| مقـالات
مصطلح الإسلام السياسي أظهرُ ظاهرة لغربة الرقعة العربية والاسلامية، وغربة المسلم في بلاده؛ لأن هذا المصطلح يعني المطالبة بحكم اسلامي للمسلمين في بلادهم؛ فأصبح مستغربا لدى العلمانيين,, ووجه الاستغراب أنه مطالبة بما ليس على أرض الواقع مع قصر المدة بيننا وبين آخر حكومة اسلامية شاملة وان الناشئة ألفت الوجود الراهن لمفهوم الاسلام، وهو أن يكون الفرد حراً في التزام الاسلام، ولكن ليس له أن يفرضه بالمطالبة بمأسسة حسبة أو هيأة أمر بالمعروف والمنكر,,وهكذا أصبح الواقع التاريخي العريق لأمتنا خلال ثلاثة عشر قرنا أمرا مستغربا في حقبة الضياع هذه.
وتلك الأزمة لا تعانيها أكبر رقعة في جزيرة العرب وهي المملكة العربية السعودية ؛ لأن الاسلام لم ينفصل عن واقع الدولة منذ قامت، ولا عن واقع الحياة في مجتمع مسلم علنُهُ معصوم، وذلك من واقع خصوصياتها التي ذكرتها في كتاب عبدالعزيز ووحدة الأمة والرقعة والدولة والقائد ,, ومن أبرز ما أنتجته هذه الخصوصية: أنه لا يجتمع فيها دينان، ولا تمنح فيها الجنسية لكافر، ولا يُنكَّس علمها لأي خطب ولو كان جللاً، بل صفة علمها ذاته خصّيصة، ووجود مأسسة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصيصة,, والمطالبة بالحكومة الاسلامية قد يُحصا لها أكثر من سبب كالتخلف الثقافي، والضعف العلمي، والكساد الاقتصادي، والتفكك الاجتماعي، والحصار السياسي، وأطماع الدول الكبرى,, والسببان الأخيران يبرزان في ظاهرة انتاج القيادات المحلية التي تصل الى الحكم الموجّه ولا تاريخ لها قبل ذلك، وفي التحكم في إرادة الأمة قيادة وشعبا باسم الديمقراطية وحقوق الانسان، وفي التآمر على مواردها وبعض رقعتها كفلسطين,, كل هذه أسباب واقعية قد يحصي الاستقصاأ أكثر منها,, إلا أنها أسباب لهذا التضافر الحركي السريع في المطالبة بحكم إسلامي، وليست هي السبب في رسوخ الايمان بمشروعية هذه المطالبة؛ لأنها مطالبة بحق تاريخي مغتصب، ولأن الأمة في ظل ذلك الحق التاريخي لم تحمل أقل قليل من معاناة الأمة في غياب الحكم الاسلامي,, والتعليل المطلوب إنما هو لسرعة التعدد الحركي، وتكثيفه، ومراهنته على المخاطر,, وتعليل ذلك فيما يظهر لي بأمرين:
أولهما: رسوخ العقيدة بأن تقدم الأمة العلمي في الاختراع والاكتشاف الكوني لن يكون شرطا يتوقف على وجوده وجود العمل الحركي ما دام أن الفاصل الزمني بيننا وبين علم الغرب قرنان، وهم في سباق مع الزمن لتحقيق المزيد من الاختراع والكشف ونحن نتحرك ببطء، ومجهودنا غير معتبر، ومحجور علينا أيُّ علم تتحقق به القوة؛ فرأوا التحرك بمجهوداتهم الضعيفة وعلى الله إتمام المسيرة، ولهذا عنيت الحركة الاسلامية في أفغانستان ضد الشيوعية بنشر المعجزات وخوارق العادات.
وثانيهما: الحركة الخمينية عام 1979م؛ فقد ألغوا فوارق النحلة، ورأوها انتصارا إسلاميا على الدول الكبرا.
ولا ريب أن قدر المسلمين اليوم يبدأ بالدعوة التربوية، وبالحجة والبرهان والإقناع,, مبشرين غير منفرين، وميسرين غير معسرين,, مع الصبر وطول النفس، وامتلاك وسائل البلاغ والاعلام، وملاحظة قاعدة شرعية,, وهي أن الله لم يبح قط وسيلة كانت محرمة من أجل غاية شريفة، بل الوسيلة والغاية معا شريفتان في ديننا,, كما أن السلفية شرط حضورنا الاسلامي.
ولقد رأيت ابراهيم أعراب يخبط خبطاً عشوائياً في تصنيف الحركات والدعوات المنتسبة الى الاسلام؛ فجماعة العروة الوثقا حركة سلفية,,!! إنها حركة كل الطرق توصل إلا روما,, وإنما السلفية دعوة وحضورا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بلاد هي مأم أفئدة المسلمين، وربما تخلص الشيخ محمد عبده من براثن الرجل المريب جمال الدين الأفغاني فعمل في جانب الاصلاح والدعوة بفكر معتزلي، ثم تلاه تلميذه محمد رشيد رضا فنحا رويدا رويدا الى السلفية بفضل الله ثم بفضل اتصاله بالملك عبدالعزيز وعلماإ البلد رحمهم الله جميعا.
ولست أرا لمدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أي أثر في حركة الاخوان المسلمين كما يزعم أعراب، بل كانت انطلاقتهم ذاتية من واقع التمزق بين تاريخهم وراهنهم،وجملة قادتهم علماأ أو من أسر علمية، ولم يُنقُّوا صفوفهم من أوشاب الصوفية والقبورية والفرق البدعية، وأعلنت كتبهم أن الغاية الحكم قبل أن يملكوا استجابة المجتمعات لتكون أداة نصر تفوق أو تكافِأُ قُوَا الرهان العالمي على صد المسلمين عن تحكيم دينهم بفلذات أكبادهم.
والواقع أن كل حركة إسلامية باستثناإ الخمينية تنتمي إلى الإخوان؛ فمنهم من يأخذ بفكرها في البدايات عندما كان الغرض الدعوة في الأرياف والمدارس ليكون مسأولو المستقبل ذوي تربية اسلامية,, ومنهم من أخذ بمبدأ الغاية تسوغ الوسيلة بقبول العمل السلمي في دائرة الأحزاب أسوة بانضواإ الاخوان تحت مظلة الوفد، ومنهم من آثر العمل العسكري أسوة باستعدادهم العسكري الذي واجهه عبدالناصر قبل نضجه,, وخرجت عنهم نوابت لا يستبعد أنه دخل فيها وتسمَّا بها عناصر إفساد علمانية، فاستسهلوا التكفير إجمالا وتعيينا، وجعلوا الاغتيال مشروعا، وقتل النفس البريأة مباحاً (1) ,, وإن حصل من ذلك كثير فإن ما ارتكب باسمهم افتراأً عليهم من قُوا الشر أكثر,, ونبتت نابتة أخرى آثرت التدروش، واستصلاح الأفراد مع ولوغ في البدعة كجماعة التبليغ,, أما تربية الفرق الصوفية فقد كانت أقدم من هَمِّ الحركات الاسلامية، بل بلغت الذروة منذ سقوط الحكومات العربية والاسلامية وقيام سلطنة الأعاجم.
ونقل عن راشد الغنوشي، وحسن حنفي ومحمد عمارة التسوية بين الاسلام والديمقراطية,, أما الأخيران فلا ريب في النَّفَس المعتزلي في أعمالهما، ولا يضير الصف الإسلامي أن يفيد منهما كما افاد من جارالله الزمخشري رحمه الله وعشرات غيره,, وقد نص شيخ الاسلام ابن تيمية في مواضع عديدة ولا سيما الجزأ الخامس من منهاج السنة، ونص كثيرون غيره من الجهابذة المدققين على أن أهل القبلة لا يكفرون بمقالة بدعية عن اجتهاد نزيه، وحكمهم إلى الله العليم بالصدق وبالحمية الجاهلية، ولكن بيان الحق، وتعرية البدعة واجب لبراأة ذمة الداعي واقامة الحجة على المدعو,, ولحسن حنفي خصوصية علمانية أشرت إليها في كتابي عن الحق الطبيعي وقانونه وأنا بصدد مناقشة ألاعيب الفرخ اليهودي سبينوزا، وتصنيف حسن حنفي في دائرة الحركات الاسلامية لغو.
قال أبوعبدالرحمن: ولا غضاضة على التيار الحركي الذي سماه أعراب بالبديل الحضاري المتمسك بمبدأ الدعوة بيانا ومحاورة وأن الاختلاف قدر كوني؛ فهذا هو المنهج الذي يفرح به كل مسلم في هذا الظرف الذي بلغ فيه المسلمون غاية الضعف، وبلغ الأعداء فيه غاية القوة,, وهو منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوفق الله له أسباب الجهاد والصدع بما يُأمر,, وهو منهج العلماء الربانيين حال فساد المجتمعات وتجاوز الحكومات,, خذ نموذج ذلك صدع الإمام أحمد بن حنبل بالحق ولم يأمر بالخروج على الدولة الاعتزالية الجائرة,, وخذ مثال ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله كثر في عصره الشر، وجاهد جهادا علميا قويا بفداإ وتضحية، ولم يجاهد بسيفه، ولم يدع إلى ذلك إلا أمام عدو خارجي مباغت، ولم يدع قط إلى القيام على الدولة.
ومن اللغو المنزوع البركة ان يعتد أعراب بما أسماه باليسار الإسلامي سواأ أجعل رمزه حسن حنفي، أم محمد أركون، أم محمد عابد الجابري، أم علي أو مليل,, بل عطاأ هاألاإ موضوع للجهاد العلمي الذي نباركه في جهاد من سماهم بالبديل الحضاري,, هذا هو الجهاد المقدور عليه الآن على مستوى العلماإ,, والقادة أكثر تبصرا بقدرهم العسكري والسياسي والاقتصادي,, إن هذه الحركات حسنها وسيئها إفراز طبيعي من أمة سُرق منها دينها، واغتيلت قواها، وسلبت مواردها,, وهي ليست أمة كالأمم، بل اختارها الله للقيادة، وجعل لها الوسطية للشهادة على الناس,, وهذا الافراز لن يتوقف، ولكنه سيتنوع الى أن يبلغ مرحلة الرشد والوئام والهداية السلفية.
أما التسوية بين الإسلام والديمقراطية فلا بد فيه من سُآلٍ هو:
أتعنون مُسمّاً جديداً تصطلحون عليه أنتم بالديمقراطية؟، فبينوه لنعلم وجه إسلاميته؟!,, ومع هذا فليس هذا المسمَّا محل نزاع بينكم وبين دعاة الديمقراطية,, أم تريدون الديمقراطية بمصطلحها المدون، وواقعها الراهن في دول الشرق والغرب؟,, وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الجواب؛ لأن هذا الحضور الديمقراطي هو حل الطرح؛ فبينوا لنا بارك الله فيكم وجه الاسلام في نظام يسقط حق الله في التشريع، ويجعل الارادة المطلقة للشعب، ويبني النظام على غرائز الشبهات والشهوات في الحق الطبيعي؟,, وإلى الله المشتكا.
***
الحواشي:
(1) أسوأ هذه الجماعات جماعة التكفير والهجرة، ومأسسها شكري مصطفى عام 1978م، وقد أُعدم بمصر عام 1978 بعد اختطافه وقتله للشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف,, وينتسب إلى الاسلام جماعات لا تنتمي إليه في الواقع مثل جماعة الجهاد، فقد نشرت عنهم الصحافة أخبارا لا تليق بمسلم,, إلا أن محامي الجماعات الاسلامية بمصر تنصل منهم,, جاء في مجلة الوسط عدد 427 في 2/4/2000م ص18:أن زعيمي التنظيم منصور محمد رمضان والسيد أبوالنجا الصفطاوي دعوا أتباعهما إلى الخروج عن الحاكم باعتباره كافرا، والمجتمع باعتباره جاهليا، وحرما عليهم التعامل مع أجهزة الدولة أو التعلم في المدارس أو العمل في الوظائف الحكومية,, ضمت لائحة الاتهام في القضية اربع سيدات بينهن ثلاث شقيقات عبير، وأسماء، وشيماء شعبان زيدان ,, تبين ان الصفطاوي تزوجهن دفعة واحدة بعدما افتى بجواز الزواج منهن,, بل إنه أنجب منهن!!.
ولا تختلف الأفكار التي تبناها أعضاء وعضوات ذلك التنظيم عن أفكار المتهمين في القضية الثانية الذين تقودهم السيدة منال مانع أحمد التي خصصت لأربع سيدات أخريات مواقع قيادية في الجماعة التي أطلقت عليها اسم الطريقة اليومية العمدية ، ولكن منال زادت باسقاط فريضة الحج والصلاة عن بعض عناصر التنظيم!,, وسألت الوسط محامي الجماعات الاسلامية في مصر السيد منتصر الزيات عن أسباب عودة التنظيمات التكفيرية الى الساحة ومغزا تحول السيدات الى موقع القيادة فيها؟,, فرفض اطلاق صفة جماعة دينية أو إسلامية أو أصولية على أي من التنظيمين الأخيرين، واعتبر أن التهم الحقيقية التي يواجهها المتهمون تتعلق بالشعوذة والخروج عن الدين الاسلامي وليس التطرف أو استغلال الاسلام، واستغرب محاولة الصاق صفة الأصولية على التنظيمين .
|
|
|
|
|