| مقـالات
كثيرة هي مآثر المغفور له جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، موحد الجزيرة العربية، وأول مؤسس للمملكة العربية السعودية.
فقد كان بامكان أفقر البدو مخاطبة الملك بكل بساطة وبدون تكلف وألقاب، وكان الملك عبدالعزيز يحب أن يُسمى ابن فيصل تذكيرا بجده، أو ابن مقرن تذكيرا بواحد من أسلافه وأصل الفخذ السعودي الكريم، أو أخا نورا وهي أخته الأكبر التي كنّ لها كل الحب والاحترام.
وهو مثال أعلى للعربي القح ابن الجزيرة، ويحمل كل خصائص طيبتها وأصالتها.
فهو محارب شجاع، يسهر على حماية الاسلام، وسموح مع المغلوب، علاوة على أنه رجل مهاب، أضفت عليه السكينة والوقار مزيدا من الاحترام(1).
وكان رحمه الله عدلا وسطا، من غير افراط أو تفريط أو مغالاة، يناقش علماءه بالحكمة والموعظة الحسنة، وكم كان متقدما بفكره وعقله الثاقب زمن عصره، فرغم وقوف بعض العلماء الغلاة ضد استخدام التلغراف واللاسلكي(2)، استطاع بآرائه الحكيمة أن يثبت صحة مذاهبه واتجاهاته في كثير من الأمور.
ويعلم هؤلاء العلماء مقدار الاحترام والمحبة الحانية التي كان يكنها عبدالعزيز لهم، ولهم في مجلسه كلمة مسموعة، كما أنه كان يصغي الى نصحهم.
وكان أحيانا يتعامل مع بعض هؤلاء الغلاة بروح النكتة والدعابة، فقد روي عنه أنه كان يتمشى في قصره بالرياض، وعليه ثوب طويل يمس الأرض، فدخل عليه أحد العلماء وقال له:الله الله يا عبدالعزيز,,! لقد دخلك الكبر وصرت تجر أذيالك وراءك , التفت عبدالعزيز الى الخدم في الحال قائلا:هاتوا المقص , فلما جاؤوا به أعطاه الى الشيخ العالم وقال له:قص ما تراه مخالفا للدين! (3).
يذكر فيلبي أن الأشخاص الذين كان الملك عبدالعزيز ينتقيهم للمناصب الادارية في مملكته ظلوا في مناصبهم حتى نهاية حياته عمليا، وكان ذلك تعبيرا عن سمة محددة في مزاج الملك، وهي العزوف عن الاختلاط مع الغرباء، وإن كان متسما بالضيافة الرائعة والاهتمام الودي الخالص بالضيف.
ويؤثر دوما أن يرى من حوله، ليلا ونهارا، سنة إثر سنة، نفس الأشخاص أو أفراد العائلة أو الاداريين أو الخدم أو رفاق السلاح، فهو لا يستطيع أن يصبح على سجيته بشكل كامل إلا معهم.
وكان بوسعه أن يثق بهؤلاء الأشخاص لمعرفته بهم عن كثب، ولعلمه بمزاياهم ونواقصهم، ويغدق عليهم بسخاء، كلما تزايدت موارده(4).
واحتفظ الملك عبدالعزيز في شبابه وكهولته بالقوة والشجاعة والصبر على الشدائد، رويت بصددها المآثر, ونقل الزركلي عن طبيب الملك الخاص رشاد فرعون الذي صار وزيرا للصحة فيما بعد، الواقعة التالية:
فقد أصيب عبدالعزيز في احدى المعارك بجرح في بطنه، وقد عرض فرعون عليه أن يحقنه بالمخدر البنج فأخذ الملك المبضع من يد الطبيب وشق موضع الاصابة وأخرج الرصاصتين وأمر بخياطة الجرح (5).
وظل عبدالعزيز يعاني من آلام بسبب جرح في ساقه وقد تزايدت مع تقدمه في العمر, ولم يكن بوسعه ثني احدى ركبتيه، إذ ان ذلك يسبب له آلاما مبرحة، ولا يستطيع أن يخلد للنوم إلا بعد أن تُفرك ركبته ساعة أو أكثر.
وقد أهداه الرئيس الأمريكي روزفلت كرسيا متحركا هو نسخة طبق الأصل عن كرسيه, وأعجب الملك ايما اعجاب بالكرسي ولم يعد يفارقه.
ويبدو أن ذلك عجّل في وفاته، لأنه رحمه الله لم يعد يتحرك فترهل(6).
وأخذ عهدا على أكبر ولديه بالوفاق والاتفاق للحفاظ على سائر المملكة(7).
توفي عبدالعزيز في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر عام 1953م في الطائف, وأقسم زهاء مائة أمير اجتمعوا عند جثمانه الطاهر يمين الولاء لسعود الذي بايعوه ملكا ولفيصل كولي للعهد, ونقل جثمانه جوا الى الرياض، حيث دفن وفق الشريعة الاسلامية المعتادة، دون شاهد أو تابوت أو ضريح.
ويصعب تمييز مقبرته عن سواها، وهي تقع الى جوار مقابر سائر أفراد العائلة، ومنهم أحب اخواته نورا, وهي يرقد فيها بسلام وأمان(8).
المصادر
1 الزركلي، شبه الجزيرة، ص650.
2 حافظ وهبة، جزيرة العرب، ص 290292.
3 الزركلي، شبه الجزيرة، ص 743744.
4 philby H.saudi Arabia,P.294.
5 الزركلي، شبه الجزيرة، ص986.
6 نفس المصدر، ص 1433.
7 نفس المصدر، ص 1433.
8 أمين سعيد، تاريخ الجزيرة، ج3، ص5.
د, مصطفى العدوي
|
|
|
|
|