| متابعة
بعد وفاة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ذهبت الى مسجده بعد العصر ويا ليتني ما ذهبت,, رأيت فيه الاصلاحات التي لم تسعد برؤية الشيخ لها,, فقد رأيت سجادته التي كان يصلي عليها امسكت بسماعته التي كان يدرس فيها,, سمعت صدى صوته يتردد في انحاء مسجده,, رأيت شخصا (واحد فقط) جالسا في احد اركان مسجده,, رأيت غرفته التي كان يضع فيها الكتب ليوزعها على طلابه,, رأيت مواقف السيارات وقد خلت بعد ان كانت مكتظة ,, رأيت منبره وهو يبكي وهو الذي طالما اشتاق لخطبه الجامعة الماتعة التي تثري المجتمع بكل ما يحتاجه من احكام فقهية ووصايا اجتماعية وتنبيهات جلية وغيرها كثير,.
شيخنا: الكل أحبك صغيرهم وكبيرهم العامل في محله قبل طلابك السائرين معك أياماً وأياماً,, والرجل المسن يدعو لك ويجلك ويقبل رأسك.
شيخنا: لن ننسى فتاويك التي ترسلها في الهواء الطلق من والى مسجدك قبل وبعد كل صلاة مفروضة,, لن أنسى أيها الشيخ الفاضل (تغمدك الله برحمته) ذلك اليوم الذي حضرت فيه حفل زواجي قبل سنة ونصف وكنت في ذلك اليوم قادما من سفر ولم يمنعك تعب او نصب من تلبية دعوة ابي ودعائك لي بالتوفيق.
شيخنا: كل واحد في عنيزة لك عليه فضل بعد الله,, اليتيم يأتي اليك تمسح على رأسه والراغب في الزواج يأتي اليك وتساعده ومن اراد الزكاة يأتي اليك وتعطيه ومن عليه ديون يأتي اليك وتخلصه من ديونه بما تستطيع ومن اختلف مع زوجته يأتي اليك وتصلح بينهما وغير ذلك كثير فكل هؤلاء يأتون ويجدون عندك ما يشفي صدورهم وينهي حاجاتهم ولا أظن هؤلاء ينسون جلستك بعد صلاة العصر في مصلاك لاستقبالهم فكنت الاب الحنون لهم.
شيخنا: دب المرض في جسدك منذ زمن وانت صابر محتسب صامت وبعد ان اشتد ظهر ذلك على جسدك النحيل فلم تستطع اخفاءه فأجبرك أهلك وابناؤك البررة على العلاج فوافقت على مضض واكتفيت بالكشف بالرياض وعدت الى عنيزة وعدت الى دروسك في مسجدك وطلابك كأن شيئا لم يكن,, واشتد المرض بك حتى لم تستطع المقاومة فعلم ولاة الأمر فأمروا بالذهاب بك الى أمريكا فذهبت وهناك كان تفرغك للدعوة ونسيت غرضك الذي ذهبت من اجله وهو العلاج وتفرغت للدعوة واجتمعت باصحاب المراكز الاسلامية توجههم وترشدهم لما فيه صالح الاسلام والمسلمين هناك,, وعدت الى الرياض وجلست فيها قرابة شهر تتابع او زيادة تتابع علاجك وكنت تذهب الى عنيزة كل جمعة كي تلقى خطبتي الجمعة وتعود للرياض في يومها.
ثم بدأت صحتك بالتدهور فلم تستطع ان تلقي الدروس حتى السلام عليك اكتفيت منه بالمصافحة كل هذا بسبب تدني صحتك.
وعندما قدم رمضان ألححت بان تكون حاضرا في المسجد الحرام ونصحوك بأن هذا يتعب صحتك تدهورا ولكنك لم تستجب وفي الحرم المكي اخذت عمرتك محمولا على الاكتاف ورجعت لحياة العلم بالمسجد الحرام وبدأت بالقاء الدروس وأنت على فراش المرض فلم يثنك المرض عن مزاولة ما نشأت عليه فالله اكبر ما هذه الهمة العالية؟
وأي تضحية في سبيل الدعوة الى الله كهذه؟
لن ننسى يا شيخنا دعاءك الأخير في آخر درس لك بالمسجد الحرام عندما رفعت الدعاء قائلا:
اللهم توفنا على الاسلام,, وها انت تحث عليه بفضل الله,, لقد حضرت جنازتك يا شيخ كما حضرها الآلاف الذين جاءوا من أنحاء شتى جاءوا محبة لك وردا لجزء بسيط من جميلك، جاءوا ليودعوك الوداع الأخير,, لقد شبهت جنازتك بحج مصغر,, زحام شديد,, جنود ينظمون، ومياه توزع، أشخاص يصورون والكل واجم والكل يترقب والهيبة تعلو المكان, الكل يعزي الآخر,.
شيخنا: ها هي عنيزة تسألك فهل تجيبها؟
من سيكمل المسير بمسجدك في التدريس؟
من سيملأ الفراغ في منبرك بالجامع الكبير؟
لمن تترك الطلاب الذين أتوك من أنحاء المعمورة؟
غفر الله لك ورحمك رحمة واسعة,.
عبدالله بن عبدالعزيز السليم
عنيزة
|
|
|
|
|