| عزيزتـي الجزيرة
مما لا شك فيه ان الناس مختلفون في تحملهم للتبعات، وكلما كانوا أصحاب عزم استطاعوا ان يحققوا ما عزموا عليه, وقد أشار الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي الى ذلك عندما مدح سيف الدولة الحمداني قائلاً:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم |
فالخليفة الحمداني كما يصوره المتنبي صاحب همة عالية، واجه الروم بجيشه المتواضع، واستطاع ان ينتزع منهم الانتصار.
وكذلك الأمر كان الخليفة المعتصم حيث استغاثت به المرأة الهاشمية، وأطلقت صيحتها المشهورة وامعتصماه فأثارت نخوته، وهب بجنانٍ ثابت، وهمة عالية، فجمع جيوشه، وأعرض عن آراء المنجمين، وواجه امتحاناً صعباً، وكان له أروع انتصار، فصوّر ذلك الموقف شاعرنا الكبير أبوتمام وقال:
السيفُ أصدق أنباء من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
تدبير معتصم بالله، منتقم
لله مرتغب في الله مرتقب |
نعم، بالهمة العالية والسيف فرق المعتصم بين العمل الجاد والعمل اللاهي وتجاوز الامتحان الصعب, ومن تاريخ الجزيرة العربية نستلهم بطولة الملك عبدالعزيز يرحمه الله فقد استطاع بما أوتي من صفات الرجال العظام ان يحرز انتصارات كبيرة، أمام الامتحانات التي واجهته، وبهمته العالية وطموحه الذي عانق المستحيل وحّد الجزيرة، وكانت المملكة العربية السعودية، وقد صوّر شعراء المملكة تلك البطولات بقصائدهم، لعلنا نرى اجملها في قول ابن عثيمين:
ذاك الإمام الذي كادت عزائمه
تسمو به فوق هام النسر والقطب
عبدالعزيز الذي ذلّت لسطوته
شوس الجبابر من عجم ومن عرب |
هكذا عاش الرجال العظام، واجهوا المشقة والعذاب، بما رزقهم الله من الهمة العالية التي تأبى القبول إلا بالمكانة الرفيعة، وتستوجب العمل المخلص الدؤوب، فانطبق عليهم قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام |
فتلك هي حياتهم، عمل لا يعرف الراحة، واخلاص من يزيد في تعبهم، فهم ابداً في نصب لا ينقضي, واليوم مع إقبال الامتحانات ألا يجد أبناؤنا الطلاب دروساً هامة في حياة هؤلاء العظام؟هل يرضى احدهم التقصير في دراسته؟وهل يقبل أن يرى نفسه دون غيره من المجدين؟ ليعلموا ان الراحة في التعب، لأن المثابرين سيحصدون ثمرات جهودهم، ويحققون ما يطمحون اليه من آمال مهما بعدت، ومهما كبرت، ومهما صعبت، فلا مستحيل مع الجد والاجتهاد ورحم الله من قال:
الجد يدني كلَّ بعد شاسع
والجهد يفتح كل باب مغلق
فإذا سمعت بأن ذا جد حوى
عوداً وأثمر في يديه فصدق |
فبشرى للزارعين في مواسم الحصاد.
قاسم عبدالله التركي
|
|
|
|
|