لم أصدق وما صدقت إلى الآن ولو كنت صدقت واستشعرت معنى فراق الكوكب الدري لكان بلوغي القبر أقرب من الشيخ إليه لكن الحمد لله الذي جعل في قلوبنا إيمانا يقويها فتصطبر ويعزيها فتسلو وتحتسب وهكذا نحن نقول بإيمان بقضاء ربنا (إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها) مصيبة بانهداد الصرح الشامخ عوضنا الله بعلمه الحي خيرا.
هي ثلاثة أحرف تهز كيان أمة بأكملها تجري مدامع الرجل قبل المرأة,, بل وتحزن طفلاً تعلم منذ خروجه إلى الدنيا ان فتوى ابن العثيمين تسكت الجميع,, مات,, ليس الحزن على الكلمة وإنما على من وقعت عليه,, وقعت على حصن عتيد لتدك قلوبنا دكا,, وقعت على الزهد بعينه بل الورع,, وقل التقوى والعلم,, وقعت على بحر لا ساحل له,, على نور شعشع في عوالمنا يوم مات النور في قلوب كثير منا,, على وائد الفتنة,, محيي السنة,, رجل الأمه,, علم العمل,, وقعت على ابن عثيمين وما أعظمها من مصيبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم,, لم تسعد قلوبنا بسلواها بعد فقدنا ابن باز فما لبثت إلا وجبل آخر يهد ويخفى تحت التراب,, فلم تفتأ جراحنا تهزها المصائب وتنكأها الآلام ولا أعلم متى ستندمل.
ها أنا ذا أبث لكم عن قليل بل شيء لا يذكر من بعض ما وهب الله به شيخنا وهو للتذكير ليس إلا فكلكم تعلمون من هو العالم الرباني ابن عثيمين وكلكم تقرؤون ما يكتب عنه من سيرته لكنها كلمات أسطرها أسأل الله جل جلاله ان يجعلها حجة لي لا علي ولعلي أوفي بجزء قليل من حقه بعد الدعاء له,, عندما تقرأ كتب الشيخ خصوصاً المجلدات والشروح,, لا تمل وكأنك تقرأ كتيبا سرعان ما ينقضي فتدخل في عالم جميل تحفه لمسات العثيمين الرائعة وكنوز العلم الوافرة عندما تقرأها تجد الاستنباطات والفوائد بل الوقفات المرتبطة بعصرنا فينساب فهمك ولا يتعسر عليك شيء، وقلّ ما تجد هذه الصفة في كثير من الكتب، وإن شئتم اقرأوا مجلداته وستعلمون أيضاً ضرب الأمثلة الواقعية فهو مختص بهذه الصفة والجميع يشهد بذلك وكأنه يدير دواليب العقل فتتحرك وتستوعب عن طريق الأسلوب الحسن مع ضرب الأمثلة الحية زيادة في الإقناع,, الشيخ ابن عثيمين في فتاواه مطلع ولا يصدر الفتوى إلا بعد دراسة دقيقة فكثير من فتوى النساء قد تخفى عليه وواقع النساء قد لايراه بطبيعة الحال وعند سؤاله عن حكم من هذه الأحكام يبدأ يسأل ويستفسر وعندما يجد الإجابة يقول قبلها (بلغني كذا وكذا) فهو دائما يثلج صدورنا بأجوبة شافية كافية خصوصا نحن النساء كأنه بيننا ويرى ما نرى,, علمه الجم في كل فرع من فروع العلم,, حسن خلقه,, أما زهده فحدث ولا حرج,, هل لي أن أتحدث عن بقية مآثره,, يا عبرات اخجلي، مآثر من تعدين؟ هل أترجم آهات قلبي وزفرات نفسي بكلمات تتمتم بعلم ذاك الشيخ,, لا أعتقد,, ياابن عثيمين عجزت نساء الأرض ان ينجبن مثلك يا شيخنا وقليل ما هم,, وها أنا امرأة قد حرمت مجالسته والأنس بحديثه عن قرب وسؤاله لكن هو الحب في الله جمع القلوب وقصر المسافات,, وما نسمعه من الشيخ وما نقرأ له يتكلم بلسان حاله ولا حاجة له بثناء الآخرين والكلام عنه,, لقد عرفنا الشيخ بصوته وطاعته وكتبه وعلمه وهانحن نرفع اكفنا إلى مولانا بان كما حرمنا مجالسته في هذه الدنيا ان يجمعنا وإياه في دار السلام في جنات ونهر مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكل من أحببناهم فيه.
فيا رحماك يا رب في زمن الفتنة وفي هذه الظروف قد غيّب القبر الجبل ,, لانبكي عليك شيخنا إنما نبكي على نفوس لم تطق ان تعمل كعملك لترتاح طويلاً,, كفي أيتها العبرات لن يجدي انحدارك على الخدود,, ترجميها لأعمال كوني كأمثال هؤلاء الشامخين لم يكن الشموخ لمال أو منصب وإنما لعلم وعمل تشهد به الأرض والسماء قبل العباد,, قالوا قد مات محمد بن عثيمين,, ولم أصدق ما قالوا,, دفن الجسد الطاهر في ثرى بكة الطاهر,, كيف سيعتاد قلمي ان يكتب رحمه الله بعد ان كان يكتب حفظه الله وأطال في عمره لكن سأكتبها وأنا راضية بقضاء ربي وقدره وأردد جبر الله مصابنا وكسر قلوبنا وأبدلنا الله علماء أخياراً كأمثاله,, والحمدلله رب العالمين.
أنوار الغريب
حائل
|
