| الثقافية
*كتب محمد الدبيسي:
اجماع المثقفين السعوديين على اهمية دوره في الحياة الثقافية,, دليل على مدى حيوية هذا الدور، ذلك ان الرجل الذي شهد التحولات الحضارية التنموية والثقافية في البلاد,, قد صاغ منهجاً قدمه في كتبه,, ودرسه لطلابه, واستوعبته محاضراته وكتبه,.
على مدى اكثر من ثلاثين عاماً,, يقف هذا الستيني في مدرجات الجامعة بصوت جهوري رخيم يوحي بالصرامة والجدية,, وملامح مكاوية هادئة,, تنبئ عن سماحة الخلق, والاعتداد بالنفس,.
تقاعد من العمل الجامعي,, ولما يزل يثري الساحة برأيه ورؤيته، التي نستطلع بعض ملامحها في هذا الحوار.
* في الستينات الهجرية تفتق ذهن الطفل منصور الحازمي في أحد أحياء مكة المكرمة,, ماذا تبقى في الذاكرة من ذلك الزمن؟
كنت قد كتبت قطعة نثرية تشبه السيرة الذاتية سيمتها الدحلة وقد نشرت قبل عدة سنوات في كتابي في البحث عن الواقع وتحدثت فيها عن طفولتي الاولى بتلك الحارة الصغيرة الواقعة في حي جرول بمكة المكرمة ولم اكن اتوقع حين نشر منها ان تحظى باستحسان الكثيرين الذين قرأوها حتى اولئك الذين لا تربطهم بمكة واحيائها ادنى صلة واعتقد ان ذكريات الطفولة فيها الكثير من الصدق والجوانب الانسانية بدليل ان قسم الطفولة في السير الذاتية هو اهمها واجملها لما نرى مثلاً في ايام طه حسين حيث رأيت ما حظيت به الدحلة من اعجاب قررت ان اكتب عن ريع الرسام وهو الحي الذي انتقلت اليه الاسرة بعد الدحلة بل فكرة في الكتابة عن جميع الاحياء التي قطنتها اثناء الدراسة بعد ذلك سواء في داخل المملكة او خارجها فاكتب مثلاً عن الدقي في القاهرة حينما كنت طالباً في جامعة القاهرة و البطحاء في الرياض حيث انتقلت اليها معيداً بجامعة الملك سعود وسويس كوتج بلندن اثناء دراستي بجامعة لندن ولايزال المشروع في ذهني فهل تحقق؟ الله اعلم ولكن الطفولة تبقى هي الاساس او حجر الزاوية في جميع الذكريات,, وقد كانت طفولة جيلي طفولة صعبة وقاسية متقشفة ولكنني احن اليها ولاشك رغم كآبتها ولا أظن أنني الوحيد في ذلك الحنين.
* ساعدت سنوات التنشئة الثقافية الاولى,, في حصولكم على نصيب في التحصيل العلمي خارج المملكة,, وكان ذلك في جامعة القاهرة كلية الاداب تحديداً,.
كيف تقيم تلك الفترة؟
لقد كان من حسن حظي ان هيئت لي الفرص للسفر إلى القاهرة ومواصلة الدراسة الجامعية في جامعة القاهرة واقول ان مجرد الانتقال من بيئة الى بيئة جديدة هو مسكب في حد ذاته فما بالك اذا كانت تلك النقلة الى ام الدنيا كما كانت تسمى في ذلك الوقت واظن ان الامهات قد تغيرن في زماننا الحاضر!! كما تغيرت الكثير من الاشياء، واتفق العالم على امومة امريكا,, وشر البلية ما يضحك والعياذ بالله اما مصر الخمسينيات فقد كانت جميلة نظيفة مجردة من السلاح ولكنها كانت بارعة في صوغ الاحلام والشعارات والتبشير بمستقبل مشرق لقد كانت حقبة متفجرة مليئة بالاحداث ولم تنته القصة المشوقة الا بهزيمة 67 وانتهت جميع الاحلام في ذلك العام المشؤوم.
اما كلية الاداب في خمسينيات القرن الماضي فقد كانت تزخر بعمالقة الفكر والأدب والثقافة في العالم العربي امثال الاستاذة طه حسين وسهير القلماوي وعبدالعزيز الأهواني وعبالحميد يونس,, إلخ، وكتب كغيري من المعجبين بأكثرهم وإن كانت العلاقة بين الاساتذة والطلاب في ذلك الوقت لم تكن قوية كما ينصح بها التربويون وأظن ان الطلاب السعوديين كان يغلب عليهم في ذلك الحياء والخجل.
* من تذكر من زملائك في تلك الفترة ولايزال,,؟
الاخوة فؤاد عنقاوي ومحمد الشامخ وامين مالكي واحمد خالدي البدلي وغيرهم ممن اعتز بزمالتهم واخوتهم.
* هل ثمة تماس بين تحصيلكم العلمي في القاهرة,, وبين التجربة الحياتية ايضاً في القاهرة؟
لقد قلت ان مجرد الانتقال من بيئة الى بيئة يعتبر مكسباً في حد ذاته واعتقد ان الكثير من الطلاب الذين اتيحت لهم الدراسة في الخارج قد عادوا الى الوطن بثقافة اوسع من تلك التي يقرأونها في الكتب و المراجع وكانت نظرتهم الى الحياة اوسع وأرحب,, ومن المعروف ان العزلة أو الانغلاق كثيراً ما تكون سبباً في التعصب والنظرة الاحادية الضيقة وقديماً كان العرب يدفعون بابنائهم الى البادية ومن اجل الفصاحة فقط بل من اجل النضج واكتساب الرجولة.
* هل استشف من ذلك انكم اكثر حظاً من هذا الجيل؟
لاقول هذا لان لكل جيل ظروفه وحظوظه وقد كنا في الماضي نرحل الى العالم اما اليوم فان العالم هو الذي يرحل الينا ولكن هذا العالم الذي نراه بوساطة الوسائل الاتصالية الحديثة ليس هو العالم الذي لا نزال في حاجة الى الارتحال اليه لنراه في صورته الحقيقية من غير اضواء او رتوش.
* د, منصور وقد اشتعل الرأس شيبا، هل ثمة إحساس بالندم يساورك لقضاء كل هذا العمر في اروقة الثقافة والادب,, في وقت يتصدى فيه احد النقاد المتميزين بجيل تاريخي من شعرائنا الاعلام ويصفهم بأنهم مرتزقة,, مداهنون شحاذون,,؟!
اما اتهام بعض نقادنا لشعرائنا الاعلام بالارتزاق او المداهنة او الشحاذة فذلك رأي يمكن ان يناقش ويرد عليه ولا اظن ان هذا الاتهام جديد علي اي حال ولكن من العجب ان ترد على اي رأي دون أن تلم بأسسه العلمية او التنظيرية,, والله اعلم.
* رأست قسماً للغة العربية في اعرق كليات الآداب في بلادنا,, ماذا قدمت لأدبنا من خلال هذا الموقع؟
ان غيري هو الذي ينبغي ان يحكم على ما قدمته، ولا ينبغي للمرء ان يحكم على نفسه ولكن ينبغي ان اعترف بأن ما قدمته هو اقل بكثير من الطموح الذي كنت احس به او نطلع اليه والانجليز يقولون السمكة الصغيرة خير من الطبق الفارغ !
فلعل غيري تتاح له الفرص لاصطياد السمك الكبير ولتكن قروشاً هائلة ان لزم الامر.
* فن القصة في الادب السعودي الحديث من اوائل الكتب التي درست هذا الفن في ادبنا,, وقد صدر قبل عشرين عاماً الا يغريك تراكم التجربة,, والتطور الذي طرأ على مسارها بمعاودة القراءة واستئنافها؟
لكنني لست الوحيد في هذا الميدان وكان الزميل الصديق الدكتور محمد الشامخ قد سبقني الى دراسة الفن القصصي السعودي وذلك في كتابه الرائد النثر الادبي في المملكة العربية السعودية كما ان الاخ الدكتور محمد الشنطي لن جهوده الر ائعة والمتواصلة في دراستنا في القصة القصيرة وفن الرواية في المملكة وكذلك الصديق الدكتور عبدالعزيز السبيل,, والدكتور محمد القويفلي ولا ننسى الاستاذ سحمي الهاجري وما قدمه الكثيرون من الزملاء في ميدان الكتابة السردية وانا لم اكتف بما جاء في كتابي فن القصة بل نشرت بعض البحوث الأخرى في هذا الميدان ولاسيما في كتابي الاخير الوهم ومحاور الرؤيا .
* الوهم ومحار الرؤيا قد تطرقت اليه من الاجابة السابقة,, ايضاً فقد حاولت التطرق اشكالياً الى مفهوم الطرق,, او الهامش الذي تحاط به الحركة الثقافية في بلادنا من قبل الحواضر الثقافية او المراكز الا ترى ان التاريخ قد ساهم بشكل او بآخر في تكريس هذا المفهوم,, عن واقع الثقافة في مشهدنا,,؟
نعم هذا الصحيح فالجزيرة العربية ظلت مجهولة ماعدا اطراف منها: حتى من قبل العرب انفسهم دونك كتاب امين الريحاني مولك العرب الذي كتبه في اعقاب الحرب العالمية الاولى والذي يؤكد فيه عزلة الجزيرة العربية عن العالم الخارجي لفقرها وشح مواردها ووعورة مسالكها هذا ماقاله ايضاً الرحالة الاخرون من عرب واجانب ولكنني لا اتحدث عن الماضي بل اشير الى التغيير الهائل الذي طرأ على حياتنا وحياة إخواننا الآخرين في منطقة الخليج واليمن ومع ذلك فان المثقفين العرب أو بعضهم على الاقل لايزالون مصرين على اننا لا نزال نعيش في الهامش وهم لايزالون يتربعون على العروش الثقافية والفكرية في المراكز القديمة.
* اكثر من ثلاثين عاما في التجربة الاكاديمية,, بماذا اخذت؟
بما قدرني الله عليه وفي حدود امكانياتي واستطاعاتي.
* وماذا استفدت؟
هذا الحب وهؤلاء التلاميذ وهذه الباقة العطرة من الاخوان والاصدقاء.
* هل انت محظوظ؟
انا راض وسعيد بما كتبه الله لي.
* متى يتقاعدالفكر؟
عندما يصاب بعاهة جسدية او ذهنية,, وعندما يصاب باليأس!
* الاكاديميون في جامعاتنا,, وتحديداً المختصين بالدراسات النظرية والانسانية هل ترى انهم بمستوى الواجب الوطني والعلمي المناط بهم حضارياً؟
هذا الامر يحتاج الى توضيح اولاً ثم يحتاج الى بحث منهجي بعد ذلك فما هو الواجب الوطني يا ترى؟ وماهو الواجب العلمي؟ واعتقد انك تشير الى استراتيجية معينة فيما يختص بالواجب الوطني,, اما الواجب العلمي فالمجالس العلمية في جامعاتنا تتولاه بشكل ادق.
* هل ترى انك قدمت كل ماهو مناط بك كمثقف؟
الله اعلم.
* هل كنت تتوقع الفوز بجائزة الملك فيصل العالمية؟
لم لا,,؟
وقد رشحني لها قسم اللغة العربية بكلية الاداب جامعة الملك سعود جزاه الله خيراً وقد سبق لهذا القسم الاكاديمي ان رشح بعض الاخوة العرب للجائزة,, ففازوا بها ولاشك ان هناك الكثيرين من اخواني في المملكة الذين يستحقونها امل ان يحصلوا عليها في المرات القادمة.
* د, منصور ما الذي يشغلك الآن,,؟
بعض المشاريع القديمة التي تنتظر النور واولها الجزء الثاني من معجم المصادر الصحفية لدراسة الادب والفكر في المملكة العربية السعودية صحيفة صوت الحجاز، وثانيها كتابي عن الرحلات العربية الحديثة للمملكة العربية السعودية وقد نشرت بعض اجزائه قبل سنوات.
* معجم المصادر الصحفية لدراسة الادب والفكر في المملكة العربية السعودية جريدة ام القرى من أهم مؤلفاتك,, وهو جهد لم يستمر في نظري بالشكل الذي يخدم دارسي الثقافة ومتابعتها,, ربما لطغيان حسك التحليلي في القراءة والاعداد على المنهج الببليوجرافي الذي يتوفاه الكتاب,, في رأيك؟
- ان الغرض من هذا الكتاب هو مساعدة الباحثين على تقديم المادة العلمية مهم بشكل منهجي واضح,, وانا لست متخصصاً في علم المكتبات ولكنني اقبلت على هذا العمل المضني منذ وقت مبكر وبدافع شخصي محض.
ولان معظم المواد عن الادب السعودي كانت مخفية في بطون الصحف القديمة.
* ما رأيك في واقع الثفافة في بلادنا؟
ماذا اقول وما حولي يجيب بكل بلاغة عن هذا السؤال,, المدارس والجامعات والاندية الادبية والمراكز العلمية والثقافية والجنادرية والرياض عاصمة للثقافة العربية, ,اننا نعيش في عيد ثقافي كبير وقد استطعنا أن نوسع هذا العرس الاحتفالي الكبير الى العالم العربي والاسلامي,, والانسانية في جائزة الملك فيصل العالمية,, ولكننا نحتاج رغم هذا كله الى جهة تعنى بالثقافة وتخطط لفعالياتها وتهتم بالفكر والثقافة بشكل علمي منظم.
|
|
|
|
|