| الثقافية
* حوار: سعيد الدحية
الناقد الدكتور معجب الزهراني طاقة نقدية في مشهدنا الثقافي، بل ان طروحاته النقدية المتميزة تجاوزت حدود المحلية,, فهو ناقد يسعى إلى تأصيل الطرح المعرفي من خلال رؤية حديثة تسهم في بناء النص الأدبي وتفاعله مع المتلقي.
الجزيرة الثقافية حملت العديد من الأسئلة الى الناقد الزهراني وحاورته حول جملة من الهموم والقضايا النقدية والأدبية الحديثة,, فكان الحوار على هذا النحو:
* اتسم الخطاب الثقافي في أوائل النهضة الثقافية في المملكة بوحدة الهدف العام وروح العمل الجماعي إلى حد كبير أما الخطاب المحلي الاليفيني ان جاز التعبير فأصبح أكثر تنوعاً ولكنه متسم بالسجالية والنفي المتبادل بين أبناء التيار الواحد، مما جعله ينصرف عن همه التنويري المفترض!
في عديد من دراساتي بينت كيف كان هاجس الاصلاح ناظماً مركزياً لكتابات جيل الرواد خلال فترة ما بين الحربين، فالأدباء آنذاك ما كانوا يكتبون المقالة والقصيدة والقصة والرواية والمسرحية إلا للمشاركة في بث وعي تنويري نهضوي تمثلوا أفكاره الأساسية عن طريق الأدباء الشوام والمهجريين والمصريين الذين كانوا يعتبرون النماذج العليا بالنسبة للعواد والفلالي والسباعي وحمزة شحاته وعبدالقدوس الأنصاري وحسين عرب ومحمد علي مغربي وعبدالله عبدالجبار وغيرهم من أدبائنا الشباب في تلك الفترة، هذا في اعتقادي ما يجعل انتاجهم يبدو لنا اليوم منطوياً على قضية جماعية واحدة وان اختلفت التعبيرات عنها من كاتب لآخر ومن شكل أدبي لآخر، بل هذا ما يجعل ذلك الانتاج يمثل خطاباً ثقافياً لا يزال يحتفظ بقيمته الريادية إلى اليوم، فمقولات العدالة والحرية والتقدم والتنمية,, تسمي المثل والطموحات التي تؤسس لأي خطاب ثقافي بالأمس واليوم وغداً.
أما بخصوص الوضعية الراهنة فلعلها نتيجة طبيعية لتلك التحولات الكثيرة والعميقة التي طالت مختلف جوانب الحياة منذ السبعينيات حيث بدأت خطط التنمية المنظمة والمنتظمة تفعل فعلها القوي في البنى العمرانية والرمزية للمجتمع، ومع كل ما لهذه السيروره العامة من آثار ايجابية إلا أنها اربكت الذهنيات وشوشت الرؤى والتصورات مما جعل خطابنا الثقافي يبدو في مجمله متخلفاً عما تم انجازه واقعياً.
ينضاف إلى هذا العامل التاريخي الاجتماعي الآثار السلبية التي ولدتها الخطابات الايديولوجية منذ الخمسينيات إلى الثمانينيات، وعندنا كما في معظم الفضاءات العربية، فالعلاقة بين خطاب ايديولوجي وآخر هي بالضرورة علاقة صراعية غير حوارية، خصوصاً وان بنى المجتمع المدني الحديث غائبة هنا وبالتالي لا غرابة ان تبدو تلك الخطابات معلقة في فراغ الادبيات التي ينتجها ويستهلكها المثقفون وحدهم، وهذه اشكالية عامة في مجتمعات عربية تهيمن عليها الأمية ومشروعية القوة أو الغلبة .
* لماذا لا يكون هناك توجه حاد لتفعيل دور الخطاب الثقافي كي يلامس هاجس الجماهير,,؟ وهل غياب المشروع الجاد والمتكامل لدى المثقف العربي بشكل عام والسعودي بشكل خاص يفسر هذه المظاهر؟
لا نريد تنمية الارتباكات فنضع اللوم كله على المثقف والثقافة، فالمثقف فرد في جماعة والجماعة جزء من مجتمع هو جزء من العالم بدوره بناء عليه فان عجز نخبنا الوطنية المثقفة عن بلورة خطاب ثقافي يواكب متغيرات الحياة الحديثة في مجتمعنا هو ظاهرة قد لا نعتذر عنها أو نبررها لكننا لابد أن نتفهمها في ضوء ما ورد أعلاه حتى لا نتوهم ونصدق ان المثقف يمتلك تلك العصا السحرية التي تفجر الماء من الصخر أو تشق الطريق في البحر.
فكثيرون منا كانوا ولا يزالون يبذلون أقصى الجهد لتوسيع مجالات الفكر وتعميق مسارات الوعي دونما تعلق بالأوهام الكبرى وهناك مؤشرات دالة في نظري على أن خطاباتنا الأدبية والمعرفية تعيش لحظة تحول سيعمق أثرها في المجتمع وتفاعلها مع الآخر والعالم من منظور جديد.
* يقول الغدامي ان الحداثة في الوطن العربي لم تحدث إلا على المستوى الشعري، هل هو محق في ذلك اضافة إلى أن العالم تجاوز هذه المرحلة الحداثة إلى ما يسمى بما بعد الحداثة، وكيف يسير المشهد الثقافي المحلي على ضوء هذه المتغيرات الثقافية؟
كتابات الغذامي في مجملها من أقوى الظواهر الدالة على التحول المشار إليه أعلاه ومن هنا أهميتها الاستثنائية في مجملها فالكاتب كان ناقداً متحمساً لاطروحات الحداثة والتحديث وهو الآن يتحول إلى باحث مفكر يسلط أدوات النقد الحديث والفكر الحديث على منجزات الحداثة من موقع التجاوز لامن موقف النكوص، أما تفاصيل أطروحته بصدد النقد الثقافي وموضوعه الخاص الانساق الثقافية العميقة فقد حاورتها وحاورته من قبل ولذا ألح فقط على ضرورة الاعتراف بأهمية الجهد المتصل والخلاق للباحث قبل وبعد أي نقد لأفكاره ومواقفه.
* أنت قارنت بين بول ريكور وبين الدكتور الغذامي في ابقاء ثغرة أو سؤال عن قضية ما للكتاب اللاحق بينما الغذامي يتنصل من جل منجزه السابق، ويعد النقد الأدبي سبباً للعمل الثقافي الذي أصاب الأمور وينادي كما هو معروف بنظريته الجديدة أو مشروعه الجديد النقد الثقافي، ما تعليق الدكتور حول هذا المحور؟
أردت بتلك المقارنة التأكيد على فكرة لانزال في أمس الحاجة إلى تفهمها، فمشروع البحث الجاد غالباً ما يفضي إلى غير ما كان يستهدفه الباحث عند المنطلق بما أن للبحث المعرفي منطقه الخاص، أما كونه يعتبر النقد الأدبي سبباً للعمل الثقافي فليس دقيقاً لأنه يعتبر الرؤية الشعرية الانفعالية واللاعقلانية هي الجذر الابستمولوجي لذلك العمى الذي يعمي عنه النقد الأدبي الراهن، ولذا كان لابد من تجاوزه إلى النقد الثقافي كما يطرحه الغذامي.
فالسياق سياق تحول وتجاوز لا سياق تنصل أو تنكر أو نكوص كما قد يتبادر إلى ذهن من يقرأ الكتابات على عجل ليصل إلى حكم قد يكون مسبقاً على الشخص وانجازه.
* هل النقد الأدبي ترف أكثر مما هو حاجة كما يقول البعض؟
ليس النقد الأدبي ترفاً أو ثرثرة بلا معنى أو غاية، انه مجال معرفي يحتاج إلى تكوين معرفي طويل وجاد ليكون الناقد منتجاً للمعرفة في مجال تخصصه وعمله، لقد ابتدأت النظرية النقدية مع الفلسفة أو مع علوم اللغة وها هي اليوم تعمق اتصالها بهذين الجزئين العميقين لتجدد خطابها باستمرار وهذا تحديداً ما يميز كتابات أهم النقاد المعاصرين عندنا وفي كل مكان.
* إلى أي مدى لفتت الرواية السعودية وعي الآخر الغربي والعربي لثقافتنا المحلية وإلى أي مدى تتفاعل هذه الرواية مع تيارات الرواية العالمية الحديثة؟
الرواية عندنا لا تزال في بدايات مغامراتها ولذا لا ينبغي الحديث عن حضورها عربياً أو غربياً، الرواية فن حواري وثقافتنا السائدة غير حوارية بمعنى انها لا تعترف بحقوق الاختلاف المبني على حقيقة التعدد في الحياة والفكر، ولعل أقوى دليل على وجاهة ما نذهب إليه هنا ان كتاباتنا الروائية المتجاوزة نسبياً لهذه الثقافة غير متداولة بيننا إلا في نطاق ضيق كما نعلم!
* ما مدى جدية الكتابة وهل يجوز لراو خاصة تقويل شخوصه ما يريد أن يقوله ومن ثم ينتقل من تبعات ذلك؟
لا كتابة ولا كلام بدون قيود أو حدود,, وفي أي مجتمع, القضية اذاً تتعلق بمدى العلاقة بين الكاتب وكتابته المغامرة والجريئة بطبيعتها والمجتمع اذ يميل إلى التشدد أو إلى التسامح.
* (لا رواية حقيقية دون أن تحيلك على واقع ما) ما المسافة التي يجب ان تفصل الرواية عن واقعها لكي تتجنب النقل المباشر وتبقى في فضائها الإبداعي؟
الجواب ليس لدى النقاد بل لدى المبدعين، فقد يكتب صنع الله إبراهيم من منطلق بحثي توثيقي رواية متميزة، وقد يلجأ إبراهيم الكوني إلى الغريب والعجيب حد الفنتازيا أو الهذيان فينجز رواية متميزة أيضاً.
* مجلة النص الجديد عمل جيد ولكن الا تلاحظ انه عمل ذو توجه واحد يغيب الاتجاهات الأخرى؟
بما ان المجلة تحمل اسم النص الجديد فمن الطبيعي تماماً أن يكون لها من اسمها نصيب، وإلا فما مبرر صدورها! وفي هذا الصدد وبحكم كوني من الذين حضروا بقوة في هذه المجلة باستمرار، ومنذ أن كانت مشروعاً يداعب الحلم، أتمنى لو تتوقف عن الصدور لان استمرارها بوضعها الحالي لم يعد متناسباً مع ذاكرتها الغنية والمتميزة رغم قصر المدة ومحدودية الانجاز.
* أين المسرح السعودي من خارطة الثقافة السعودية؟
المسرح السعودي سيظل ينتظر أزمنته المواتية فهو أكثر تطلباً للحوارية من الرواية بما أنه فن الجماعة والمجتمع بامتياز، وأزعم ان الانتظار سيطول رغم التوهمات المشروعة عند بعض الكتاب وبعض الممثلين، وفي كل الأحوال فان اشكالية المسرح العربي هي اشكالية عميقة الجذور في الزمن والمكان ولذا لا نجد أي بيئة مسرحية حقيقية إلا في القاهرة,, وأيضاً بشكل نسبي لا يسمح لأحد بمقارنتها بلندن وباريس ونيويورك.
* كم بقي للغرباء من مساحة في ذاكرة ابن السريون ؟
بقي لقرية الغرباء القديمة أوسع المساحات في الذاكرة والوعي والحلم, أما الغرباء الجديدة فلا أرى منها اليوم إلا بيوتاً حديثة موزعة بين الجهات وكأن أهلها يريدون الهروب من ذاكرة ما, أحياناً أتمنى لو تمكنا من ترميم تلك القرية المهجورة تقريباً منذ سنوات لكن الأمر صعب أو مستحيل بعد أن أكل قلبها كله بيت الفقيه جدي محمد رحمه الله وهو مبني من الأسمنت المسلح ومن يستطيع مقاومة الحديد والأسمنت في زمن الحديد والاسمنت بامتياز؟!
|
|
|
|
|