| الاقتصادية
في الشهر القادم فبراير 2001م سيعقد مؤتمر آفاق ومستقبل المصارف وتحديات العولمة، التي تواجهها البنوك الخليجية والعربية والذي ينظمه المركز الدبلوماسي للدراسات الاستراتيجية، وفي المملكة تستعد البنوك والمصارف المحلية للمشاركة في المعرض القطري الثالث للمال والاستثمار الذي يقام في الدوحة خلال النصف الثاني من ابريل القادم، وفي القاهرة يتم الاعداد للمؤتمر العالمي لتقنية البنوك العصرية والذي سوف يشترك فيه 250 خبيرا متخصصا في البنوك والمال إلى جانب مجموعة كبيرة من شركات المعلومات والاتصالات البنكية بمصر والدول العربية والأجنبية.
هذا ما أعلن عنه حتى الآن رغم ان هناك افكارا كثيرة مطروحة على بساط البحث على امتداد الوطن العربي باعثها الخوف من عصر العولمة الذي يطرح نفسه بشكل قوي امام كثير من المشاريع المالية والمصرفية المحلية والخليجية والعربية، فالعولمة في حقيقة الامر كالعاصفة جاءت لتحرك كل الادوات التقليدية والاساليب المالية التي عفا عليها الزمن تحرك سكونها وتنفض عنها غبار الزمن المتراكم على كثير من المشروعات التي كان يطرحها رجال المال والمصارف العرب منذ اكثر من ثلاثة عقود وكانت دوما تصطدم بالقرار السياسي البطيء الذي كان يغيب البعد الاقتصادي ويستكفي بالبعد الامني والسياسي بسبب هيمنة القطاع العام على محركات الاقتصاد الذي لم يواجه اصلا تحديات مصيرية كما يحدث الآن حيث تطرح العولمة نفسها على مجريات الأمور بكل قوة مما جعل البنوك والمصارف الخليجية والعربية تبحث فيه عن سبل تجنبها مأزق هذا التطور لاجتياز المرحلة القادمة.
ومن خلال اطلاعي على الاوراق المطروحة على المؤتمرات والاجتماعات والندوات في النطاق المحلي والخليجي والاقليمي ا لعربي لاحظت اهتماما بالغا يبحث عن خطط استراتيجية لاصلاح الوضع الاقتصادي ووقايته من سلبيات العولمة بعد ان انتقلت الاتفاقات النظرية المكتوبة والموقَّع عليها من قبل 117 دولة هم اعضاء الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة الجات والتي وقعها ممثلو الدول الاعضاء في 15 ديسمبر 1993م بالاحرف الاولى على اتفاقية انشاء منظمة التجارة العالمية وصدق عليها وزراء التجارة والخارجية في الدول الاعضاء في مراكش في 16 ابريل 1994م وبدأت مرحلة التطبيق ودخلت حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من يناير 1995م مما جعلها تنعكس بكل حذافيرها على الساحة العربية كونها مجالا خصبا للتأثر بالايجابيات والسلبيات كون الاقتصاد العربي اكثر انفتاحا على العالم الخارجي حيث تسهم التجارة الخارجية بحوالي 80* من الناتج المحلي للدول العربية وهو الاكثر عرضة للمتغيرات الاقتصادية الدولية.
ومن الملاحظات الملفتة للنظر والجديرة بالاهتمام والتركيز موضوع دمج البنوك الذي يكاد لا يخلو اي مؤتمر او لقاء مالي ومصرفي عربي الا كان موضوع الدمج يطرح كحل اولي بعد أن شهد العالم اندماجات كبيرة بين المؤسسات المالية في كثير من الدول المتقدمة وهي ظاهرة منطقية لمواجهة عصر العولمة، فهي تقل عددا وتزداد قوة وثباتا، فيما يغص العالم العربي بأعداد كثيرة من البنوك والمصارف، بعضها لا يزال ملكا خالصا للقطاع الحكومي فيما البعض الآخر يعتمد في بقائه على الضمانات الحكومية للودائع، مما جعل الكثير من ادارات البنوك تركن الى الخمول وعدم الابتكار وقتل روح المنافسة التي تقف حائلا امام منافسة البنوك العالمية ذات رؤوس الاموال الكبيرة.
ان ظاهرة نظام ضمان الودائع من قبل الدولة نظام غير متوفر الا في الولايات المتحدة الامريكية، والتي تضمن الودائع بحد اقصى 100 الف دولار، بينما في بعض الدول العربية يتم ضمان جميع الودائع مما يقتل روح التنافس ويجعل بعض ادارات البنوك يركنون بشكل عام للعمل التقليدي، والاعتماد على الودائع الحكومية واقتراض القطاع العام وسندات الخزينة مما يجعل البنوك الخليجية والعربية في موقف ضعيف امام بنوك الجامبو .
وفي لبنان خطوة تستحق الذكر حيث اقدمت الحكومة على خطوة جريئة لاصلاح الوضع المالي والمصرفي بعد ان سحبت رخص 17 مصرفا، وقد راعت حقوق المساهمين حيث لم يتم تحميل المودعين او المساهمين اي خسائر كما ان القانون الخاص الذي سوف يستمر العمل به حتى سنة 2004م يشجع الدمج بين المصارف الصغيرة والمتوسطة وبين المصارف الكبيرة.
هذا وقد اكد المؤتمر السادس للاستثمار وأسواق رأس المال العربية الذي عقد في بيروت في منتصف مايو من العام الماضي على ضرورة نقل الاقتصادات العربية الى عصر الاقتصاد الجديد، ورأى المؤتمرون ان التكنولوجيا الحديثة في مجال الصناعة المصرفية العربية تخفض الإكلاف وترفع الفعاليات التشغيلية وتوسع شبكة الانتشار للمصارف وطالبوا باعتماد معايير التقييم السليم والشفافية وأصول عمليات الدمج تخوفا من عدم تحقيق وفورات الحجم وبطلان مبرر الدمج، وطالب المؤتمر الحكومات العربية ببيع حصصها في المصارف العربية التي تملكتها بالكامل او جزئيا.
وبالعودة الى مؤتمر آفاق ومستقبل المصارف الخليجية فقد حدد رئيس اللجنة المنظمة السيد/ عبدالله بشارة ثلاثة خيارات امام البنوك:
1 الخيار السهل: وهو ابقاء الامور على ماهي عليه تمنح البنوك الحماية والدعم المستقر والملكية الحكومية والاسواق الصغيرة غير المتكاملة , وفي هذه الحالة فهنك ضرر كبير واقع بالاقتصاد القومي الخليجي العربي وتشير الدراسات عند مقارنة اقتصادات بعض الدول التي فتحت اسواقها المالية واخرى تركتها مغلقة، وان ثمة فارقا كبيرا انعكس بالحد من احتمال نشوب الازمات المالية وأنه نتيجة للمنافسة في القطاع المالي فقد انعكس بزيادة تنافسية في قطاع الانتاج وتحسين السيولة في اسواق المال مما ادى الى زيادة الدخل ومعدل النمو وارتفاع الثقة في اقتصاد الدول ككل.
2, الخيار الثاني: ان يسلم القطاع المصرفي العربي الخليجي بأهمية وفائدة تحرير القطاع المالي من خلال اطار تنظيمي ومؤسسي سليم مما يعني قيام الدول بفتح الاسواق المصرفية فيما بينها واخضاعها لمعايير موحدة تواكب المعاير العالمية وفي حال عدم قدرة البنوك على البقاء في سوق مفتوح ان تقوم بالاندماج فيما بينها سواء داخل دولها او في المنطقة العربية او خارجها، وهذا يستدعي ان تتم تحالفات استراتيجية فيما بين البنوك الاكبر الناجمة عن هذه الاندماجات وكذلك بينها وبين بنوك عملاقة حتى يتم الاستفادة من الثورات التكنولوجية المتلاحقة والقدرة المتزايدة على تنويع المخاطر والمنتجات في سوق يتسع باستمرار.
3, الخيار الثالث: وهو الأسوأ من حيث عائده على الاقتصاد الوطني لأي دولة وهو ان تبقي الحكومات على الحماية والدعم الصريح والمستتر وعلى اسواقها الصغيرة وشبه المغلقة وان تسمح لعدد محدود من البنوك الأجنبية بفتح فروع أو بنوك مشتركة في اراضيها، وهذا يعني مشاركة البنوك الاجنبية في الربح الذي ينتج عن الدعم والحماية للبنوك العاملة في البلاد، اي ان الفائدة المالية التي تتحقق الآن للبنوك المحلية في الأسواق المغلقة على حساب الفائدة الاجتماعية.
فضلا عن كل ما طرح وما سوف يطرح في الفترة القادمة من اقتراحات خليجية أو على المستوى الاقليمي العربي ينص على ان من المهم تضافر الجهود المخلصة لتصب في وعاء صياغي لمشروع قومي واقعي وموضوعي يتقدمه تحليل علمي لواقع البنوك العربية وطرح افضل السبل لمواجهة عصر العولمة، وان يتم تطبيقه في فترة زمنية قصيرة قياسيا، فقطار العولمة لن يتمكن من انتظار مشاريعنا العربية التي تعيش تناقضاتها بين الواقع والطموح حتى تظفر بنصيب من النجاح.
فالامم تواجه مشكلاتها بالمصداقية والواقعية ومن ملامح عصر العولمة الشفافية والسرعة والتنافس وجميعها قوى كامنة في جسد الاقتصاد العربي وهي تنتظر موعد اطلاق طاقاتها وبعثها للحياة والتفاعل مع الامم.
والله الموفق,.
* رئيس المركز العربي للاتصال والعلاقات الدولية
منتدى لرجال الاعمال العرب عضو لجنة السياحة الوطنية
e- Mail;bandar@shabakah.net.sa
|
|
|
|
|