| عزيزتـي الجزيرة
إن أول ما ينبغي أن يبدأ به الإنسان من أصناف السياسة: سياسة نفسه، إذ كانت نفسه أقرب الأشياء إليه وأكرمها عليه وأولاها بعنايته، ولأنه متى أحسن سياسة نفسه لم يعِ بما فوقها.
ومن أولئك ما يلزم مَن رام سياسة وإصلاح نفسه ان يعلم ان له عقلاً هو السائس القائد، ونفساً أمارة بالسوء كثيرة المعايب، جمة المساوئ في طبعها وأصل خلقها هي المسوسة.
وأن يعلم أن كل رام إصلاح فاسد، لزمه ان يعرف جميع فساد ذلك الفساد معرفة مستقصاة حتى لا يغادر منه شيئاً ثم يأخذ في إصلاحه، وإلا كان ما يصلحه غير ممكن.
كذلك مَن رام سياسة نفسه ورياضتها وإصلاح فاسدها، لم يجز له أن يبتدئ في ذلك حتى يعرف جميع مساوئ نفسه معرفة محيطة، فإنه إن أغفل بعض تلك المساوئ وهو يرى انه قد عملها بالإصلاح وعمها بالسياسة، كان كمن يدمل ظاهر الكلم وباطنه مشتمل على الداء، وكما أن الداء إذا قوى على الإهمال وطول الترك نقض الاندمال، وكذلك العيب من معايب النفس إذا أغفل عنه كامناً حتى إذا لاح له وجه ظهور طلع مكتمنه، آمن ما كان الإنسان له.
فمن إصلاح نفسه: إصلاح بدنه، لأنه كالقالب لنفسه والوعاء لجنسه.
وأول ما يلزمه من إصلاح جسمه تمرينه على أذى القرّ والحرّ، فإن الإنسان في هذه الدنيا على جناح سفر وبازاء غرر وخطر وغير.
ولما كانت معرفة الإنسان نفسه غير موثوق بها لما في طباع الإنسان من الغباوة عن مساوئه، وكثرة مسامحته نفسه عند محاسبتها ولأن عقله غير سالم عن ممازجة الهوى إياه عند نظره في أحوال نفسه، كان غير مستغنٍ في البحث عن أحواله والفحص عن مساوئه ومحاسنه عن معاونة الاخ اللبيب الواد الذي يكون منه بمنزلة المرآة فيريه حسن أحواله حسناً وسيئها سيئاً.
وينبغي للإنسان ان يعد لنفسه ثواباً وعقاباً يسوسها به، فإذا أحسنت طاعتها وسلس انقيادها لما يسومها من قبول الفضائل وترك الرذائل إذا أتت بخلق كريم أو منقبة شريفة أثابها باكثار حمدها وجلب السرور لها وتمكينها من بعض لذاتها، وإذا ساءت طاعتها وامتنع قيادها وجمحت فلم يسلس عنانها وآثرت الرذائل على الفضائل وأتت بخلق لئيم أو فعل ذميم عاقبها باكثار ذمها ولومها وجلب عليها شدة الندامة ومنعها لذاتها حتى تلين له!!
د, زيد بن محمد الرماني
|
|
|
|
|