| مقـالات
كلما قرأت مصطلحي الشرق الأوسطية أو المتوسطية اللذين يترددان في أفق المستقبل العربي القريب ويروج لهما بزيارات ومؤتمرات ينتابني الخوف والذعر على ذلك المستقبل وخطورة ذلك الطرح ومجافاته لحقائق الأمور والأوضاع ومصادمته لتاريخ المنطقة وثوابت حضارتها التي تمتد لمئات السنين ثم في مرحلة من مراحل التوتر السياسي وتفرق مؤسساته والشك في رصيده وقدراته وحتى موارده على تجاوز هذه المرحلة تطرح عليه مشروعات اختراق وتقطيع تاريخي مستقبلي ليس على حساب وحدته التاريخية والحضارية المهيبة فقط وإنما ربطه بقوى ناصبته النفوذ والسيطرة والاستعمار والغلبة في كل عصور تاريخها ثم هي الآن الجانب الأقوى في الشراكة المطروحة وبعض الحلفاء يبغي على بعض وهي الحقيقة الأزلية في علاقات العالم العربي بأوروبا.
وإذا كانت الأوسطية تعني منظومة من الدول الأوروبية والعربية المشرفة على البحر المتوسط فإن الشرق الأوسطية تعني منظومة تأخذ من الدول الأولى بعض اعضائها العرب وتضيف إليهم دول مجلس التعاون وإيران وتركيا وكلا المظلتين من مشروعات المستقبل في المنطقة وإعادة رسم خرائطها وتوزيعها ومن ثم التعامل معها وتشملان مفاهيم وتحولات ومواثيق ومعاهدات سياسية واقتصادية وثقافية تصل الى تفسيرات ودلالات خطيرة عند التفعيل والتطبيق, والخطورة في هذا التوجه الذي يدعم ويعد له بدقة ويدفع له العالم العربي بهدوء تحت مفاهيم وشعارات عامة لا تثير ولا توحي بالأهداف والنوايا البعيدة له تكمن بإيجاز في عدة أمور:
اولا: انه يأتي التخطيط لهذه المشروعات الخطيرة والإستراتيجيات البعيدة في زمن الضعف العربي وتوزع وحدته وتواري مقوماتها والتعتيم عليها واثبت التاريخ ان الأمم والمجتمعات وحضاراتها تؤخذ في زمن الضعف والانقسام وينال منها ما لا يمكن نيله في عصور ومراحل قوتها.
وعندما تكون والحال هذه طرفا في شراكة أو مفاوضات مصيرية مع قوى أقوى وأكبر منها يحقق فيها الجانب الآخر خططه وأهدافه وتبعات ذلك كثيرة وفي مجالات عديدة,, وحسبك عندما يكون الشريك في هذه المشروعات والطرف الآخر في هذه المظلات هو عدو الأمس واليوم الحضاري الذي يرى ان السيطرة والسيادة الحضارية له وحده لا يشاركه فيها أحد, وأن الآخرين هم سوق استهلاكية لنتاجه المادي والثقافي وأن إيراداتهم الاقتصادية والمعنوية ينبغي ان تكون ثمنا لذلك النتاج ورقما في خزائن تلك القوى.
ثانيا: ان العدو الصهيوني عضو في المنظومتين وهو ما يحدد بوضوح أهداف هذه المشروعات المستقبلية وأنه وحلفاءه وراءها فأي مصالح وأهداف تبقى فيها للأطراف العربية بالذات، وذلك لصهره في بوتقة ومحيط جديد هو في أشد الحاجة إليه وافتقده بشدة منذ ظهوره جسما غريبا في المنطقة من ناحية وربطه بشراكة ومنظومات هو المستفيد الأول منها بحكم قوته وخبرته الاقتصادية والدعم الغربي اللامحدود له من ناحية أخرى، وهي أمور يراهن على الغلبة في المنطقة والبقاء الأبدي فيها إذا ما أتيحت له مثل هذه الظروف والمظلات.
ثالثا: ان هذه المشروعات مصادمة تماما للمقومات والعوامل القوية الكامنة في المنطقة بل قصدت تماما والتي تثبت انها تظهر وتثور في وجه الاخطار الكبيرة التي تحزبها وتهدد وجودها وهويتها أني قدمت من الشرق أو الغرب ولا أنسب من هذه المشاريع التي سوف تدمر تلك المقومات وتلك القوة الكامنة اي النيل من الرصيد الإستراتيجي لهذه الأمة الذي أثبت التاريخ عجز الآخرين سلما أو حربا عن القضاء عليه وإماتته في ضمير المجتمع العربي ومن خلفه المحيط الإسلامي لأن كل توزيع أو إذابة لمعاني الوحدة التاريخية ومظاهرها المختلفة فيه معناه فناء العالم العربي, وزوال الحضارات لا يتم بالسنين وإنما بالأجيال والقرون، والخطورة فيمن يحسن التخطيط والحساب لذلك, ومن ناحية موضوعية ينبغي الا نعيب وسائل الآخر وخططه في تحقيق مصالحه حتى ولو ادى ذلك الى استنزاف الآخرين وصهرهم في بوتقة تلك المصالح، وأن الضعيف لعبة القوي يشكله كيفما يريد، وإنما الخطر كل الخطر ان تكون منطقتنا وأمتنا كذلك، في الوقت الذي تملك كل المقومات الحضارية والإستراتيجية اذا ما فعلت التي تساعدها على الا تكون لعبة للاقوياء بل جانبا قويا يخطط ويوظف كثيرا من مجالات العلاقات معهم في سبيل الحفاظ على مقوماتها وعوامل بقائها.
د, سليمان الرحيلي
|
|
|
|
|