أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 24th January,2001 العدد:10345الطبعةالاولـي الاربعاء 29 ,شوال 1421

متابعة

البكاء على الائمة والعلماء
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فإن الحزن والبكاء على الأئمة العلماء ليس كالحزن والبكاء على غيرهم، ذلك أنهم شمس القلوب وأنوارها,, بهم يهتدي الهداة وبهم تصان الحرمات، فحق لكل عين على مثلهم أن تدمع ولكل قلب ان يحزن.
جاء في صحيح مسلم: (أن ابابكر وعمر رضي الله عنهما زارا أم أيمن رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهيا إليها بكت فقالا لها ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، فقالت: ما أبكي ان لا اكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها).
الله أكبر ما أفقه الصحابة رجالاً ونساءً,, ولكني أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء).
فلماذا نحن نبكي الشيخ أنبكي عليه لفقدنا شخصه، لا والله، أنبكي عليه ورحمة مما اصابه لا والله، فالله ارحم به منا ومن الناس اجمعين.
أنبكي عليه خشية وشفقة إننا نحسب والعلم عند الله ان ما عند الله خير له، ولكنا نبكيه لأنا فقدنا بفقده كثيراً من العلم, كم من مسألة تعييك فتبحث عنها فلا تجد من يهديك، فما إن تسأل الشيخ الا وتجد عنده منها علماً.
نبكيه لأنا فقدنا العلم والنور والفقه والنصح والارشاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس هو كغيره لكنه كما قال بعض العلماء في ابن جرير رحمه الله: (,, وكان عالماً جامعاً للعلوم وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلاً على غيرها).
نبكيه لما نعلم أن الله يدفع به وبأمثاله من العلماء عن الأمة الشرور فموته ثلمة لا تسد وفتح باب لا يصد.
نبكيه لأننا نخشى بموته ما خشيته صفية بنت عبدالمطلب بموت النبي صلى الله عليه وسلم حيث قالت:


لعمرك ما ابكي النبي لفقده
ولكنّ ما أخشى من الهرج آتيا

رحم الله شيخنا رحمة واسعة, لقد جاءه الأجل المحتوم بعد ان اشتاق الى ربه فلا راد لقضاء الله ولا مانع لقدره.
رحل شيخنا ولسان حالنا ومقالنا يقول كما قال المعتصم في الامام أحمد (والله إنه الفقيه والله إنه العالم وودت أنه يكون معي يصلح من شأني ويرد عني اهل الملل) فكم وددنا ان يكون معنا يصلح من شأننا ويرد عنا الشر والباطل ولكن حكمة الله بالغة ومشيئته نافذة وهو الحكيم العليم.
نبكي الشيخ لأننا نحسب انه حجة على أهل هذا الزمان, قال الهيثم بن جميل الانطاكي: (إن لكل زمان رجلاً يكون حجة على الخلق وإن الفضيل بن عياض حجة على أهل زمانه وأظن إن عاش هذا الفتى يعني احمد بن حنبل يكون حجة على اهل زمانه) ونحن نظن والعلم عند الله ان شيخنا حجة على اهل هذا الزمان، حجة بعلمه وعمله، حجة في زهده وورعه، حجة في اعراضه عن الدنيا وزخرفها هو حجة وقدوة وإمام في كل ذلك فأين من يخدع نفسه ويلوك كلمات جوفاء هي اشبه بكلمات العوام والجهلة ممن لا علم لهم فيا طلاب العلم ها هو الشيخ قدوة يقتدى وامام يحتذى فكونوا على نهجه سائرين وعلى طريقه مقتفين، فلا تعمروا الدنيا عمارة من يجهل حقيقتها ولا تفرحوا بها كفعل السفهاء، فعندكم من العلم وقصص العلماء وسير الصالحين وكيف كانت عيشتهم ما يؤهلكم لأن تكونوا أنجماً يستضاء بها واعلاماً يهتدى بها فليست هي الا ارادة قوية ونية صادقة وقليل من عقل، وشيء من نظر في احوال الناس, تدركون بها ان تكونوا حقاً من ورثة العلماء.
يا من جعلتم أنفسكم قدوة، ما هذا الحرص على المناصب ولماذا التهالك على جمع المال والتطاول في البنيان والذهاب والاياب مما كان سبباً لضياع اوقاتكم، وتشتت قلوبكم واذهانكم، ها هو الشيخ حجة فلماذا تركتم المحجة فنمتم وتركتم سير الدلجة، فلا تكونوا فتنة لضعاف النفوس.
كونوا قدوة في أهليكم وفي حاراتكم، في عباداتكم وصلواتكم كما كان شيخكم واجعلوا الأمة تلمس الفرق بين طلاب العلم وبين غيرهم من سائر الناس.
فيا من سلكتم هذا الطريق وورثتم ميراث النبوة، انتم مطالبون بالكمال في كل شيء فلأن عُفي عن افراد الناس يتشييد المباني وزخرفتها فلا يُعفى عنكم ولئن سمعنا التخاصم والتناحر بين عموم الخلق فلا تعذرون أنتم حين يُسمع منكم.
فقد ميزكم الله بالعلم وبشيء من آثار النبي صلى الله عليه وسلم, نريد ان يكون منكم أمثلة لطلب العلم وأمثلة للزهد وأمثلة للكرم وأمثلة للترفع عن حطام الدنيا, نريد أمثلة في قوة اليقين والتوكل على رب العالمين إن لكم من علمكم وشرعكم نوراً تستضيئون به وهدى تعيشون فيه.
يا طلاب العلم، كيف تربى الأجيال وكيف تقاد الامة أبالأقوال أم بالافعال كلنا يقول: الحياة دار ممر وليست دار مقر ولكن قليل أولئك الرجال الذين يتبعون القول العمل, كيف يتعلم الناس اذا كان المعلم يحتاج الى تعليم, كيف يشفى الناس اذا كان الطبيب بحاجة الى علاج.
فيا طلاب العلم، بموت العلماء تذهب القدوة فمن لها غيركم ومن يحميها سواكم فلا تكونوا أنتم والعامة سواء فلئن مات الشيخ رحمه الله فها هو علمه وعمله وميراثه بينكم.
وختاماً نقول في شيخنا ما قاله قتيبة بن سعيد في الامام أحمد (فجزاه الله عن الاسلام والسنة خيرا فلقد كان للإسلام والسنة كهفا ولأهل الحق معقلا أنار الله به كثيراً مما كان اهل البدع اظلموه).
ونذكركم بحرص الشيخ على ملازمة السنة ظاهراً وباطناً فاقتدوا به في ملازمتها وابحثوا عن الدلائل من الكتاب والسنة على افعاله واقواله فلقد عهدناه وهو الفقيه المحقق انه لا يفعل فعلاً ولا يقول قولاً الا وعنده دليل لذلك.
فلا يأخذنكم الهوى ويشطح بكم الذهن ان تهضموا الشيخ حقه وكل يؤخذ من قوله ويرد ويقتفى من فعله ويترك الا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبعد فهذه كلمات أرسلها الخاطر نصحاً للنفس وتذكيراً وقياماً ببعض حقوق شيخنا علينا, وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وكتبه تلميذ الشيخ
الدكتور/ صالح بن علي المحسن
جامعة الإمام فرع القصيم قسم العقيدة

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved