| مقـالات
لقد اتفق علماء المدرسة الحديثة في التربية على ان الهدف من التعليم هو تطوير عملية النمو الكلي للطفل جسمياً بإكسابه العادات الصحية السليمة، وعقليا بتنمية طرق التفكير والقدرة على تخطي الصعاب وحل المشكلات التي تعترض سبيله، واجتماعياً بتنمية الاتجاهات والحساسية الاجتماعية وتمكينه من تحقيق التوافق الاجتماعي والعلاقات التفاعلية مع الآخرين في محيط الأسرة والمدرسة والجيرة، ووجدانيا باستثمار ميوله سواء كانت فنية او علمية أو أدبية.
هذا هو هدف التعليم وبالتالي إن قصدنا التقويم فهو تقويم لهذه المجالات التنموية جميعها، وليس تقويماً للحفظ والاسترجاع كما هو متبع في بعض مدارسنا، ولدى بعض من المعلمين التقليديين الذين يقيمون الطالب حسب ما أمكن حفظه شفاهة لا حسب ما استوعب فأتقن أو حسب ما اكتسب فهماً فنمى سلوكاً وأداء.
ولذا فموضوع هذا المقال هو مخاطبة هذا المعلم التقليدي الذي يقيس مستوى تعلم ابني لا كما حصل من معلومات بل كما يردد كالببغاء دون فهم أو استيعاب او إتقان.
هذا المعلم الذي نأى بفكره عن مجالات العملية التعليمية ودورها في القياس ومكانتها في التعليم، نعم وبالتالي فقد نأى عن إمكانات الاستفادة من معطيات التقويم في تشخيص صعوبات التعلم تلك التي تجر الطالب للتسرب من التعليم، أو التوقف عن التوالي في المراحل التعليمية والاكتفاء بالمرحلة الدنيا من التعليم حيث لم تعالج صعوبات التعلم لعدم الاستفادة بنتائج التقويم أو العزوف عنه كلية والاكتفاء بالاختبارات الشفوية غير الموضوعية,, وما يدخل فيها من أهواء شخصية ورؤى ذاتية بعيدة عن الواقعية المطلوبة من التعليم والمدعمة للتكيف والنمو.
هذا المعلم أذكره بما درسه في فترة الإعداد والتأهيل قبل أن يتخرج معلما، أن أفضل الوسائل والأساليب التقويمية هل تلك التي تميز ما بين الطلاب من فروق في النضج والميول والدوافع والاستعدادات، ولذا فإن التقويم مصاحب لسلوك الأداء في اكتساب المعارف والمعلومات وتكوّن الاتجاهات واستدخال القيم وممارسة النشاط.
فهل هذا المعلم الذي يقوم بتلقين ابني بالمعلومات التي سبق أن حصلها هو أي (المعلم) أثناء فترة الإعداد والتأهيل أو ما بعدها أثناء إلمامه بالكتاب المدرسي وإلمامه بالمنهج يستطيع ان يقيم ابني؟ من حيث قدرته على التفكير العلمي، وإمكانية التوصل لنتائج مرغوبة، ومن حيث قدرته على تحمل المسؤولية عند مواجهته لموقف ما، وان يتصدى له بوضع الحل المناسب، ومن حيث قدرته على استخراج النقاط الأساسية في موضوع تم من قبل دراسته، أو إعداد تقارير ضافية عنها، أو من حيث اكتسابه لبعض المهارات العملية، او من حيث علاقاته المنسجمة مع جماعة الفصل، واكتسابه للاتجاهات التوافقية التكيفية، ووجداناته وقيمه المعيارية، وميوله ودوافعه,.
أخاطب هذا المعلم قائلاً له: هذه هي بعض مفردات عملية التقويم في المدرسة الحديثة والتي تسهم في تحقيقها لما تهدف إليه, ففيها شمولية للمتعلم، ودقة في معرفته وفهمه.
إذن عليك عزيزي المعلم يا من تنتمي للمدرسة التقليدية في التربية بمناهجها الكلاسيكية، وطرقها العتيقة ان تعي ذلك التطور الفكري والثقافي والتقني الذي أحاط بالتربية من كل جنباتها وفي الطرق التي تنتهجها، مما طور في أهداف المدرسة ووظيفتها حيث ركزت على الاستظهار والحفظ بغض النظر عن دور التربية في تعديل السلوك، فهو بالنسبة للمعلم التقليدي مسألة شكلية حيث ان دور المعلم قاصر على إلقاء المعلومات، وفي المقابل اقتصر دور الطالب كما ذكرنا على حفظ واستظهار بعض الإجابات للرد على الاسئلة التي سبق وان ترددت كثيراً وباتت معلومة ومعروفة، والتي لا تخضع لدرجة ذكاء ولا لخصائص سنية، وويل للطالب الذي يظهر أنه غير حافظ على تلك الصورة التي يرغبها المعلم فالعقاب في انتظاره, كان الله في عونك يا ابني وعفا الله عن ذلك المعلم التقليدي إلى ان يخرج من كبوته ويدرك ان التقويم في المدرسة الحديثة يعتمد على تنوع الوسائل التي تمكنه من التعرف على المعارف المتراكمة التي أمكن للطالب تحصيلها داخل الفصل وخارجه ومن قبل المعلم وغيره من الوسائط التربوية العديدة، ومن الحياة عامة، هكذا يمكن للمعلم ان يتبين حاجات الطلاب المعرفية والوجدانية المطلوب إشباعها، والمشكلات الطارئة وكيفية التصدي لها,, وعن طريق تحليل نتائج التقويم يمكن للمعلم ان يشخص مكمن صعوبات التعلم، وموطن القوة في النضج والنمو والتطور، وحينئذ يصدر الحكم الصائب,, إنني أتوقع ان يجيبني المعلم معلقاً ان التقويم الشامل صعب المنال لكثرة عدد الطلاب وازدحام الفصول وطول المقررات وعظم حجمها، وتعدد مهام المعلم، وخضوعه لأكثر من جهة إشرافية مما يؤدي إلى تباين في التوجيهات واختلاف في الانتماءات.
ولذا فأجيب مسبقاً على التعليق المتوقع فأقول ان وظيفة المدرسة هي العمل على إعداد جيل قادر على المساهمة في تحمل أعباء التنمية في مجتمعه، والعمل على تطويره ومواجهة تحديات العصر.
ولذا فإن نجاح المدرسة في تعديل السلوك وإحداث التغير في الشخصية بحيث تتكون المهارات وتتحسن المدركات وتصقل القدرات والاتجاهات في حدود المتاح من الإمكانات مع الوضع في الاعتبار ان حكومة خادم الحرمين الشريفين لم تأل جهدا في توفير الاعتمادات اللازمة للتوسع في التعليم وتطويره.
|
|
|
|
|