| مقـالات
يعيش مجتمعنا متغيرات حقيقية كأي مجتمع حديث ولكن منذ البداية حاولنا ألا يمر هذا المجتمع بتلك المتغيرات سلبا وإيجاباً التي مرت بها كثير من المجتمعات لعدة معايير أولها أن لدينا ثوابت نستطيع ان نتعامل مع المتغيرات وفقها، وثانيها ان لدينا القدرة على الانتقاء والاختيار ولا أحد يستطيع ان يحرمنا من تلك القدرة أو ينكر علينا ذلك الموقف ويجبرنا على غيره, ثالثها ان مجتمعنا في بنيته وتركيبه يتمتع بخاصية الأصالة والصفاء ولم تعكره حبائل الاستعمار والارتكاس في وحوله وموبقاته الاجتماعية مما يجعلنا قادرين حقا على الصمود والحفاظ على مقوماتنا والتعامل مع المتغيرات بمفهوم الارتقاء وليس بمفهوم الانحطاط وضرورة تقليد الآخرين والوقوع فيما وقعوا فيه بحلوه ومره والأخير أكثر.
أما رابعها فهو ان مجتمعنا يمثل قدوة للمجتمعات العربية والإسلامية متى اخترق او انحل فسوف يكون ما سواه اكثر وأسرع وعندئذ سينهار بنيان مجتمعنا الكبير بانحلال بؤرته ومركزه وقدوته بل ان الأمر والتبعة اكبر من ذلك وهو ان مسؤوليتنا نحن ستكون مضاعفة ومركبة نتحمل فيه وزرين بدل وزر مجتمعنا وحده، ليس فقط في هذه المرحلة وإنما بعمق الزمان والمكان ما بقيا, ولهذا فإن أواصر العلاقات الاجتماعية البينية والأسرية ينبغي أن تكون قوية في مجتمعنا وأن تنال من المحافظة والتحصين في لحمتها وسداها مزيدا من الرعاية والاهتمام وان يكون ذلك قصدا وتخطيطا في التعليم والإعلام ومجالاتهما المتعددة بعد أن عانت من وطأة المتغيرات وفترت في العقد الأخير وذبلت حتى أصبحنا نشعر ان ما أظل غيرنا أظلنا أو يوشك وأصبح يحدث لدينا من المشكلات والقضايا الاجتماعية ما يحدث هناك بعد أن كنا بمنأى عن ذلك كله, إن ما نعلم أو نسمع من قتل أسري أو انتقام او انتحار لدينا يمكن إرجاع بعض أسبابه إلى غياب دور اللحمة الاجتماعية والصلح الأسري الذي كان له من السلطة المعنوية ودفع كثير من المشكلات العائلية ودرء كثير من تعقيدات الروابط والمواقف البينية بين الجماعات دور فاعل ووقائي ناجح في منع حدوث كثير من تلك الحوادث المفجعة، إن المرجعية الصلحية والرجوع إلى ذوي الخبرة والتجارب والحكمة في داخل الأسرة أو الجماعة الواحدة كانت بمثابة لاحتواء الكثير من المشكلات والفواجع التي كان بالإمكان حدوثها مثلما بدأنا نلمسه الآن لولا تدخل اهل إصلاح ذات البين ومن في حكمهم في هذه المجالات، إذن إعادة دور هؤلاء وإحيائه والتركيز على فاعليته وإنهاض العلاقات واللحم الاجتماعية بات ملحا في مجتمع يكنّ له في قرارة نفسه ووضعية تركيبه تقديراً خاصا وأثراً فاعلاً, ومن ثم تبقى مسؤولية الحفاظ عليه بل وعدم التعتيم عليه مهمة ورسالة لوسائل وقنوات التأثير فيه لا لتخفف عن الأجهزة المعنية تلك الجرائم والمشكلات ومساعدتها من قبل أولئك ممن أحكمتهم التجارب وإنما لتمنع أساسا من وقوعها وتجرع ويلاتها وآثارها وجراحها في أخاديد حياة الفرد والأسرة لأجيال عديدة وتعفي المجتمع ومن خلفه تلك الجهات من تلك المشكلات وما تكلفه من وقت وجهد وتكرار لذلك كل حين في مجتمع هو قارة.
إنني أعتقد جازما أن إعادة الوهج والاعتبار لكثير من قيم الإصلاح وتقدير كبار الأسرة أو الخصلة والفخذ والحي والحارة وقيم الجيرة وما في حكمها سيكون له ابلغ الأثر في درء وقوع كثير من المشكلات والجرائم واحتوائها وعلاج آثارها وتبعاتها، وإن بإمكاننا ان نواجه المتغيرات الحديثة وآثارها الاجتماعية بتوظيف رصيدنا وموروثنا الأسري والاجتماعي حتى لا يقع هذا المجتمع ضحية لها ويشهد فصولا من التفكك والانيهار التي هو قادر في أصوله وتركيبه على مواجهتها من ناحية، وفي الوقت ذاته لو تركت وتمكنت منه تلك الآثار لكانت مركبة ومضاعفة بحكم طبيعته وتركيبته أيضا.
د,سليمان الرحيلي
|
|
|
|
|