| متابعة
منذ أقل من سنتين توالت على الأمة الإسلامية مصائب كثيرة وذلك بفقد العلماء العاملين العابدين ففي عام تسعة عشرة واربعمائة وألف فجع المسلمون بمرض صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن علي بن غصُون وتابع البعيد قبل القريب حالة الشيخ وكان تسجيل الشيخ لحلقات نور على الدرب في الإذاعة وسماع صوته يزيد من اطمئنانهم عليه ولكن زيارته في المستشفى تعيد الاتراح إليهم دمع معاناته رحمه الله لآلام شديدة إلا انه كان يستقبل الزوار كأحسن ما يكون مرحباً بهم شاكراً لمجيئهم داعياً للصغير والكبير مواسياً لهم شاكراً الله جل وعلا على نعمه التي لا تحصى ثم ازداد به المرض حتى توفي رحمه الله في السابع عشر من شهر ذي الحجة من نفس العام فكان وقع المصيبة على الناس عظيماً خرج الناس الى المقبرة يعزي بعضهم بعضها لا ترى إلا حزانى ولا تسمع إلا بكاءً ودعاء، توجّه الناس الى اقارب الشيخ يعزونهم ولكنهم في المصيبة سواء كيف ل،ا فالشيخ رحمه الله والد للجميع معروفه وصل الكثير، خرج الناس الى المقبرة في يوم مشهود من زحام الناس الذين حضروا، تذكر الجميع ما يقرؤونه من سير العلماء حيث توصف جنائزهم بحضور أهل البلد كلهم وهذا ليس بالكثير عليهم فهم نجوم طالما اقتدى بها السائرون، جل اوقاتهم خدمة للعلم والناس غذاؤهم نصح المسلمين وتقويتهم مرت الشهور على وفاة الشيخ وهو في سويداء القلوب وكيف يُنسى ونحن في كل يوم نجد من يذكرنا فهذا يذكرنا مالاً اسداه اليه الشيخ وذاك لا ينسى شفاعة الشيخ له في دراسته ووظيفته وثالث يترحّم عليه فقد شفي بإذن الله وفضله ثم معروف الشيخ بمساعدته ورابع وخامس كل يذكر للشيخ موقفاً مشرفاً وذلك ما القى له في النفوس ذكراً طيباً عطراً.
وما أن تنفس الناس الصعداء وارتاحوا قليلاً حتى وقعت عليهم مصيبة أخرى هي وفاة سماحة الشيخ الإمام العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز فعادت المدامع تسيل دموعاً وخفقت القلوب حزناً ورثت الأقلام والنفوس ذلك الجهبذ الفذ تم توالت مصائب فقد العلماء وكان آخرها وفاة سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .
من عايش الشيخ عن قرب يعرف فضله وعلمه فهو رحمه الله وهب جل وقته للجلوس للناس ولتعليمهم، فالمغرب من كل يوم له درس في المسجد اضافة الى دروس الجامعة وفتاوى الناس والجلوس في البيت يوم الخميس لاستقبال اسئلة الناس والاجابة عنها وجلسة كل شهر كذلك مع محاضرات وحديث بعد صلاة العصر ودروس في الطريق من المسجد الى البيت وجلوس في الصباح في العطلة الصيفية للتدريس ومع ذلك كله فهو واصل رحمه مجيب دعوة من يدعوه لمناسبة او اجتماع صالح.
أفنى الشيخ حياته رحمه الله في العلم والتعليم لم يلتفت لزخارف الدنيا فهو الى وقت قريب كان يسكن بيتاً من الطين حتى بعد خروجه منه سكن بيتاً متواضعاً مع قدرته على البذخ والإسراف ولكن اخلاق العلماء تأبى ذلك، حتى في لباسه كان متواضعاً تراه إذا مشى مطبقاً السنّة في كل احواله فهو يسلم على الكبير والصغير والراكب والماشي، يقف لاستفسار السائلين ويخرج احياناً من المسجد لاستفتاء بعض النساء خارجه بذل جهداً لا يعرفه إلا القريب في مساعدة طلبة العلم من الخارج فهيأ لهم المسكن المناسب وساعدهم مالياً بما يحتاجون حتى تفرغوا للعلم انتشرت كتبه واشرطته وبيعت في كل مكان ومع ذلك لم يسأل عن ثمنها وحقوقه منها غايته فقط نزول الكتاب بسعر مناسب للمشتري.
سجل الشيخ رحمه الله للناس مواقف يخلدها التاريخ فمع شدة مرضه وأوجه لم ينقطع عن الصلاة في المسجد ولا عن الفتاوى ومقابلة الناس حتى في مرضه الأخير، ودخوله للمستشفى يجيب على اسئلة المصلين ويقابل الزوار بترحيب ودعاء رغم اوجاعه الشديدة فرحمه الله.
كان الشيخ ورعاً تقياً عابداً ذاكراً لله في كل حين كتب الله له القبول في الأرض ترى من يسكن في ابعد البلاد يسأل عنه وعن اخباره.
ان عزاءنا جميعاً ان الشيخ رحمه الله شهد له الجميع بالفضل والاحسان نحسبه كذلك وقد اقبل على رب كريم.
عزاؤنا جميعاً ان صور هؤلاء العلماء لا تنتهي بموتهم، بل تعيش في المجتمع اقوالهم وأفعالهم وكتبهم وعلمهم يعمل بها طالب العلم ويرددها العوام متعلمين ويخلدها هذا الجيل للأجيال القادمة، ونحن مع هذا الحزن الذي ألم بالأمة نعلم يقيناً ان الأمة الإسلامية ما زالت بخير وما زالت كوكبة من العلماء تنير لنا الظلمات يسيرون على منهج السلف الصالح يحملون هذا العلم ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
نعلم يقينا ان الله حفظ هذا الدين فسخر من عباده من يسلك هذا الطريق ليكون نبراساً للآخرين.
رحم الله الشيخ محمد بن عثيمين وجازاه جنات نعيم وجمعنا وإياه في مستقر رحمته وأعلى درجاته في عليين وجبر المسلمين في مصيبتهم وعوّضهم خيراً منها وإنا لله وإنا إليه راجعون .
د, طارق بن محمد بن عبدالله الخويطر
معهد القرآن الكريم بالحرس الوطني
|
|
|
|
|