديث عنها بصفحة واحدة, وهذه المعركة قيل عنها في الكتاب:إنها كانت نصراً حاسماً للعجمان وهزيمة ساحقة لبني خالد ، وإن بني خالد كانوا ما يزالون يعانون من تلك الهزيمة بعد أعوام من حدوثها ، وكرر هذا القول (ص 51) وقيل عنها (ص21):إنها انتهت بنصر العجمان وحلفائهم، فبسطوا نفوذهم على الأحساء منذ ذلك التاريخ .
(والقول بأن العجمان بسطوا نفوذهم على الأحساء منذ معركة الرضيمة سنة 1238ه لا يتفق مع حقيقة أن الإمام تركي بن عبدالله أخذ الأحساء من زعماء بني خالد سنة 1245ه).
أقول: إذا كانت معركة الرضيمة من الأهمية بالدرجة التي ذكرت عنها في الكتاب؛ وبخاصة أن أحد قطبيها حكام منطقة مهمة؛ حاضرة وبادية، إضافة إلى من تحالف معهم من فروع قبائل أخرى، فهل الحديث عنها بصفحة واحدة موجز أو غير موجز؟
هذا الأمر متروك للقارئ الكريم, لكن من العجيب أن يلومني الدكتور سلطان على استعمال كلمة إيجاز مع أنه قيل في الكتاب نفسه: وتتلخص أحداث معركة مناخ الرضيمة ,, إلخ, فإذا كان من كتب عنها في الكتاب نفسه قد وصف أحداثها الموردة بأنها ملخصة فكيف يلوم من استعمل كلمة بإيجاز؟
أما السؤال الثاني وهو هل ذكر الشيخ عبدالله الدامر ان معركة الرضيمة كانت أساسا بين العجمان وبني خالد؟ فالجواب عنه كما يأتي:
لقد سيقت أحداث المعركة ملخصة في الكتاب، وذكر في الهامش (ص46) ما نصه: نقلاً عن الشيخ عبدالله الدامر , أما أن الطرف المضاد للطرف الذي فيه العجمان كان على رأسه زعماء بني خالد فأمر لا خلاف عليه بين المصادر، بما في ذلك رواية الشيخ الدامر, وأما الطرف المضاد لبني خالد ومن معهم فكانوا حسب رواية هذا الشيخ بزعامة العجمان لأن سرد أحداثها جاء وكأنها ابتداء خلاف بين هؤلاء وبني خالد، وختم بالقول: انتهت المعركة بانتصار العجمان وحلفائهم , وعلى هذا فإن الشيخ قد أوضح كما قلت بأن أحد قطبي المعركة بنو خالد وقطبها الآخر العجمان, وإذا كان لم يستعمل العبارة التي استعملتها فالمعنى واحد, ولقد قيل في الكتاب نفسه (ص45):
وقع تصادم بين العجمان وبني خالد في عام 1238ه في معركة مناخ الرضيمة التي كانت بين العجمان وحلفائهم من القبائل الأخرى مثل مطير والدواسر وغيرهم من ناحية وبين ماجد بن عريعر وأتباعه من بني خالد ومن تبعهم .
أ بعد هذا يبقى معنى لعدم اقتناع الدكتور سلطان بأن ما أثاره من سؤال حول هذه المسألة جوابه في الكتاب نفسه؟ وهل ذكر العثيمين في قراءته عنها ما لا تفيده رواية الشيخ الدامر، وينص عليه الكتاب؟
ولقد ذكر الدكتور سلطان رأيي بالنسبة لاختلاف الروايتين قائلاً: إن العثيمين يميل إلى ترجيح رواية ابن بشر والفاخري لأنه على حد قوله: يجب أن يؤخذ في الحسبان التنافس الذي كان قائماً في تلك الفترة بين والي مصر ووالي العراق، وأن علاقة الدويش بالأول كانت وطيدة وعلاقة زعيمي بني خالد بالثاني كانت جيدة.
ماذا قلت، حقيقة، عن اختلاف تلك المصادر حول المعرك؟ قلت ما يأتي:
وترجيح رواية الشيخ عبدالله الدامر أو رواية ابن بشر والفاخري المعاصرين للحادثة، ومن اعتمد عليهما فيما يبدو وهو آل عبدالقادر أمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق, على أنه ينبغي أن يؤخذ في الحسبان,, الخ.
وما أشرت إليه من وجود تنافس بين الواليين وعلاقة الدويش بأحدهما علاقة زعيمي بني خالد بالآخر لم يكن تعليلاً لترجيح روايتي ابن بشر والفاخري ومن اعتمد عليهما؛ بل هو إشارة إلى أن ذلك التنافس وتلك العلاقة كانا من أسباب ولا أقول كل الأسباب وقوف الدويش والزعيمين الخالدين موقفي المتعارضين, أما موقفي من اختلاف الروايات حول الموضوع فقد قلت عنه كما ذكر سابقاً إن الترجيح أمر يحتاج إلى مزيد من التدقيق.
وما دام الدكتور سلطان أثار هذا الموضوع فإني أود أن أبين ما يأتي: أن الشيخ عبدالله الدامر من قبيلة العجمان, ولذلك فإن من المتوقع أن يكون ضليعاً بأخبارها, لكن يبقى أمر؛ وهو أنه يفصل بين وفاته ووقوع الحادثة حوالي مئة وخمسين عاما, أما ابن بشر والفاخري فكانا مؤرخين معاصرين لها ومستقلين، فليسا من هذا الطرف أو ذاك, وبالإضافة إلى ذلك فإنهما كانا من المؤرخين الذين يكنون وداً وتقديراً للقيادة السعودية, وكانت قبيلة العجمان، عام 1238ه، ذات علاقة جيدة بالإمام تركي، الذي لم يكن بعد قد أجلى بقية قوات حاكم مصر من نجد, أما الدويش فكان في تلك الفترة موالياً لذلك الحاكم لظروف ليس، هنا، محل مناقشتها.
ولو أن ابن بشر والفاخري المؤرخين لم يكونا يكتبان ما يظنانه حقاً لكان متوقعاً أن ينسبا فضل قيادة الفريق المنتصر للعجمان الموالين لآل سعود حينذاك بدلا من نسبته إلى مطير التي كانت موالية لخصمهم حاكم مصر.
لقد روى الشيخ عبدالله الدامر معلومات عن ظروف معركة الرضيمة.
وهي معلومات قلت عنها في قراءتي للكتاب: إنها جديرة بالتأمل, وهناك روايات متعددة عن تلك المعركة من بينها رواية للأخ الكريم مسلط الأدغم السبيعي، الذي قال لي: إن جده سياف بن مسلم الأدغم كان قائداً لسبيع في المعركة المذكورة.
وفي روايته معلومات بعضها يختلف مع بعض ما ورد في رواية الشيخ عبدالله الدامر من معلومات عنها, على أنه لم يكن من أهداف قراءة الكتاب الدخول في تفصيلات حوادثها والمقارنة بين هذه التفصيلات في الروايات المتعددة لترجيح ما تترجح صحته, ولذلك اكتفي في تلك القراءة بالقول: إن ترجيح رواية الشيخ عبدالله الدامر أو رواية كل من الفاخري وابن بشر يحتاج إلى مزيد من التدقيق .
ومهما اختلفت تفصيلات الروايات حول ظروف معركة الرضيمة فإنه عندما حان وقت الحسم فيها بعد طول مناخ كان على رأس احد الفريقين زعيما بني خالد، وكان قد أصبح فيما يبدو أبرز شخصية قيادية في الفريق الآخر زعيم قبيلة مطير، فيصل الدويش، الذي كان ثقله في المنطقة حينذاك واضحاً جليا, ولعل هذا هو الذي جعل ابن بشر والفاخري يقولان: إنه كان على رأس الفريق المواجه لفريق الزعيمين الخالدين ومن معهم.
على أن الأهم في الموضوع كله هو أن معركة الرضيمة لم يكن من نتائجها بسط العجمان نفوذهم على الأحساء كما قيل في الكتاب (ص21)، إذ بقيت تلك المنطقة كما ذكر سابقا تحت حكم بني خالد حتى عام 1245ه.
ولعل من المستحسن أن أختم تعقيبي بالإشارة إلى ما ظنه الدكتور سلطان بي من أني أحصر مصادر تاريخ الجزيرة العربية في بعض المصادر فقط, لقد كان بحثي في الندوة الأولى لتاريخ الجزيرة العربية التي عقدت قبل ربع قرن بعنوان :الشعر النبطي مصدراً لتاريخ نجد , ومن قرأ كتابي عن نشأة إمارة آل رشيد، مثلاً يتضح له أني ممن استخدم جميع أنواع المصادر من كتب تاريخية وكتب رحلات، ووثائق، وشعر، وروايات شفهية, لكن من يبحث بتجرد عن الحقيقة التاريخية لابد أن يقارن، ويرجح ما يترجح لديه صحته, وإن أملي لكبير في أن يكون في تأمل أخي الكريم الدكتور سلطان فيما نشرته عن كتابه ما يفيد في إعادة النظر وتصحيح ما يراه بحاجة إلى تصحيح.
والله ولي التوفيق,.
|
|
|
|
|