| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
تحية طيبة تؤنس خواطركم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تداعت أمام عيني وتدانت لقلمي بعض من الكلمات الصادقة المكينة في دواعي نفسي مشاركة في إنجاز كبير لدار عظيمة, إنها دار المحكمة الكبرى بالرياض, فليسعد القلب إذا رأى ما هو مثمر في بلده ولتفرح الجوارح إذا ما عظمت الأماكن في وطنه لأن فيها ذكر الله وفيها بيت الحكمة أو هي بيت الحكمة.
ففي قراءة تحليلية وبسيطة لسوابق الأقلام وبعض بطون الكتب ومنهاج الدارسين تتوقف الإشارة إلى تجانس علمي متقارب بين بيت الحكمة أو دار الحكمة وبين المحكمة في نظر الشرع والقضاء، وكما هي المقولة للحرب رجال يعدون بها وللديوان كتاب وحساب, فبيت الحكمة تنجلي فيه ملازمة الفقهاء والعلماء وتجديد المآثر العلمية والتاريخية فيذكرون بها كماتصف ذلك مؤلفاتهم وتصانيفهم الفكرية والأدبية والاجتماعية والعلمية.
والمحكمة يجلس لها علماء أفذاذ تقلدوا مناصبهم بكل مقدرة وقوة فقد أوتوا الحكمة,, ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً,.
والحكمة هي السنة المطهرة وهي ما شرعه الله لعباده الصالحين والحكمة هي ضالة المؤمن التقي، فعند اتخاذ القرار، أي قرار، يكون الاختيار هو أصعب القرارات لأن الجوانب الدراسية لكافة مسببات اتخاذ القرار عادة ما تكون قد استوفت كل الاشتراطات والاقتراحات واستحوذت على كافة عناصر التقويم الإدراكي ليكون القرار قد أصاب الهدف المستدعى اتخاذه، لأن الاصل في القرار المفروض والواجب اتباعه ما أقرته مبادئ الخلق وتاريخ البشر من أبينا آدم عليه السلام إلى عصرنا الحاضر.
والقرار الصائب تشتد إليه العقول والقلوب لمقدار رجاحة العقل لدى الإنسان بالإضافة إلى تقريب وجهات النظر في الرأي والإرشاد، وكما هي فروض وواجبات فالجنة هي غاية ما يسعى إليه الإنسان المسلم وهي دار الخالدين دار المؤمنين الصادقين هي دار الرحمة والمغفرة التي أعدها رب العالمين سبحانه وتعالى للمؤمنين التائبين العابدين.
والقضاء من أعظم الأعمال في البلاد لكثرة معاملات الناس ومنازعاتهم فيه، وهو مرجع يبين وجه الحق ويضعه في نصابه ويرده إلى اصحابه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم يقضون بين الناس في مقر خلافتهم.
عزيزي القارئ: أحسبني أملي عليك تاريخاً عبقاً من كراسة المآثر التاريخية الرفيعة في شأن القضاء وما يدور في خلدك حول نظام المحكمة وتعليمات القضاء وواجبات وأصوليات الفقهاء أو مناهج البحث في الحكم الإسلامي لأن هذا فرضته العلاقة الأزلية الباقية (إن شاء الله) في اسم المملكة العربية السعودية وهي البلاد الإسلامية العربية السعودية وبلادنا بنيت مع تاريخ الإسلام وأشرقت الأرض بنور ربها على بلادنا بإقامة العدل والحث على التمسك بطاعة الله وإقامة أركان الإسلام وواجباته وأصوله.
قال أحد المصلحين المسلمين وهو في الشام في مؤلفه (أم القرى) وهو عبدالرحمن الكواكبي رحمه لله.
الجزيرة هي مشرق النور الإسلامي.
الجزيرة فيها الكعبة العظيمة.
الجزيرة فيها المسجد النبوي وفيها الروضة المطهرة.
الجزيرة أنسب المواقع لأن تكون مركزاً للسياسة الدينية لتوسطها أقصى آسيا شرقاً وأقصى أفريقيا غرباً.
الجزيرة أسلم الأقاليم من الأخلاط الجنسية دينا ومذاهب.
الجزيرة أبعد الاقاليم عن مجاورة الأجانب.
الجزيرة أفضل الأراضي ان تكون ديار أحرار لبعدها عن الطامعين والمزاحمين.
وعرب الجزيرة هم مؤسسو الجامعة الإسلامية لظهور الدين فيهم.
وعرب الجزيرة متحكم فيهم التخلق بالدين لأنه مناسب لطبائعهم الأهلية اكبر من مناسبته لغيرهم.
عرب الجزيرة أمراؤهم جامعون بين شرف الآباء والأمهات والزوجات ولم تختل عزتهم.
عرب الجزيرة احفظ الأقوام لجنسيتهم وعاداتهم فهم يخالطون ولا يختلطون.
عرب الجزيرة أحرص الأمم الإسلامية على الحرية والاستقلال (1) .
كان سليمان بن داوود عليه السلام يحضر مجلس القضاء عند أبيه داوود فتقدم قوم أمام داوود يشكون خصومهم فقالوا: إنا حرثنا أرضنا وزرعناها وسقيناها حتى بلغت الحصاد فأرسل خصومنا هؤلاء أغنامهم فيها فرعتها كلها.
فسأل داوود أصحاب الغنم , فقالوا: صدقوا, فسأل أصحاب الزرع عن قيمة زرعهم, فقالوا: كذا وكذا وقال لأصحاب الغنم.
كم قيمة اغنامكم؟ فذكروا قيمتها فتقاربت قيمة الغنم مع قيمة الزرع فقال لأصحاب الغنم: ادفعوا إليهم اغنامكم بقيمة زرعهم فتظلم له أصحاب الغنم عن هذا الحكم.
فقال سليمان يا أبت إن أذنت لي تكلمت,, فقال داوود: تكلم، ما عندك,.
فقال سليمان لأرباب الغنم: ادفعوا أغنامكم إلى هؤلاء ينتفعون بأصوافها وألبانها ونتاجها وخذوا أرضهم فاحرثوا وازرعوها واسقوها فإذا بلغ الزرع الحصاد فسلموهم أرضهم بزرعها وخذوا أغنامكم، فرضوا جميعاً بذلك.
وبينما كان سليمان معتلياً عرشه حضر أناس كثيرون قدموا من مناطق نائية من مملكة سليمان الواسعة ليتأكدوا ان سليمان يعلم الطير وجميع المخلوقات,.
فأشار سليمان بعصا الملك إلى الطيور فخرت ساجدة,, فتعجب الناس, فقال: يا أيها الناس إنا علمنا منطق الطير.
فصفر النسر: فقال أحدهم: ماذا يقول هذا النسر؟
فأخبر سليمان أنه يقول: (لا تخاصم إنساناً بدون سبب إن لم يكن قد صنع معك شراً).
ثم سجع الحمام, فسأل أحدهم ما يعني هذا؟
فأخبر سليمان أنه الحمام يقول: (لا تمنع الخير عن أهله وأنت قادر أن تفعله).
وصاح الديك: فأخبرهم أنه يقول: (أفيقوا فإن التمادي في النوم يورث الفقر).
وزمرت النعامة فأخبر أنها تقول: (مع الكبرياء الاحتقار ومع التواضع الرفعة) فدهش الناس مما أوتي سليمان من حكمة وعلم وفصاحة.
وكان قد نزل على داوود كتاب من السماء فيه مسائل يمتحن بها ولده سليمان فسأل عن المسائل وقال:
1 ما أقرب الأشياء وما أبعدها؟
2 ما آنس الأشياء وما أوحشها؟
3 ما أحسن الأشياء وما أقبحها؟
4 ما أقل الأشياء وما أكثرها؟
5 ما هما القائمان والمختلفان؟
6 ما هما المتباغضان؟
7 ما الأمر الذي إن ركبته حمدته في آخره وما الذي إن ركبته ذممته في آخره؟
فأجاب سليمان بقوله:
أما أقرب الأشياء فالآخرة وأما أبعد الأشياء فما فاتك في الدنيا.
وأما آنس الأشياء فجسد الإنسان إذا كان فيه روحه وأما أوحش الأشياء فجسد بلا روح, وأما أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر وأما أقبح الأشياء فالكفر بعد الإيمان، وأما أقل الأشياء فاليقين وأما أكثر الأشياء فالشكر, وأما القائمان فالسماء والأرض, وأما المختلفان فالليل والنهار.
وأما المتباغضان فالموت والحياة وأما الأمر الذي إذا ركبه الرجل حمد آخره أو ذم آخره فهو الحدة عند الغضب.
من سمحت له النظرة والقراءة فليتفضل مشكوراً بالعفو عن التقصير إذ إن الوقت تختلط عليه المشاغل فتأكله إلا عن ذكر الله العلي القدير.
فهنيئا لي بما أوردته لكم إن طاعت على نشره الصحيفة ولعل مروره امام ناظريكم للقراءة يكون عابراً مريحاً.
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبدالله سعود العقيل
محكمة الرياض الكبرى
(1) بحوث منسية (طالع عبدالله عسيري) عن مسابقة الجزيرة لعام 1404ه.
(2) من قصص الأنبياء.
(3) كتاب تاريخ دولة في حياة رجل (عن حياة الملك فيصل يرحمه الله).
|
|
|
|
|