ونحن صغار,, كنا نعمل مع آبائنا وأجدادنا,, لم نكن ننتظر وظيفة في الدولة.
كنا فقط نعيش حياتنا اليومية من واقعها الفلاحة، والبناء، والحراثة، وغيرها من الحرف,, كنا نفرح اذا ما شاركنا اهلنا العمل,, ورغم ان القرية كانت تعيش في ظلام دامس اذا جن الليل,, الا اننا وخاصة في رمضان نذرع ازقتها وأسواقها ركضا,, ولعبا وممازحة، ويخوف بعضنا بعضا لكننا لا نصل الى درجة الهلع ولم يكن يعوزنا شيء, كنا نخترع الالعاب فلم تكن اليابان او كوريا قد فتحت نوافذها علينا كنا نخترع اللعبة بأنفسنا، كان الذهن متوقدا فيما ينبع من البيئة الصغيرة, الأقدام حافية والصدور مثل أبواب الاكشاك القصبية، الجميع يمشي معنا في الأسواق، ويرقد معنا في الفرش,, والأمراض تسرح وتمرح,, لا خائفة ولا وجلة من الحملات الصحية,, كان الطفل يعايش بيئته معايشة مفعمة بالسعادة والهناء والحرص على كسب المعارف الفنية من بناء وزراعة ونجارة وحدادة,, وعندما اخترع احد الفاهمين مروحة شب النار انبهر الناس وقالوا والله اللي عنده عقل,, وعندما وصلتنا الجنجفة وهي ورقة اللعب كثر الهمس وكثر الخوف من رجال الحسبة، فاطلق عليها بعض شباب القرية اسما اصطلاحيا قالوا, جبت مصيحف ابليس هكذا تحقيرا لابليس فسموها بهذا الاسم, وكان بعض الخبثاء منهم يتندر في حضرة المهتمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكانوا يتحدثون بهذه اللغة امام احدهم وكان قد عاش بداية حياته في الكويت، وكانت الكويت متطورة آنذاك.
فلما قال لزميله جب معك,, مصيحف ابليس سمعها الرجل وتربص بهم ووجدهم يلعبون الورقة وعاقبهم وصادرها منهم ولعله شب فيها وكبرنا,, وكبرت معنا المواهب التي نمت من الاعمال في القرية رغم ضآلتها.
وجيل اليوم والذين لم يدخلوا المعاهد الفنية,, لا تجد منهم من يحسن فك خرطوم الماء بأبي جلبمو بل لا يحسن مسكه ولا يعرف شيئا عن فنون الزراعة والبناء والنجارة وفي الدول التي ذاقت الأمرين من الفقر والأمراض تجد ابناءهم الصغار يجيدون هذه الأعمال.
وقد وفد كثير منهم مع أهليهم لبلادنا يدرسون في المدارس ويعملون مع آبائهم في الورش اما شبابنا فغالبهم يمرحون ويتلذذون بالوقت الضائع ويموتون ببطء ينتظرون الوظائف كأنما ولد الواحد منهم وله لدى الحكومة صك شرعي بالوظيفة والعمل.
يا ناس تعلموا الحرف,, تأمنوا غوائل الدهر وصروفه.
|