| الثقافية
* هل نستطيع ان نبتلع الماضي لكي نتمكن من العيش في الحاضر، ربما ليس ابتلاعاً بالكامل، فنحن بحاجة الى الماضي والحاضر معاً، وبغياب احدهما تضيع ملامح الآخر، نحن بحاجة الى روح حية ومرحة وجادة ايضاً ولكن كيف؟ هذا ضمن اسئلة كثيرة تدور عن الكتابة، وعن الكتابة التي تتضمن صوراً ساخرة بشكل خاص.
* اذكر قبل عدة سنوات أنني كتبت عن النفق الذي قضى فيه دودي الفايد وديانا نحبهما بطريقة ساخرة، مقارناً بينه وبين نفق اوسلو الذي كادت ان تقضي فيه القضية الفلسطينية نحبها هي الاخرى، وكان ان وصلتني بعد ذلك اسئلة من نوع لماذا تسخر من موتهما، وقلت في حينها انني سخرت من الطريقة وليس من الموت ذاته وهناك فرق، وقبل حوالي عشر سنوات استضافتني جمعية الثقافة والفنون بالدمام لقراءة قصص كتابي اذعان صغير الذي صدر بالقاهرة عام 1992م، وجدت الجمهور الكبير رائعاً ومتفاعلاً ولكن البعض ضحكوا من لقطات في الحوار الدائر بين شخصيات القصة اذعان صغير حول اذعان مواطن لطلب من الحقوق المدنية، وقد فرحت كثيراً لان ذلك يعني لي وصول فكرة النص الساخنة والساخرة للمتلقي وربما هذا نجاح للنص، وفي حياتي الخاصة لم استطع التخلص من هذه الحالة على الاطلاق ففي داخلي ربما هناك عيون اخرى تنظر للجانب الكوميدي في المواقف التي اقابلها مع الاخذ بالاعتبار الهام جوهره الجاد، ومن المواقف التي لا انساها وفقدت بسببها وظيفة، حين ذهبت مع اثنين من الزملاء الى احد مكاتب ديوان الخدمة المدنية للبحث عن وظيفة بعد التخرج قبل حوالي عشرين عاماً، كنا متحمسين للعمل بأسرع وقت لكن الموظف الذي استقبلنا صباح احد ايام السبت كان في حال يرثى لها وكنت اشعر انه جاء من احد مخيمات البراري القريبة مباشرة الى العمل ولم يمر على بيته، ومنظر هذا الرجل الذي قدم لنا وظائف على طبق من ذهب يثير الضحك بالفعل، حاول احد الزملاء ان يسأل عن مكان هذه الوظائف الجديدة لكنه فجأة انفجر ضاحكاً دون ارادة منه، وفي هذه اللحظة حاولت الاعتذار عن الزميل لكن الضحكة الضخمة المكتومة في صدري انفجرت ايضاً، اما زميلنا الثالث فلم يكن امامه من حل سوى ان يسحبنا بضحكته الصغيرة ويخرجنا من المكتب على امل العودة فيما بعد ولكننا لم نعد للرجل حتى الآن، وهكذا خرجنا نتبادل ضحكاً مكتوماً وحرجاً ونتأسف على وظائف ضائعة, وهذه الحالة مازالت تعيش معي، لكنها اقل حدة او انها بدأت تأخذ شكلاً آخر بعد هذه التجربة في الحياة، لكنها تظل موجودة على كل حال، وأرى انها بالنسبة لي تمثل الظل الظليل الذي أتفيأ فيه من حرارة الحياة الشديدة احياناً.
ضمن هذا السياق اتذكر أيضاً رأي الكاتب المعروف هنري ميللر عندما قال: وفي حوالي الاربعين من عمري بعثت من جديد بفضل احد الاصدقاء الذي علمني الضحك من كل شيء , واذن فان هذا الكاتب الكبير عاش 40 عاماً من الحياة الجادة والجافة حتى يصل الى عبارة رابلييه الذي قال:
لمعالجة امراضكم انصحكم بالضحك، لكن السؤال الذي بدأنا به هذه الفكرة لايزال يطل برأسه كيف نبتلع الماضي لكي نتمكن من العيش في الحاضر، كيف نزاوج ببراعة بين روح حية ومرحة لكن جادة ايضاً.
البقية الاسبوع القادم
فاصلة شعر من شوقي الامير:
قال الوهم سعيت الى وطن ناء
فصرخت،
كان الحجر الصامت حنجرة
والصوت الصائت يعبر مبتلاً في نورس
قال ردائي شمس فتعريت،
ولم يسطع في ظلماتي
قال يدي للوهم طريق،
فأبيت امد يدي لاصافح أشيائي
ص ب:7823
الرياض: 11472
|
|
|
|
|