فؤادي من هول الأسى يتفطر
ودمعي على خد الضنى يتحدر
وفي النفس ويح النفس مما أصابها
هموم ولوعات ورود وصُدَّر
وكيف تطيب النفس أو يسكن الجوى
ونار من الفقد المبرح تسعر
فقدنا غماما كان يروى به الصدى
كذا الأرض إذ ما أمحلت كان يمطر
تباعد حتى لايعود فيرتجى
وأنى لمن في القبر يرجى وينظر
إمام زكت أخلاقه فتوطنت
محبته في الناس فهي تبختر
فقدناه فلتاعت نفوس وأسبلت
عيون وداء الحزن ينهى ويأمر
إلى الله أشكو غصة ومرارة
وقلبا بساح (العدل) بات يعفر
يعزى فلا يسلو ويأبى سوى الثوا
هنالك عند القبر يمسي ويبكر
وما ذاك إلا العلم والفضل والتقى
تعانق ألباب القلوب فتأسر
أشيخاً توارى وهو في القلب ماثل
لك الله من غيث به الأرض تزهر
تسنمت عرش العلم تنفع أمة
لها فيك مجد فهي بعدك تخسر
ترى فيك إن غطت من الليل سدفة
ضياءً يجلي الليل فيها ويسفر
ترى فيك حصنا لايزال ممنعا
وليثاً إذا ما ينعق الوغد يزأر
تحملت حملاً قد ينوء بأمة
ولم تك من عض العوادي تذمر
ترفعت عن دنيا المظاهر زاهداً
وقد كنت في وجه المناصب تبسر
تناديك هذا المجد والرفعة التي
إليها جموع الناس تسعى فتقصر
فتعرض عنها لاتريد من الدنا
نصيبا فحظ الدين أجدى وأجدر
تفانيت في ذات الإله مجاهداً
تجابه أرتال الفجور وتدحر
أمرت بمعروف وأنكرت منكراً
وكنت لبذل العلم تسعى وتنشر
ووقتك للتأليف والدرس نهبة
وللذكر والفتوى نصيب مقدر
إذا قيل: قال الشيخ أصغوا وأنصتوا
ففتواك أعلى في النفوس وأكبر
تجلدت لم يفزعك سهم بلية
وكنت على مر المصيبة تصبر
ظَلِلت تغيث الناس فتيا وحكمة
وفي الجسم نار الداء تصلى وتصهر
تواضعت فاستعليت عرش محبة
فكل بها في مجمع الناس يفخر
ويوم دنا التوديع سالت بمكة
بطاح بأمواج من الحب تهدر
لك الله كم فزعت قلباً وكم جرت
دموع وكم سالت من الحب أبحر
حملناك فالأكتاف نشوى بقربكم
وأما شغاف القلب فهي تحسر
بكتك جموع كنت قبل تميرهم
علوما وبالخيرات كنت تبصر
(عنيزة) من وقع المصاب ترمَّلَت
بثوب من الأحزان يندى ويقطر
بكتك بها الألباب والجامع الذي
تزين يرجو ما تجيء وتنظر
رحلت وكرسي الدروس تفطرت
قوائمه يبكي الإياب ويعبَر
بكتك بأطراف (الشريمية) التي
بررت نساء أيمات وقُصَّر
بكينا وما يجدي النحيب ولا البكا
ولكن حزن النفس لابد يظهر
فيا رب إذ واريت عنا إمامنا
فآمنه مما كان يخشى ويحذر
وظلله في ظل من العرش سابغ
إذا ضم أطراف البرية محشر
وأسكنه في قصر من الخلد شامخ
ترويه أنداء النعيم وأنهر
ويا رب واجمعنا به عند سدرة
بعالية الفردوس إنك تقدِر
رضينا بحكم الله رباً مهيمنا
له الحكم يقضي ما يشاء ويقدُر
