| مقـالات
انعقد الاسبوع المنصرم مؤتمر الدفاع المدني الثامن عشر بفعاليات تمحورت حول سبل رفع معدلات الوعي الاجتماعي نحو التعامل الامثل مع الوسائل التكنولوجية والوقاية من مخاطرها هذا ومع احترامي لجهود واسهامات الدفاع المدني (الاطفائية!) فلن أتوقع من هذا الجهاز العسكري تحقيق الوعي الاجتماعي المأمول وذلك لانه في الحقيقة لا يملك الاسس والمؤهلات الفكرية والمنهجية اللازمة لتحليل ومعالجة الظواهر الاجتماعية علميا, ان (ثقافة السلامة) لا تصنع من خلال معارض الصور واستعراضات الشوارع بل ان لها طرائق زراعة مقننة جنبا الى جنب مع منهجية علمية تنبثق من حقيقة ان الانسان هو المؤثر والمتأثر الاول والمباشر بالكوارث الطبيعي منها والفني مما يعني استحالة فهم ابعاد الكارثة بمعزل عن ثقافة هذا الانسان، بقيمها وعاداتها وتقاليدها وظواهرها البسيطة والمعقدة والتي تعتبر من صلب العلوم الانسانية المتخصصة, هذا وخلافا لما يعتقده بعض الباحثين لدينا والذين يعوزهم التخصص بل تعوزهم القدرة على التفريق بين مفهومي (الأزمة والكارثة!!) فالدراسات المتعلقة بالكواث كظواهر انسانية قد بدأت في وقت مبكر من القرن الميلادي المنصرم وذلك بفضل جهود علماء الانسانيات الامريكيين وعلى وجه التخصيص علم الاجتماع أو ما يعرف الآن (بعلم اجتماع الكوارث The Sociology Of Disasters) والذي بدأ بالتبلور منذ عام 1948 الميلادية وعلى ثلاث مراحل: المرحلة الاولى: (1950 1954م) وبحثت في كنه ما صاحب الكوارث من ظواهر اجتماعية سلبية كردات فعل الجماهير والسبل المثلى لتفعيل عمليات الاخلاء والانقاذ، وطرائق امتصاص فوضى الصدمة الأولى والرعب والهلع,,، واستكناه وسائل السيطرة على ما قد ينجم من الكارثة من سلوكيات منحرفة كالنهب وخلافه, أما المرحلة الثانية: (1957 1962م) فقد شهدت ذروة الحرب الباردة مما دفع بأكاديمية العلوم الوطنية الأمريكية الى تأسيس مركز بحثي تحت مسمى (لجنة دراسات الكوارث تغير لاحقا الى مجموعة دراسات الكوارث) وذلك لدراسة كل ما يخص الكوارث والسلوك الانساني (الفردي منه والجمعي) وذلك بدعم من عدة مصادر فيدرالية كالجيش، والبحرية، والمعهد الوطني للصحة العقلية، جنبا الى جنب مع ما تلقاه من دعم من قبل المؤسسات الاهلية، كمؤسسة فورد الخيرية, اما الفترة الثالثة والذهبية لهذا العلم فقد تجلت خلال السنوات التي أسس بها مركز بحوث الكوارث في جامعة اوهايو عام 1963 الميلادية، حيث اسهم هذا المركز بنقل علم الكوارث الى آفاق اكاديمية أرحب اسفرت عن تأسيس برامج دراسات عليا في بحوث الكوارث ضمن اقسام علم الاجتماع في العديد من الجامعات الأمريكية، هذا وقد شهد هذا العلم مزيدا من التطور المنهجي عن طريق المزاوجة بين اساليب البحث النوعية/ الكيفية من جهة، والاساليب الكمية (الاحصائية) من جهة اخرى، جنبا الى جنب مع ما يعرف منهجيا ب(Triangulation) او استخدام اكثر من اسلوب منهجي لدراسة نفس الظاهرة مما ساعد على تسخير البرامج الاحصائية المعقدة واخضاعها في سبيل تفسير الظواهر والسلوكيات الاجتماعية والنفسية (قبل وخلال وبعيد وبعد) وقوع الكوارث فتأسيس قواعد معلوماتية ضخمة عن غالب ما يتعلق بالطبيعة البشرية (تحت الخطر) وكل ما من شأنه خلق (ثقافة سلامة) واعية بالخطر قبل وقوع الخطر فكرا واستبصارا ووقاية.
في الختام، يطيب لي ان أخاطب رجل الامن الاول صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه متمنيا من سموه الكريم التكرم بالنظر في امكانية تأسيس (مركز بحوث للكوارث) وذلك لكي يتسنى لنا جني ثمار ما توصل اليه العلم في هذا المجال مما سيمدنا بالقدرات الاستقرائية والاستشرافية لحاضر ومستقبل ما لدينا من ظواهر سلبية كمشكلة حوادث المرور، وقيم التواكل ولا مبالاة الثقافية، وغوغائية السلوكيات الجمعية، والوقاية من آثار الكوارث وحالات الشغب وحروب المدن,, وما هية تخطيط المدن والمراكز الحضرية على اسس امنية وصياغة برامج الامن والسلامة المدنية العسكرية والصناعية في كافة القطاعات المعنية ,, وقبل وبعد كل شيء: زراعة فترسيخ الوعي الجمعي في العقل الجمعي (بنائيا)، فتدعيم أسس ما أنعم الله سبحانه به علينا من نعم الامن والأمان والاطمئنان,,.
* للتواصل: ص,ب 454 رمز 11351 الرياض
|
|
|
|
|