ثريا اقبال مترجمة مغربية تخصصت في ترجمة الشعر الحديث وصدر لها مؤخرا ترجمتين الاولى للشاعر العراقي منعم الفقير والثانية للشاعرة المغربية مليكة العاصمي.
ورغم ان ثريا اقبال تدرس الاقتصاد في احدى الجامعات المغربية وتعد حاليا أطروحتها للدكتورة هي ايضا رئيسة جمعية مراكش الثقافية التي تعنى بالتبادل الثقافي بين المغرب ودول العالم.
التقتها الجزيرة اثناء وجودها بالقاهرة ومشاركتها في فعاليات مؤتمر الترجمة الذي عقد مؤخرا وكان هذا الحوار,,.
* دأبك على ترجمة الشعر,, هل يعكس كتابات شعرية لك ربما لم تظهر بعد؟!
سئلت مرارا (هل انا شاعرة) ,, وفي الحقيقة لو كان الشاعر هو فقط من يكتب الشعر فأنا لست شاعرة,, لكن لو كان الشاعر بما يشعر به,, فأعتقد انني شاعرة ,, وكنت أكتب مشاعري وخواطري لكن باللغة الفرنسية,, في مرحلة مبكرة,, عندما أعود لتلك الكتابات الان اجد بها قدر كبير من العفوية والبراءة مماثل لما بها من اسئلة كونية كبيرة؟ ومن رأى انها خسارتنا الاولى مع تقدم العمر تتمثل في فقدنا لهذه العفوية التي تجعلنا نرى الاشياء بقابلية الاندهاش,وللحقيقة قراءة الشعر وحفظه هو الذي لم اتوقف عنه سواء الشعر القديم الذي كان ولازال يبهرني وايضا الشعر الحديث الذي جعلني أترجمه لروعته ورؤيتي ان ما به لابد ان يعبر الى لغات اخرى ليتواصل معه فارس آخر.
* رغم ذلك لم تترجمي من الشعر القديم شيئا وبشكل عام نادرا ما يترجم الشعر القديم,, هل تبعة ذلك تقع على المترجمين من زاوية عدم الاهتمام أم على جانب الشعر؟!
كنت ولازلت معجبة بالشعر القديم وبخاصة المتنبي,, الذي كنت كثيرا ما أتأمل كيفية صياغته للحكمة,, وقبل ان اتحدث عن الترجمة,, لا اعرف سر هذا الصراع المرير على مدى عقود بين الشعر القديم والحديث فالشعر الجيد المليء بالمشاعر الصادقة هو الشعر الحقيقي ايا كانت المدرسة التي ينتمي اليها,, والقارىء يختار ما يلائم تذوقه,وسبب عدم ترجمتي للشعر القديم رغم ولعي بأعلامه,, كالمتنبي ,,ثم في مرحلة اخرى (خليل مطران),, الا ان اغلب النصوص القديمة تشع وجها رائعا,, فتقد كثيرا منه في حالة الترجمة، لان كثيرا منه يكتب بصور بلاغية رائعة لكن مبالغ فيها,, هي تناسب تماما القارىء العربي,, لكن عندما نترجم لابد ان نراعي معايير التذوق لدىالقارىء الآخر,, اما الشعر الحديث فلا مجال فيه للاطناب والمبالغة.
اتهام في غير موضعه
* هناك اتهام موجه لمترجمي الشعر الحديث انهم يفضلونه لسهولته ما ردك؟
هذا اتهام ليس في موضعه , فترجمة الشعر ليست بالسهولة التي تبدو لاول وهلة,, فالجملة الطويلة,, في الشعر التقليدي تعطي فرصة للمترجم في البدائل لكن في الشعر الحديث عندما تكون الجملة قصيرة مركزة المعنى,, فلابد من ايجاد جملة شعرية في اللغة الاخرى بنفس عدد الكلمات وتحمل نفس المعنى وهذا فعلا صعب.
فعلى سبيل في ديوان منعم الفقير القادم (قصائد حب) يقول (انا الذي رآك فكان),, الترجمة الحرفية للجملة لا تحمل نفس القدر من الكلمات ولا الوهج,, وربما أظل أياما أبحث عن ترجمة مناسبة لجملة شعرية حتى اجدها.
* هل ترجمة الشعر تحتاج الى قدرة على الابداع أو لنقل تحتاج (للحظة الالهام) التي يحتاجها الشعر,, بعيدا عن اتفاق اللغات؟!
هذا مؤكد,, فاللحظة التي تأتي بها جملة شعرية في صورتها المترجمة لحظة ابداعية بحتة,, فربما ابحث لايام طويلة عن ترجمة,, واجدها بالمصادفة، بالطبع اجلس الى الطاولة واضع اولا الترجمة الحرفية لكن كثيرا جدا ما لاتقنعني الترجمة الحرفية,, واراها غير معبرة,, فآثر ان اتركها قليلا حتى تأتي دون تعمد.
* ما هي مقايسك في اختيار الشعر الذي تترجمينه؟
ان اشعر بتآلف شديد مع القصيدة,, أو بالاحرى أنها تمسني وجدانيا ولا تخلو من الجانب التساؤلي الذي يشتمل على عمق الرؤية.
* هل تتابعين حركة ترجمة الشعر العربي الى الفنرسية وما هو أهم ما يميز او يعيب هذه الحركة؟!
بالطبع احرص على قراءة الشعر العربي المترجم الى الفرنسية وايضا شعر المبدعين العرب الذين يكتبون بالفرنسية لانني حريضة على التطور الذي يطرأ على اللغة,, سواء العربية او الفرنسية,,؟ واعتقد ان التطور امر ضروري في اللغة,, من هنا لابد من وجود الحس اللغوي الجيد لدى المترجم وايضا المتابعة,, ليتم نقل النص الشعري في لغة مواكبة لاستيعاب القارىء ليضمن فعل التواصل,, الذي دونه يصبح مجهود المترجم غير ذي جدوى.
* بعيدا عن الشعر ما هي اهتماماتك الاخرى ,, ؟!
بشكل اولي اهتم بترجمة الشعر,, وجل مجهودي في الترجمة كان منصبا على مجال الشعر,, فقدمت أعمالا للشاعر العراقي منعم الفقير والشاعرة المغربية المعروفة (ماليكة العاصمي) وايضا على وشك الصدور ترجمة ثالثة لشاعر مغربي,, هذا لا يعني ان نشاطي الوحيد في الترجمة هو الشعر لانني اهتم جدا بمجال التصوف,, حيث اترجم مجموعة من المقالات وخصوصا حول العالم الكبير محيي الدين ابن عربي الذي اعد أطروحتي للدكتوراه حوله.
ليس تناقضا
* ماذا عن التناقض ان يكون مجال عملك الاكاديمي هو الاقتصاد وتكون أطروحتك للدكتوراة حول محي الدين ابن عربي ,,,!!
- لا يوجد تناقض وعندما تتم مناقشتها ستكون الاولى من نوعها,, وقبل ان أوضح الامر فلي قصة مع محيي الدين ابن عربي فعندما كنت أدلف لمكتبة والدي الذي كان يهوي الشعر والادب,, كنت ارى (الفتوحات المكية) عمل ابن عربي الفريد,, يحتل مساحة كبيرة من المكتبة دون ان أجرؤ على الاقتراب منه, ثم جاء تعرفي على محيى الدين ابن عربي بالمصادفة عندما قرأت مقالة مترجمة للفرنسية عن اعمال محيى الدين ابن عربي,, فتابعت منذ هذه اللحظة كل ما اتيح لي عن محيى الدين ابن عربي في اللغة الفرنسية,, غير ان هذا لم يكن كافيا لي؟ فبدأت ازيد من تمكني من اللغة العربية حتى استطيع التبحر اكثر في عالمه,, لاكتشف انه (بحر بلا شطآن) كما قال عنه (ميشيل شود كيفتش) صاحب المدرسة المتخصصة عن دراسات ابن عربي في باريس,وبعد ثلاث سنوات من هذا قررت أن تكون اطروحتي للدكتوراة في جزء صغير من عالم ابن عربي وهو ايضا ما يختص بمجالي الاكاديمي الاقتصاد,, فغامرت ووضعت أطروحتي حول (اقتصاد الولاية قراءات في الفتوحات المكية),,وقد سجلت هذه الرسالة في كلية الحقوق جامعة مراكش التي يعني قسم بها بالاقتصاد,, ولانها الاولى من نوعها فيشرف علي بها مشرفان الاول هو البروفيسور جمال الدين استاذ البلاغة والادب العربي بجامعة السوربون,,وايضا الدكتور محمد الفايز بجامعة مراكش.
وقد بدأتها منذ ست سنوات تقريبا,, ولازالت اعتبر نفسي في البدايات.
* ما هو نشاط جمعية مراكش الثقافية التي ترأسينها؟!
جمعية (مراكش الثقافية) انشئت منذ عامين,, وهي امتداد لتجمع (السنونو) الذي يرأسه الشاعر العراقي منعم الفقير في كوبنهاجن بالدنمارك ,, وهدفها هو التبادل الثقافي بين المغرب والدول الاخرى,, وتعنى بكل نشاط ثقافي سواء كان مسرحا او شعرا او رواية او فنا تشكيليا او موسيقي لنطلع المهتم المغربي على الفعاليات المختلفة خارج المغرب,, وأول الاصدارات الفعلية للجمعية كانت أول ديوان مترجم من الشعر الدنماركي للشاعر (إرلنك كلتسن) وقدترجمه الشاعر العراقي (وليد القبيعي) واصدرته دار افريقيا الشرق المغربية,, وكانت اول مرة يتم فيها وصل ثقافي بين المغرب واحدى الدول الاسكندافية.
أيضا اكثر من أعتز به هو (المهرجان الأول للابداع النسائي) والذي تم بمشاركة مغربية كبيرة وغربية حيث حضرت مبدعات من مختلف الدول العربية,, وسوف ينعقد المهرجان الثاني في مارس القادم,, ويكون موضوعه الاساسي (المرأة واشكاليات الحرية),.
* في هذا السياق,, هل مع تزايد المساحات المتاحة للمرأة المغربية زادت معها ابداعاتها التي تتسم بالتميز؟!
اعتقد ان المرأة اذا توفر لها المجال لتبدع بالتأكيد تخرج ابداعات متميزة,, والمرأة لها دور فعال في المغرب,, حتى المسؤولين المغاربة يولون اهتماما كبيرا الان بالتجمعات التي تهتم بالمرأة,, مواكبة لتزايد اهتمام المرأة بالمشاركة.
* أخيرا,, ماذا يشغلك الآن ,,, ؟!
مشروعي القادم في مجال الترجمة هو ترجمة التجربة الابداعية الكاملة للاستاذ منعم الفقير وهي تحتوي على 12 مجموعة شعرية,, بخلاف المسودات التي لم تتحول بعد الى دواوين,, بالاضافة الى رواية واحدة هي (القرود),.
ترنيمة ياسين
|