| لقاءات
* لندن - جميل العتيبي:
التقيناه في عاصمة الضباب فقابلنا هاشاً باشاً منفتح الصدر متألق الذهن,, إنه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز,, الذي نال مؤخراً دكتوراه العلوم السياسية من جامعة (درهام) ببريطانيا.
قادتنا الخطوات لسموه بعد أن سمعنا بإشادة الكثيرين من المثقفين العرب بمستوى مؤلف سموه (المجالس المفتوحة,, والمفهوم الإسلامي للحكم في سياسة المملكة العربية السعودية) وما طرح فيه,.
إليكم أعزاءنا تفاصيل حديث الأمير فيصل بن مشعل ل الجزيرة :
* نقرأ كتاب (المجالس المفتوحة) فنفتح حنينا للماضي نعرفه عن ظهر قلب ونشتاق له جميعا لنتذكر تلك المجالس، فهل ترتكز في هذا الكتاب على هذا الأمر؟
كتاب (المجالس المفتوحة) هو عبارة عن محتوى رسالة ماجستير تقدمت بها عام 1408ه إلى جامعة كاليفورنيا (تشيكو) بالولايات المتحدة الأمريكية لتسليط الضوء على سهولة مقابلة المواطنين لولاة الأمر حفظهم الله وطرح مفهوم الحكم الإسلامي على الدول الغربية التي تتفاخر بالديمقراطية والإيضاح بأن لكل أمة خصوصيتها وظروفها التي تتكيف معها بغض النظر عن الأسماء والشعارات ولكن الأهمية تكمن في النتائج ومدى تحقيق متطلبات المواطن من خلال أكثر القنوات التصاقاً به بدون وسطاء أو ممثلين لفئة أو لحزب معين، ولا شك أن المجالس المفتوحة هي أقرب تلك القنوات وهي تقليد إسلامي عربي أصيل نعتز به.
أنا جزء من كل
* نلاحظ أنك سمو الأمير تحاول أن تنير شمعة، كيف ترى توسع دائرة من يحمل الشموع؟
أسأل الله تعالى أن ينير قلوبنا جميعاً بالإيمان قبل كل شيء، أما أنني أدعي أنني فعلت شيئا يستحق أن يسمى شمعة فلا أعتقد ذلك، لأنه كما يقول المثل (اليد الواحدة لا تصفق) ولست إلا جزءا من كل، وهناك الكثير من أبناء الأمة الإسلامية والعربية عامة وفي بلادنا خاصة ممن هم يساهمون في نقل صور حقيقية عن إيجابيات هذا الدين القويم وتصحيح المفهوم الخاطئ لدى ضحايا أعداء الإسلام ومن شوهوا صورته مع الأسف أما توسع دائرة من يحمل الشموع فعسى أن يكثر الله ممن يحمل شموع الخير.
* قرأنا كثيرا عن الكتب حول المملكة إلا أن كتابكم (المجالس المفتوحة) يعد بمثابة مرجعية جديدة لسياسة المملكة فهل سموكم ينوي توسيعها والتبحر فيها؟
بفضل من الله ومنته استكملت هذا الموضوع في اطروحة الدكتوراه التي كان موضوعها عن التطور السياسي في المملكة وهو بلا شك باللغة الإنجليزية وسوف أقوم بترجمة هذه الأطروحة إن شاء الله مثلما ترجمت الماجستير، وسوف تكون تغطية بحث الدكتوراه أوسع وأشمل بحول الله وقوته راجياً من الله أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا إنه سميع مجيب.
* في ظل العولمة,, هل تجد أن الرؤية الإسلامية تستطيع أن تطرح هذه الألعوبة أرضا؟
أولاً كلمة العولمة إذا أردنا أن نجعلها نقيضا للإسلام بدون الإدراك بما تعني فهذا له بحث آخر، لذا فإن الإسلام هو عالمي بحد ذاته إذ انه ليس محصوراً في بقعة دون الاخرى، ثم ان نبينا محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام بعث للأمة كلها والعالم أجمع وليس مثل من سبقوه من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين بعثوا لأممهم فقط بل إنك ترى ولله الحمد,, الإسلام الآن في الصين واليابان وأمريكا وأفريقيا واستراليا وكل أصقاع المعمورة لذا فتحديد مفهوم العولمة شيء مهم إذا كان خيراً أم شرا، ولكنني أظنك تقصد عصر انعدام الحدود وهذا حاصل الآن ولكن إذا استطعنا أن نستفيد من إيجابياتها بواسطة التقنية الحديثة بما فيها من خير وشر وما يتوافق مع ديننا الحنيف وبما يخدمه اكثر في انتشاره فهذه هي الاستفادة المثلى ولكن بشرط أن نقاوم السلبيات ونحصن أنفسنا وأبناءنا بالله سبحانه وتعالى ثم بالهدي القويم للشريعة الإسلامية التي ترتكز على الإيمان الذاتي لكل فرد وتهيئة الوسائل والبيئة الصالحة لكيفة درء الأخطار المحدقة بنا من كل جانب بدءا من الأسرة والبيت والمدرسة والجامعة والمسجد والدولة لكي تتضافر الجهود لتحقيق ذلك الهدف.
أحوال لا تسر
* اقترب موعد القرية الهالكة في كثير من الدول,, هل تظن أن الأمر يعود لغياب الإسلام؟
الله سبحانه هو عالم الغيب والشهادة وهو القائل تبارك وتعالى : وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ومن هنا أقول ان الله غيور على نعمه، وأحوال المسلمين في بلادهم لا تسر وأحوالهم في وحدة كلمتهم ليست كما ينبغي، والبلاد الإسلامية أو العربية هي التي نرجو وندعو الله لها بالهداية أما غيرها من البلدان الأخرى فلله حكمته في خلقه وهو تعالى يمهل ولا يهمل.
* منذ القراءة الأولى لك نجد خلف المفردات شاعراً مختبئاً فهل سموكم يخشى من فضحه؟
الشعر يا أخي الكريم هو تعبير عن مشاعر وأحاسيس في نفس كل شخص وهناك من يستطيع أن يعبر عن هذه المشاعر نظماً وشعراً ومنهم من لا يستطيع، وبالنسبة لي فأنا أحب الشعر وأحفظ الجيد منه وخصوصاً الحكم ولكنني لست شاعراً محترفا لأن هناك من أشعار الأوائل والمعاصرين ما شملت مفرداته ومعانيه وأبياته وتطابق تصويره وخياله كثيراً من ظروف الناس وأحاسيسهم.
* هل لسموكم محاولات شعرية؟ ومن هم الشعراء الذين تحرصون على قراءة شعرهم؟ ومن وجهة نظركم ما هو الفرق بين الشعر في السابق والشعر حاليا؟
في الحقيقة ليس لي محاولات شعرية تذكر إلا ما هو أمر خاص بي أحتفظ به لنفسي لأنه لا يرقى إلى مستويات الإبداع ومن هنا لا يستحق الذكر أو النشر، ولكنني أحب الشعر الذي يتضمن المعاني السامية سواء كان بالعامية أو بالفصحى كما أنني أتذوق العامية اكثر لأنها تطابق لهجتنا في الحياة اليومية أما الشعراء الذين أحرص على قراءة شعرهم فهم كثيرون ومنهم الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن والأمير خالد بن سعود الكبير والشاعر خلف بن هذال وكثير من الشعراء الذين أرجو أن يعذروني إن لم أذكرهم هذه اللحظة ولكن شاعري المفضل المرحوم بإذن الله محمد السديري.
* نحتاج أن نقترب أكثر من البيت السعودي لنعرف أكثر أين الخلل في مجتمعنا، فلكل مجتمع خلل ولكل مجتمع أسماء تعيد الأمر إلى نصابه؟
أرجو إن شاء الله ألا نسميه خللاً ولكن وجهة نظري الخاصة هي أن هناك نوعاً من التساهل في التربية انعكاساً على النعمة التي نعيش فيها والانشغال عن ديننا الحنيف وتطبيق التربية الإسلامية الرائعة لأبنائنا وبناتنا، ولا يأتي كل ذلك إلا بتوفيق الله أولاً, ثم نقطة الضعف في كثير من الناس هي عدم إعطاء القدوة الحقيقية للاب أمام أسرته وأبنائه وبناته ومن هنا كيف آمر ابني وابنتي بشيء وأنا لا أطبقه وكما يقول الشاعر القديم:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم |
المجالس مستمرة
* أحياناً نجد أن المجالس الجديدة في المملكة في ظل وجود الجيل الجديد ذات غياب واضح للمفهوم الأصل,, فهل تظن أن المشكلة تكمن في عملية التغريب؟
لا أظن ذلك، ولكن ولله الحمد بدأت كثير من مشاكل الأمور الإدارية والروتينية تنكمش نوعاً ما ثم أعتقد أن المجالس ما زالت مستمرة وسوف تستمر إن شاء الله لأنها خاصية فريدة جداً ليس في العالم الإسلامي والعربي وإنما في العالم كله وعلينا كسعوديين أن نفتخر ونعتز بذلك ونحمد الله على نعمة الإسلام التي جعلت ولاة الأمر حفظهم الله يلتمسون حاجات أبنائهم ويصدرون الأنظمة التي تلزم كل مسؤول بمقابلة المواطنين وحل مشاكلهم.
لكل بضاعة زبون
* الكتب تواجه الفضائيات، إلا تعتقد بأن هذا إجحاف وعدم تكافؤ؟
لا أميل إلى هذه المقولة لأن لكل بضاعة زبونا، وهناك من يأخذ من كل شيء فوائده ويترك نواقصه، والكتاب أو القراءة بوجه عام هي غذاء هام للعقل وسعة الإدراك كما أن الطعام غذاء للجسم، ومن هنا فالكتاب سيبقى لصديق الملازم لمن يسعى إلى التزود بالعلوم وسعة الأفق، ويأتي الاهتمام الآخر وهو اختيار نوعية الكتاب والتوجيه الذي يريده القارئ.
احتفظ به لنفسي
* يقال مع الأسف بأن اكثر مشكلة تواجهنا هي تغلب العادات والتقاليد على الدين بعض الأحيان ما هو من وجهة نظركم السبب في بقاء هذا الخلل؟
يؤسفني أن أسمع مثل هذه المقولة دائماً وأنا أرى أن الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) هذا دلالة واضحة على ان مكارم الأخلاق كانت موجودة في الأصل عند العرب ومنها الكرم وعزة النفس والشجاعة واحترام الجار وكثير من العادات المستحبة وقام الإسلام بتأطير تلك العادات والاخلاق ووضعها في مكانها الصحيح ومن هنا أقول ان العادات والتقاليد هي تلك التي تتوافق مع الدين الإسلامي ولا تخالفه أو تطغى عليه ولكنني أشك أن من يطلق تلك المقولة أناس لهم مآرب وأهداف خفية أسأل الله أن يحمينا منها.
* في ظل بحوثكم وما تنوون القيام بتأليفة مستقبلاً غير مؤلفكم (المجالس المفتوحة في نظام الحكم السعودي) كيف تستقرئون مستقبل السياسة في العالم؟
لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) صدق الله العظيم هذا وعد وممن؟ من رب العزة والجلال خالق كل شيء، ونحن مع الأسف نصدق وعود الخلق ولا نصدق وعد الخالق، والسياسة السعودية التي تنبع من ولاة الأمر حفظهم الله وهم حماة المقدسات الإسلامية ومطبقو شرع الله وحدوده أرى أنها إن شاء الله ستكون صخرة قوية في وجه الأمواج العاتية بالتمسك بالعروة الوثقى التي هي أساس هذه البلاد ونبراس نهجها لأرض تهوي أفئدة أكثر من مليار مسلم إليها في اليوم خمس مرات.
منظور قاصر
* الإسلام كالبحر كلما غرفنا منه وجدناه عميقاً لا حدود له، فهل تعتقد أن غالبيتنا ما زالوا ينظرون إليه بمنظور قاصر؟
نعم ومع الأسف انني أسمع الكثير ومنه ما سألتني عنه في سؤال سابق عن تعارض العادات والتقاليد مع الإسلام أو شيء من هذا القبيل، والدين الإسلامي هو القاعدة الراسخة والمتينة لهذه الأمة عندما تجد الأمم الأخرى غير المسلمة نفسها معلقة في الهواء لا قاعدة لها، فديننا صالح لكل زمان ومكان وتجد أكثر تفاصيل حياتنا اليومية في القرآن والسنة، ومن هنا أتحدى أن تجد في أي دستور في العالم كما تجد دليلاً واضحاً متكاملاً لكل تصرفاتك اليومية في كل شيء كما هو موجود في الشريعة الإسلامية، فهي دستورنا الدائم إن شاء الله والكشاف الذي ينير لنا الطريق في هذه الظلمة المعتمة، فمن هنا ومن خلال هذا اللقاء أدعو كل مثقف أو عالم أن يتسلح بالثقافة الإسلامية لأنها كمقبض السيف ان كان موجوداً وقوياً استطعت أن تضرب بالسيف (وهو العلم الدنيوي) وان لم يكن المقبض موجوداً أصلاً أو قوياً فسوف يحرجك ذلك السيف، ورسول الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام يقول (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وكفى بهذا الحديث من مرشد,.
أوضحت الحقيقة
* هل لسموكم أن يحدثنا عن محتوى رسالة الدكتوراه التي حصلتم عليها أخيرا من جامعة DURHAM في بريطانيا؟
أولاً أحمد الله وأشكره وأثني عليه أن وفقني لإنهاء هذه الأطروحة التي تتحدث عن التطور السياسي في المملكة وتركز على مجلس الشورى كهيئة تنظيمية وتقييم ذلك التطور السياسي منذ عهد الملك عبدالعزيز يرحمه الله إلى عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله وكيفية تطور أجهزة الدولة من إدارات بدائية حتى أصبحت دولتنا الغالية دولة مؤسسات نفتخر بها وبأبناء الوطن الذين يديرونها، والعالم الغربي مع الأسف لا يعلم عن نظام المملكة السياسي الذي يرتكز على الدين الإسلامي المتجدد في سياسته والمواكب لكل عصر مع التمسك بالثوابت الإسلامية وما تلك المبادئ التي يتحدثون عنها إلا جزئية بسيطة من عظمة الإسلام، فمن هنا كان من الضروري إيضاح تلك الحقيقية في هذا البحث الذي اسأل الله أن ينفع به الإسلام وأمته.
* بيت من الشعر يحرص سموكم على ترديده دوما في أغلب المواقف نختم به هذا اللقاء؟
البيت للشاعر محمد الأحمد السديري يقول فيه:
وإلى رضا حلال عسرات الأقفال
لا تلتفت للخلق لوهم مغاضيب
لا تلتفت للخلق راحل ونزال
مالك على ذرية آدم مطاليب |
|
|
|
|
|