| مقـالات
عندما نتعاطى مع الشأن اللبناني فيما يتعلق بالأدب، ولا سيما ذلك الأدب الذي أنتج في العشرين سنة الأخيرة، لا نستطيع على الإطلاق أن نغفل النقاط التالية التي دمغت ذلك الأدب بطابعها وأصبحت تتداخل مع نسيجه بشكل واضح وبارز.
1 الحرب الأهلية اللبنانية التي تركت ندوبها فوق قلوب ذلك الجيل بشكل غائر ومفجع.
2 الطابع (الفرانكوفوني) للثقافة اللبنانية، حيث تظل فرنسا هي موئل النور والإشعاع بنظرهم، وهي مصدر العلم والحضارة التي تتقاطع مع الشرق المتخلف.
3 إصرار اللبنانيين على تفردهم وخصوصيتهم من خلال كونهم شعب الحدود الشعب الذي يقع على شفير الهاوية بين الشرق والغرب ولم يحسم قراره بعد هل يقفز أم يتقهقر؟؟ بحيث يصبح هذا القلق والتوتر هو الطابع الذي يسبغ الشخصية اللبنانية وهذا القلق هو وقود إبداعها وفنونها.
ورواية (مريم النور) لرجاء نعمة لا تتجاوز النقاط الثلاث السابقة بل تتداخل وإياها وتعطيها أبرز ملامحها وهويتها.
وحبكة الرواية وخطها الدرامي يصلح بأن يقدم تمثيلية من حلقات حيث ترتفع المفارقات والمصادفات الدرامية بشكل يجعل المثالية الواضحة بها أن ترضي ربات البيوت اللواتي يطمعن بحلول عادلة توازي ظلم المحيط الخارجي وشراسته أي حلول بيضاء تتحدى هجوم الظلام.
فالشخصيتان الرئيستان في القصة تقعان على طرفي أقطاب التناقض حيث مريم النور الجميلة النقية الطاهرة، وراما القبيحة الشريرة والمنحرفة وتتلاطم الأحداث بينهما دون أن نتعاطف مع سلبية مريم النور الساذجة، ودون أن نجد مبررا للشر المركب الذي تمثله شخصية (راما).
وقد عوضت الكاتبة عن هذه المثالية بين الشخصيتين بنحت واقعي ومتقن وفي غابة الجمال لكلا الشخصيات في الرواية من حيث تعاطي الحياة فكراً وأسلوباً وبجميع الخلفيات التاريخية للشخصيات التي نلمحها بين أسطر الرواية نابضة حية بجميع هواجسها وأحلامها وانفعالاتها وانكساراتها، وواقعها الزماني والمكاني، وكغالبية الروائيين اللبنانيين لابد أن يعرجوا بنا على (باريس) فكذلك كانت باريس هي المحطة الأولى التي انطلقت منها الرواية ومنها انبثقت بقية أحداثها.
وعلى الرغم أن الرواية لا تريد ان تتورط بالحرب اللبنانية كخلفية أيدلوجية للرواية إلا أنها كانت تبزغ هنا وهناك (الحرب) بين دمار المكان والأرواح.
رجاء نعمة من الروائيين القلة الذين قرأت لهم والذين يسرفون بالعناية في نحت الشخصيات إلى درجاتها القصوى, فتزيل عنهم الطين وجمود الصخر إلى ان يصلوا إلى تلك المرحلة البلورية التي يشفون بها عن أعماقهم القصية الغامضة.
وعلى الرغم من النهاية الدرامية الفاقعة التي تصلح لنهاية فيلم مكسيكي مدبلج إلا أن الرواية تظل عملاً أدبياً متميزاً، لها أجواؤها وأبطالها وخصوصيتها الدافئة الحميمة التي يندر ان تكون بحضرة رواية أخرى.
|
|
|
|
|