| الثقافية
** يطلب مني الزميل الكريم الأستاذ محمد ابراهيم الدبيسي أن أكتب له كلمة من أستاذ الجيل الدكاترة منصور الحازمي، وما عَلِمَ أنه من أصعب الأشياء عند العبد الفقير الى الله أن يكتب كلمة عمن يحب، أو يقف خطيا في مناسبة إخاء وود.
فالكتابة الحقيقية تستمد وهجها من الوجدان، والخطابة المؤثرة تستمد زخمها من آفاق النفس, وتنهل من ذلك العالم الذي يومض ثم مالا يلبث أن يختفي ويومىء، ثم ما يفتأ أن يفلت من بين أيدينا رغم تعلقنا به، وتشبثنا بما يفيض من قلى النفس صفاء وسرورا.
في الثمانينيات الهجرية، ولعله في آخرها، كتب شباب الأمس وكهول اليوم، عبدالله الجفري، وسباعي عثمان، وهاشم عبده هاشم على صفحات منتدى سباعي رحمه الله في صحيفة المدينة بكثير من الخطوات الواثقة وبشيء من الزهو، ينتقدون ما يدور في الساحة الأدبية آنذاك، فوصفوا الرائد محمد حسن عواد بأنه معجزة لم يبق منها سوى الرماد، وان الناقد عبدالعزيز الربيع اكتفى بقراءة دواوين الأخير لينتقدها، ودعوا للشيخ أبي تراب الظاهري بأن يعفو الله عنه وكان عالم اللغة الفذ,, وتلميذ أو مريد محدث الحرمين عمر بن حمدان المحرسي, يختم مقالاته مع الشيخ عبدالرحمن بن عقيل الظاهري بهذه العبارة التي ذهبت مثلا كعباءة المرحوم الشاعر ضياء الدين رجب يا أمان الخائفين ولكنهم خصوا عزيز ضياء بعبارة ثناء تقول: إنه الوحيد الذين يخشونه في الساحة ، وعند ما سُئل هذا الأخير أي الأب عزيز عن جيل الأكاديميين الذي ملأ الساحة ضجيجا وصخبا، أجاب بأن الحازمي يتفرد بينهم بأسلوبه.
وإخال أن أبا دلال قد وضع يده على مكمن السر في شخصية الدكتور منصور، فليس أسلوبه الذي يجمع بين جزالة البادية وفصاحتها، ورقة الحاضرة وشفافيتها, هو وحده ما ميزه عن أقرانه، بل إن ما اختطه لنفسه من درية، ورسمه لمدارات فكره من منهج، كان عاملاً مهماً وحاسما في الموقع الذي احتله في الساحة، ولكأنه نظر مستشرفا لذلك التدافع الذي حدث في الساحة مع مطلع الثمانينيات الميلادية، فعلى الرغم مما حدث وتتابع لأن الضرورة تقتضي أن يتحرك الساكن وتمور الساحة بما يرضي، وما لا يرضي، وبما يتواءم مع أذواق البعض وبما تنفر منه أذواق أخرى، وتدافع الموج فطفا على السطح ما طفا، واحتفظ القاع بلآلئه,, وظل منصور محتفظا بموقعه مؤمنا بتعددية الرأي، وكأنه عندما خاطب زميله الأستاذ الدكتور عزت عبدالمجيد خطاب نسألك ببراءة أو بخبث، ما منهجك يا عزت؟ فيجيب مبتسما وبصدق،: لكل نص منهجه الذي يقتضيه، أنت لا تؤمن إذن بمفتاح واحد، بل بمفاتيح عدة، وكأنك لم تسمع قط بالمفتاح الرئيسي الماستركي الذي يمكن أن يفتح حامله جميع الغرف في الدرجة الأولى .
د, منصور الحازمي سالف الأوان، كتاب الرياض 71، 1999م ص 143 .
لقد كان منصور بهذه العبارة النقدية المهمة يضم ذاته الى ذات الخطَّاب في زورق واحد، ويحمل معه بذكاء راية تؤمن بالرأي والرأي الآخر المضاد، لقد خسر مثقفو العالم العربي كثيرا بمختلف توجهاتهم ومشاربهم عندما سعوا لفرض ما يعتقدونه من وجهة نظرهم أنه الحق، وأن ما سواه الباطل، ولو أنهم تركوا للآخر حرية الاختيار، ولم يسلبوه نعمة الحرية الحقيقية التي وهبها الله إياه لساهموا حقا في تثقيفه والعمل على توعيته والارتقاء بفكره، وسلم لنا في الساحة في بلادنا نفر قليل، كان في الذروة منهم منصور .
واذا كان ما يقال حقا إن لكل من اسمه نصيبا، فلقد انتصر منصور فيما قدمه من فكر، ونشره من وعي، وما ساهم به من نقد كان مبتدأه محمد فريد أبو حديد، ووسطه دحلة الأحباب في جرول، وخاتمته هذا التكريم في يوم الحب والوفاء.
|
|
|
|
|