| مقـالات
في بلاد العرب الواسعة أماكن اشتهرت بإلهام الشعراء، منها زَرُود، وعبقر، ووادي الأرواح, لأن لافظ بن لاحظ شيطان أمرئ القيس، وهَبِيد بن الصَّلادم شيطان عبيد بن الأبرص الأسدي، وعنتر بن العجلان شيطان طرفة، وهادر شيطان النابغة الذبياني، وأبا الخطار شيطان قيس بن الخطيم، ومُدرِك بن واغم شيطان الكميت بن زيد يسكنون في رمال زرود، وهناك فئة من شياطين الشعراء يسكنون بلاد عبقر وعم كُثُر، وفئة ثالثة من شياطين الشعراء يسكنون في وادي الأرواح؛ وهم : حسين الدَّنَّان شيطان أبي نواس، وعتَّاب بن حبناء شيطان أبي تمام، وأبو الطبع شيطان البحتري، وحارثة بن المُغَلِّس شيطان المتنبي.
وبما أن زرود اشتهرت بإلهام الشعراء فهي جديرة بإبرازها معلماً سياحياً، فالسياحة في المملكة لها مذاق خاص، إذا أخذ السيّاح إلى كثبان زرود في ليلة مقمرة، وأُخبروا ان هذه البلاد هي بلاد لافظ بن لاحظ وأصحابه.
وشهرة بلاد زرود بإلهام الشعراء قديمة حتى إن شهرتها معروفة في كل بلد، ومن رغب في قول الشعر فما عليه إلا ان يتجه إلى زرود، ويقيم فيها، يشرب من لبن الظباء، كما فعل المروزي، وهو أحد الراغبين في قول الشعر، فقد شخص إلى زرود، وأخذ يطوف بكثبانها على جمله، وفي أحد الأيام وجد قطيعاً من الظباء، ففزع من جمله، فإذا براعي الظباء يزجر صاحب الجمل, يقول المروزي: فغضبت، وأخذت أردد بعيري في مراعي الظباء، فلم يكن منه إلا أن دنا من جملي، وصاح به صيحة برك على أثرها، وضرب بجرانه الأرض، فوثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه من الجن، فطمعت في الشعر، وتوجهت إليه بقولي: أتروي من أشعار العرب شيئا؟ فقال: أروي وأقول، فقلت: أنشدني من قولك؟ فأخذ يقول:
طَافَ الخيالُ علينا ليلةَ الوادي
من آلِ سلمى ولم يُلمم بميعادِ |
فأنشد القصيدة إلى قوله:
لأعرفنَّكَ بعدَ الموتِ تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادي |
فقلت له هذا الشعر لعبيد بن الأبرص الأسدي وأنت تدعيه!! فقال: ومن عبيد لولا هبيد, ثم دعاني إلى شرب لبن، فأجبت دعوته، ولما أحضر اللبن إذا هو لبن ظبي، فلم أستسغه، وحاولت شربه فلم أستطع، ومججت ما كان في فمي، ثم قال: أما لو شربته لأصبحت أشعر قومك، ولما ودعت الراعي أسفت على عدم قدرتي شرب لبن الظبي، فحرمت من قول الشعر بسبب ذلك.
وهذا مظعون بن مظعون الأعرابي قصد زرود وأقام بها يطلب الشعر، فمر به رجل على راحلته فاستضافه، ولما أقام الرجل عنده سأله مظعون عن شياطين الشعراء، فقال الرجل بتُّ عند واحد منهم ليلة البارحة في ناحية من زرود، وقد أنشدني لامرئ القيس والنابغة وعبيد والأعشى، ولما فرغ من إنشاد قصيدة للأعشى قلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمن طويل, قال : للأعشى! قلت نعم, قال: فأنا صاحبه, قلت: فما اسمك؟ قال: مسحل السكران بن جندل.
وذكر مطرف الكناني أنه استمع إلى رجل من أهل زرود يقول: استمعت إلى لافظ بن لاحظ وهو ينشد:
قِفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلٍ
بسقط اللوى بين الدخولِ فحومل |
فهؤلاء وغيرهم عرفوا زرود بأنها موطن الشعر ومقر شياطينه.
وشهرة زرود وصلت إلى الخلفاء والأمراء، فكان الرشيد إذا حج يسأل عن زرود، فإذا وصل إليها أقام بها واستمع إلى الشعر والشعراء فيتذاكر الشعر مع من يحضر مجلسه، وقد قال في زرود وهو يجتازها:
أقولُ وقد جُزنا زرودَ عشيّةً
وراحت مطايانا تؤمُّ بنا نجدا
على أهل بغدادَ السلامُ فإنني
أزيدُ بسيري عن بلادهم بُعدا |
وبعد: أيها القارئ الكريم؛ لعلك تقول: أذهب إلى مدينة حائل، فأسأل عن لدة تربة، ومن ثم أنطلق إلى زرود، فأستمع إلى لافظ بن لاحظ، أو هبيد، أو هادر، فأكون من الشعراء، فأقول:
على رسلك! إن شياطين الشعراء ينفرون من المراكب الحديثة، التي غزت بلادهم، وقد رحل أكثرهم إلى بلاد عبقر ووادي الأرواح.
د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل
|
|
|
|
|