هناك من الأشياء التي لا يلقي إليها باله الإنسان، وتكون منطلقاً لسعادته,, أو لشقائه,.
يعجبني في المفكرين غير العرب، أنهم يفكرون دوماً في التفاصيل ، تلك التي تقود إلى ما يُفرح أو إلى ما يُشقي,,، فإن كانت كذلك تُفرح، فإنها مناط التركيز، والعناية بل الاهتمام,,,، ولملمتها من كلّ حواف وجوانب الحياة,,,تلك الفازة التي تركن بزهرتها عند حافة الحجرة، وذلك القلم في شكل عصفور يحمل رائحة المطر، ووجه الكلب ذو الفرو الأبيض وهو يطلُّ من قفصه الصغير أو سلَّته الحريرية أو القطنية القابعة بجوار السرير، وطبق شرائح الذُّرة المجفَّفة مغموسة في وعاء من الحليب مع قطع من الموز الطازج، ووجه الزوجة وهي ترسل ابتساماتها حين تنتعل حذاءها الرياضي في استعداد للانطلاق إلى العمل أو الدراسة,,,، وكوب قهوة النسكافيه وهو يُرسل أبخرته في شتاء تلتف الكفَّان حوله في استئناس الدفء,,,، وجسر الوادي المطل على بحيرة القرية وهو يجمع بين شرقها وغربها، وقبعة الأستاذ وهي تسقط من فوق رأسه حين يهزُّ رأسه احتجاجاً على مَخرج الحرف في فم دارسة أجنبية لا تحسن النطق كأصحاب اللُّغة,,.
و,,, الشارع بتفاصيله,,.
و,,, العربة بما فيها,,.
و,,, البيت بكلِّ أركانه,,.
والأوجه التي نحب,,.
والأوجه التي قد نحب,,.
والأوراق بما فيها، والشاشات وما تُرسل، والأسلاك وما توصل,,, تفاصيل,,, تفاصيل,,.
أكثرها يُفرح بما يرسله من وهجة الذاكرة بما فيها عنه من طريف الموقف أو لطيف اللحظة،
وشيء منها يؤلم بما يبعثه من حرقة التذكُّر لما فيه من أليم الأثر، لكن الأشياء الصغيرة تظل هي باعث الفرح، أو محرِّك الألم,,.
هذا ما يوحي به نهج التفكير في كيفية التآلف والتكيُّف مع الحياة عند غيرنا كما أتخيل من تفاصيل ما مرَّ بي,,.
أما نحن,,,، فلا نلقي بالاً للأشياء الصغيرة على وجه العموم,,.
ولعلنا لا نتراجع عن إلقاء الصِّفات السَّالبة على من يهتمُّ بها: فهو إما حسَّاسٌ في نظرنا، أو فارغٌ لا يُعنى إلا بالتفاصيل,,,، وإما غير مبالٍ ، أو ,,, مكابرٌ مبالغٌ ,,.
بينما,,.
الأشياء الصغيرة هي التي تُخاطب فينا الثغرات المفتوحة في نفوسنا، وقلوبنا، وأذهاننا,.
تُعيدنا إلى الموقف بجماله وحلاوته ، وتأخذنا إلى لحظة الإحساس به,,, حتى التأريخ بزمنه المسائي أو الصباحي، وتفاصيل معطياته له دوره في إضفاء السعادة، أو سلبها,.
تُرى,,.
من منكم يتآلف مع تفاصيله؟
كي ينحو في اتجاه السعادة من نقاط بَدئها؟,,.
ويدرك كيف يتجنب الشقاء عنها أيضاً؟,,.
أوحى إليّ بهذه الفكرة,,.
واستدرّ ذاكرتي كي تهمي بالتفاصيل الشيقة,,, ما قرأته في:
كتاب (باربرا آت كبر) تحت عنوان: أربعة عشر ألف شيء تجعلك سعيداً 14000 things to be happy about.
تأخذك فيها من أبخرة الحمام، إلى ريش الطائر، إلى طعم السردين، وغبار العربة,,, إلى تفاصيل التفاصيل التي تمرُّ بالإنسان خلال يومه وليله,,.
فهناك الذاكرة,,.
وهناك الفرح,,.
بمثل ما هناك الذاكرة,,.
وهناك الحزن والتَّرح,,.
غير أنَّ ما يدعو للفرح أجمل وأكثر,.
فافرحوا
|