| تحقيقات
العصرية شيوعا في الدول الصناعية المتقدمة وتشير الاحصائيات الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية ان أكثر من نصف المجتمع من البالغين مصاب بداء السمنة وأن أكثر من 25% من الأطفال يعانون من زيادة الوزن كما يعاني أكثر من 30% من سكان الدول الصناعية كاليابان والدول الغربية من داء السمنة.
وبالرغم من شيوع مرض السمنة في الوطن العربي إلا ان الموضوع يفتقر للاحصائيات الميدانية الدقيقة ونجد ان هناك العديد من الاحصائيات الاستقصائية بالمملكة العربية السعودية عن داء السمنة بين فئات مختلفة من المجتمع كطلاب المدارس وبعض البالغين من الرجال والنساءالذين يراجعون المستشفيات لعوارض مرضية أخرى، وتوضح هذه الاحصاءات مدى تزايد ظاهرة زيادة الوزن لدى هذه الفئات وتشير الدلائل الى تفاقم ظاهرة مرض السمنة في المجتمع السعودي وانتشارها ضمن مختلف فئات المجتمع من رجال ونساء وأطفال، فهل أصبحت الظاهرة داء مستوطناً في المنطقة؟ للأسف ليس من السهل الاجابة على هذا التساؤل نظرا لعدم وجود الاستقصاءات البحثية الميدانية الشاملة ولكن الاستنتاجات الفرضية تشير الى احتمال اصابة أكثر من ثلث المجتمع السعودي بداء السمنة.
وربما يكون من المستحسن والفرصة مواتية وذات مردود اقتصادي وصحي وتخطيطي ممتاز أن يشتمل الاحصاء السكاني العام الذي تعتزم الدولة القيام به في العام 1425ه على أبحاث استقصائية صحية شاملة تعنى بشؤون الصحة العامة لتحديد مدى انتشار بعض الظواهر المرضية الحديثة مثل ارتفاع ضغط الدم، السكري، السمنة وما الى ذلك، كما يمكن ان تشمل الاستقصاءات بعض العادات والظواهر بالمجتمع كالتدخين والعنوسة وخلافها.
* علاقة السمنة بالسرطانات:
من أهم الأمراض التي تصاحب داء السمنة ارتفاع ضغط الدم وداء السكري وتصلب الشرايين، ارتفاع دهنيات الدم، أمراض الظهر والمفاصل، ضيق التنفس وجلطات الرئة ودوالي الساقين اضافة الى التليف الشحمي للكبد وتكون حصيات بالحوصلة المرارية كما أن هناك زيادة ملحوظة في اصابة الفرد السمين بالأمراض السرطانية كسرطان القولون والبروستاتا والثدي والرحم كما ان النساء السمينات يعانين من عدم انتظام الدورة الشهرية والعقم أو ارتفاع نسبة الاجهاض اذا حملن يضاف الى كل هذا العزلة الاجتماعية والأمراض النفسية كالاحباط والاكتئاب.
جميع هذه العوامل الصحية والاجتماعية والاقتصادية تؤكد ضرورة المحافظة على الوزن المعتدل للانسان ومحاربة زيادة الوزن بكل الوسائل المتاحة للفرد والمجتمع على حد سواء فالأخطار واضحة والتكلفة الاقتصادية عالية جدا وليس أفضل من الوقاية في هذا المضمار وخير من أوصى بمحاربة السمنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال:نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لانشبع فمن اتبع نصيحة المصطفى عليه الصلاة والسلام لن يعاني من السمنة إطلاقا.
وصحياً نحدد الوزن المقبول للفرد بتحديد دالة كتلة الجسم وذلك بقياس طول الفرد بالأمتار وتحديد وزنه بالكيلوجرامات وتحدد المعادلة دالة كتلة الجسم التي تساوي الوزن مقسوما على مربع طول الانسان بالأمتار، ونجد ان الوزن المعتدل للفرد هو ان تكون دالة كتلة الجسم تتراوح بين 2024 وما زاد عن ذلك يعتبر زيادة في الوزن.
عموما من زادت دالة جسمه عن 29 يجب أن يلجأ الى كل الوسائل المتاحة لخفض وزنه تجنباً للمخاطر المحتملة ولكي يتمتع بحياة صحية ورفاهية اقتصادية واجتماعية ان شاء الله.
إن عملية تدبيس المعدة عموديا أهم وسائل تخفيض الوزن تتطلب الاستقرار النفسي والتصميم والاصرار على تغيير سلوكيات التغذية من حيث الكمية والنوعية اضافة الى ممارسة التمارين الرياضية والحركة لزيادة صرف السعرات الحرارية من الطاقة المخزونة في الجسم، ويجد الفرد السمين العديد من الوسائل المتاحة أمامه لخفض الوزن ومن ضمنها الأنواع المختلفة لأنظمة الرجيم والأدوية المثبطة للشهية أو المانعة لامتصاص الغذاء خصوصا الدهون اضافة الى الأنواع والوسائل المختلفة للتمارين الرياضية وجميع هذه الوسائل المتاحة أثبتت نجاحها ولكن عادة على المدى القصير فقط خصوصا اذا لم يصاحب استخدام هذه الوسائل تغير في السلوكيات الغذائية والنشاط الحركي للانسان، عموما ننصح بأن يتم استعمال وسائل خفض الوزن تحت اشراف طبي أو من قبل المختصين في التغذية الصحية وذلك لتفادي المخاطر المحتملة من جراء استعمال وسائل خفض الوزن والتي ربما تكون عوارض خطيرة قد تؤدي الى الوفاة أحيانا.
ونظرا لقلة فعالية الوسائل التقليدية في خفض الوزن خصوصا على المدى الطويل فقد تم اللجوء الى الوسائل الجراحية وهي متعددة لخفض وزن الفرد السمين على المدى الطويل وقد عرف المجتمع الطبي صولات وجولات للجراحين المهتمين بمرض السمنة من حيث نوعية العمليات الجراحية التي أجريت في سبيل المحافظة على الوزن المثالي للفرد وبالرغم من خطورة معظم هذه العمليات والعوارض الصحية الخطيرة التي صاحبت بعضها إلا ان الفرج والبداية الأكثر أمانا لعلاج السمنة جراحيا بدأ في عقد الستينات على يد الجراح الأمريكي مايسون حيث نشر عمليته المتمثلة في تدبيس المعدة عموديا لصنع جيب صغير في أعلى المعدة لاستقبال الطعام وبعد ذلك توالت التعديلات لهذه العملية للحصول على أفضل النتائج الممكنة وأصبحت عمليات علاج السمنة أكثر أمانا نظرا لتطور علم التخدير وعلوم متابعة ومراقبة المريض بعد العملية مما أدى الى انتشار هذه العمليات على مستوى العالم وتقبل المجتمع لنتائجها على المدى القصير والطويل.
* الخيارات المتاحة في العلاج الجراحي للسمنة
وحاليا هناك العديد من العمليات الجراحية الممكنة التي يمكن من خلالها تخفيض الوزن والمحافظة على الوزن المعتدل المثالي للفرد على المدى الطويل وتعتمد النتائج على اختيار نوعية التدخل الجراحي المناسب للفرد السمين وأن يتم الفحص والتقييم بواسطة جراح متمرس وله اهتمام متخصص في العلاج الجراحي للسمنة ولديه الالمام والخبرة الكافية بجميع الوسائل الجراحية المتاحة وقبل ذلك لديه الامكانية والخبرة لعلاج الأمراض الجراحية المصاحبة للسمنة والمضاعفات المحتملة وأن يكون الجراح مدعوما بفريق صحي متكامل في المراكز أو المستشفى ولديه التجهيزات والامكانات الفنية اللازمة مما يضمن بحول الله نجاح مثل هذه العمليات ويؤتي أفضل النتائج.
العمليات الجراحية المتاحة حاليا لعلاج السمنة بمختلف أنواعها يمكن تصنيفها الى ما يلي:
* عمليات تحزيم المعدة إما بالطريقة الجراحية التقليدية المفتوحة وإما بواسطة تنظير البطن.
* عمليات تدبيس المعدة وهي مختلفة الأنواع ويمكن إجراؤها بواسطة الجراحة التقليدية المفتوحة أو بواسطة تنظير البطن.
* عمليات تقليص حجم المعدة وتحويل مسار سير الطعام الى الأمعاء.
* عمليات تقليص المعدة وتقليص امتصاص الطعام بالأمعاء.
ونظرا لتطور أجهزة ومعدات تنظير البطن فقد أمكن حديثا اجراء جميع التدخلات الجراحية لعلاج السمنة بواسطة منظار البطن مما جعل هذه العمليات أكثر أمانا في حال نجاحها ولكن مخاطرها كبيرة إذا حدثت مضاعفات خلال التدخل الجراحي أو بعده مباشرة خصوصا اذا لم يتم التعامل مع هذه المضاعفات بصورة فورية وفي أقصر وقت بعد العملية.
وتتلخص خبرتنا في العلاج الجراحي لمرض السمنة منذ العام 1984م الى اليوم في اجراء حوالي 1000 عملية من مختلف الأنواع التي ذكرناها آنفا لتخفيض الوزن وقد بلغ متوسط عمر المرضى لدينا 30,6 سنة 1258 سنة أما متوسط دالة كتلة الجسم فقد بلغ 42,7 درجة 3174,6 وبلغت نسبة الرجال 39,3% والنساء 60,7% ونجد أن نسبة النجاح في تخفيض الوزن الى المستوى المعتدل المقبول على المدى الطويل أربع سنوات بلغ 81% وهي نسبة ممتازة تماثل النسب الموثقة من المراكز الجراحية المتخصصة في العالم المتقدم.
أما نسبة المضاعفات بصورة عامة فقد بلغت 12,3% وتشمل هذه النسبة المضاعفات التنفسية والتهابات الجروح والتسرب من المعدة والأمعاء وتخثر الدم بالأوردة والفتق الجراحي والنزيف الداخلي.
أما نسبة الوفيات فربما ولله الحمد يعتبر من أفضل النسب المسجلة على المستوى العالمي حيث حدثت لدينا وفاة واحدة فقط هي الحالة السابعة منذ بدايتنا في العام 1984م حيث انتقلت المريضة ان شاء الله الى رحمته في اليوم السادس بعد العملية نتيجة اصابتها بجلطة دموية كبيرة بالرئة أدت الى هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفس بالرغم من تناولها مسيلات للدم خلال وبعد العملية وقد أجرينا لهذه المريضة عملية تدبيس المعدة عموديا بالطريقة التقليدية المفتوحة.
* تحزيم المعدة بالتنظير الجراحي:
سنتطرق هنا بالشرح التفصيلي لعملية تحزيم المعدة بواسطة التنظير الجراحي للبطن وهي أكثر العمليات شيوعا التي نجريها اليوم نظرا لكونها العملية الأدنى تدخلا جراحيا والأكثر أمانا والتي يطالب بها أكثر المرضى من ذوي الأوزان الثقيلة.
فبالرغم من مميزات هذه العملية التي تتلخص في أمانها وسرعة الشفاء بحول الله حيث يمكن للمريض ان يعود لممارسة عمله ونشاطه الاعتيادي خلال أقل من أسبوع من وقت اجراء التدخل الجراحي اضافة الى فعاليتها في تخفيض الوزن والمحافظة على الوزن المعتدل على المدى الطويل إلا ان تكاليف اجرائها المرتفعة نسبيا ربما يكون عائقا وحائلا دون تعميمها وشيوعها بصورة أكبر.
وعملياً نقوم بواسطة منظار البطن بشق طريق ضيق خلف الجزء العلوي من المعدة ثم نضع حزاماً من مادة السيليكون وغلقه حول المعدة لتكوين جيب معوي صغير في أعلى المعدة يستقبل كمية صغيرة من الطعام ويسمح بمرورها على مدار ساعتين أو ثلاث إلى أسفل المعدة ثم الى الأمعاء ويؤدي هذا الاجراء الى شعور المريض بالشبع المبكر بعد تناوله كمية صغيرة من الطعام ويلازمه الشبع لمدة طويلة بعد ذلك واذا ما صاحب هذا الاجراء التزام المريض بالارشادات والنصائح التي نزوده بها اضافة الى النشاط الحركي وممارسة التمارين الرياضية فإن نزول الوزن سوف يكون مؤكداً بإذن الله وعادة ما نقوم باجراء فحص شعاعي بالصبغة للمعدة خلال 12 ساعة من اجراء العملية وذلك للتأكد من وضع الحزام وعدم وجود انسداد أو تسرب يسمح بعدها للمريض بمغادرة المستشفى ونسمح للمريض خلال فترة الثلاثة أسابيع الأولى بعد العملية بتناول السوائل والأطعمة شبه السائلة فقط ثم بعد ذلك يمكنه تناول الطعام المعتاد شرط أن يقوم بمضغ طعامه جيداً وبصورة بطيئة مع التوقف عن تناول الطعام والشراب متى ما شعر بالامتلاء والشبع وتتم متابعة هؤلاء بصورة دورية ومنتظمة لمتابعة انخفاض الوزن حيث يمكن خلال زيارات المتابعة تضييق أو توسيع حزام المعدة بناء على استجابة المريض للتحزيم ونتوقع خلال زيارات المتابعة ان ينخفض الوزن بواقع 13 كيلوجرامات في الأسبوع الواحد بعد الشهر الأول من العملية وتنخفض نسبة نزول الوزن تدريجيا عند نهاية السنة الأولى حيث سيستقر الوزن عند الوزن الملائم للفرد وهذا ما يعطي صورة معتدلة ومتوازنة لخفض الوزن تدريجيا ونجد ان بعض المرضى أو أقاربهم يغالون في ترقبهم للنتائج ويستعجلون النتائج الفائقة لتحسن أوزانهم علماً بأن النتائج المفضلة تعتمد بصورة كبيرة جدا على التزام المريض بالتغيير في النمط الحياتي والسلوك الغذائي اليومي واتباع النشاط الحركي والتمارين الرياضية ليكون الانخفاض في الوزن متعادلا والنتائج مرضية ويحول دون الترهل في الجلد وضمور العضلات.
ويقوم مستشفى المركز التخصصي الطبي باجراء عملية تحزيم المعدة بواسطة منظار البطن لمعالجة زيادة الوزن وهذه الجراحة هي الأكثر أمانا لانقاص الوزن وتوفر على المريض الاقامة الطويلة في المستشفى، ومن مزاياها أيضا تحسن كبير في علاج أمراض الربو وضيق التنفس وتحسن فرض الحمل والانجاب في حالات العقم.
* أستاذ واستشاري الجراحة في مستشفى قوى الأمن ومستشفى المركز التخصصي الطبي بالرياض متخصص في جراحات السمنة وجراحة المناظير.
|
|
|
|
|