| مقـالات
الصدق مع النفس حالة نفسية لها هيبة ووقعٌ ولها عنف جبار وسطو مُرٌ لا يتلقاه إلا حر كريم رضع لبان نتائج قول: الحق له أو عليه، الصدق مع النفس حالة ثقيلة لمن لم يكن صالحاً إلا لنفسه هو لها أبداً على كل حال، وهذا صنف كثير أو لعله صنف كثير من الناس يُحب نفسه ولو قال ما قال ودلل وعلل،
ومن هنا ينشأ: الحسدُ والحقدُ والوشاية المدروسة ومن هُنا كذلك ينشأ ظن السوء والتساهل بأمور كثيرة تكون مع الايام أمراً طبيعياً كمن يحسد فهذا ديدنه أو يغش أو يظلم أو يشي أونحوِه حتى ليتصور بعد حين وحين انه إنما يأتي (حقاً) له لا عليه،
من أجل ذلك أورد بعض آثار مُهمة حول: مسألة البيع والشراء وسواهما حتى تتضح حالات لعلها لم تذكر أو لعلها هي تذكر من يُطالعها بما هو عليه من حال يجب ان يُراجعها فيسلم سلامة خيري الدنيا والآخرة ويعيش قرير العين مرتاح البال.
1 جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
1 أن تُباع ثمرةٌ حتى تطعم.
2 ولا يُباع صوف على ظهر.
3 ولا لبن في ضرع (1) .
والنَّهي هُنا من أجل: الجهالة والغرر لكن يجز الصوف من غير إضرار بالحيوان ويُحلب اللبن من غير إضرار بولد البهيمة ثم يُباع بعد ذلك بعد مُعاينة ورضا، وبيع الثمر يجب فيه ما يلي:
1 عدم جواز بيعه قبل بدء صلاحه من صفرة أو حمرة.
2 عدم جواز تغذيته بمحرم.
3 عدم جواز تغذيته بضار ولو كان مباحاً.
4 أن يُباع معلوم: القدر/ والصفة/ والنوع.
2 جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: من اشترى شاة محفلة فردها فليرد معها صاعاً (2) .
وهُنا مسألةٌ وهي غش ظاهر تقع بين باعة الغنم والإبل والبقر إلا من شاء الله وذلك أنهم يجنحون فيؤخرون: حلب الغنم والناقة والبقرة حتى يمتلى الضرع بالحليب فيتوهم المشتري أنها دابة حلوب كريمة وإنما هي مِصرَاةٌ لقصد البيع وقد تكون كبيرة أو مريضة فالمشتري له الحق في إعادتها ويلزم البائع قبول الرد جزاءً بسوء قصده والمشتري يُعيد معها صاعاً من تمر نظير ما حلب فإن لم يقبل: البائع الرد فالمال: حرام،
3 وقد جاء هذا النَّصُ واضحاً بمقتضى التحريم مع بيان الحكم وهو ماجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاتصروا الإبل والقم فمن ابتاعها بعد فهو بخير النَّظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وان شاء ردها وصاعاً من تمر متفق عليه.
4 وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال غلا السِّعرُ في المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال النَّاسُ: يا رسول الله: غلا السعر، فَسعِّر لنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله هو المُسَعِّرُ القابضُ الباسطُ، وإني لأرجو أن القى الله وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في/ دم/ ولا مال (3) .
5 وجاء كذلك عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن:
1 المحاقلة.
2 والمخاضرة.
3 والملامسة.
4 والمنابذة.
5 والمزابنة,
رواه البخاري قال ابن لحيدان وهذا من جوامع الكلم.
والمحاقلة هي/ بيع الطعام من حبوب قمح وأرز وشعير في سنبله لأن في هذا جهالة وغرراً.
والمخاضرة/ بيع التمر والثمر والحبوب قبل بدو صلاحها، وقد سمعتُ من يبيع ثمر/ النخل/ والطماطم/ والخيار قبل بدو صلاح الثمر.
والملامسة/ نوعان حسب فهمي ان يقول المشتري أو البائع كل ما وقعت عليه يدك بعتك اياه بكذا، والثاني ان يبيع كل منهما ثوبه لصاحبه اعتباطا دون نظر الى الثوب.
والمنابذة/ مثل الملامسة لكن دون: لبس والمزابنة/ بيع العنب الطري بالزبيب فهذا ربا لان فيه مفاضلة ويدخله: الغش لأن الزبيب قد يكون: قديما.
6 وورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قلت: يا رسول الله اني أبيع الابل في البقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وابيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ من هذه واعطي هذه من هذا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس ان تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء 4 وهذا نص واضح مُراده فان تفرُّق المتبايعين وقد بقى بعض الثمن جهالة لأنه قد يزيد السعر وقد ينقص.
قال ابن لحيدان هذا الحديث عندي: ضعيف وان كان رواه جمع من اهل العلم فان في سنده خللا وقد تبين من متنه ضعفه فما دام قد تم البيع وقبض كلاهما حقه وبقي من الثمن بعضه فلست أراه مؤثرا في مسألة كهذه وأوردت هذا الحديث هنا لبيان: درجته.
7 وجاء عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أبيع غلامين أخوين فبعتهما، ففرقت بينهما، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدركهما فارتجعهما ولا تبعهما الا جميعا .
الرق أصله عجز حكمي يحصل للانسان بسبب الكفر وبيان هذا في مطولات الفقهاء وهناك رق خطِر وهو الرق الثقافي والرق الأدبي وخاصة: الرواية فتنبه.
قلت ولا يجوز بيع ما يسبب ضررا على البهيمة خاصة النوق اذا كانت مرضعا لصغيرها وهي المسماة بالخلوج عند البعض ومثلها الماعز والشاة والبقر فلا يفرق بينها وبين صغيرها الا بعد الفطام المعروف: عرفا.
8 وورد معمر بن عبدالله رضي الله عنه فيما رواه عنه الامام مسلم في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحتكر الا خاطي الاحتكار هو: حبس السلعة حتى يرتفع سعرها ولا تكون الا عند تاجر أو بائع معين بحيث يبيعها كما يشاء وهذا فيه اضرار للسوق وظلم لمحتاج هذه السلعة، والاحتكار بجانب كونه ظلما فان فيه لؤم طبع.
9 وجاء عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
1 لا تبيعوا الذهب بالذهب الا مثلا بمثل.
2 ولا تشفوا بعضها على بعض.
3 ولا تبيعوا الورق بالورق الا مثلا بمثل.
4 ولا تشفوا بعضها على بعض.
5 ولا تبيعوا منها غائبا بناجز متفق عليه.
جرت عادة بعض تجار الذهب وتجار الفضة الورق بكسر الراء جرت عادتهم انهم يشترون الذهب القديم المستعمل ممن يعرض عليهم بأقل من سعره وذلك عن طريق استبدال الذهب القديم بجديد مع نقص في عملية الذهب المستعمل، وهذا ربا بيِّن ومثله عملية الفضة وقوله صلى الله عليه وسلم ولا تشفوا بعضها على بعض أي: لا تزيدوا لأن الزيادة هنا ربا أي ربح محرم.
ومثله بيع ذهب غائب بناجز بل لابد من البيع في الذهب والفضة ان يكون:
1 مثلا بمثل.
2 يدا بيد.
والتنبه الى هذا من ضروريات العمل التجاري خاصة عند الصاغة ومن يزاولون تجارة الذهب او الفضة.
10 وجاء عن أبي امامة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية فقبلها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا'.
رواه احمد وأبو داود وفي اسناده مقال (6) .
11 ومثله ماهو متداول بين بعض الدعاة وطلاب العلم وهو ما ورد عن علي ابن ابي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل قرض جر منفعة فهو ربا (7) .
قال في البلوغ واسناده ساقط.
قلت كما قال فالحديثان ضعيفان لكن هنا حالات لابد من بيانها وهي كما يلي:
1 تحريم الرشوة.
2 الرشوة حرام وظلم اذا كانت سببا في أخذ حق أحد لأحد.
3 تسمى الرشوة أحيانا: هدية وقد تكون على صورة وليمة لأن الرشوة لها: صور متعددة.
4 يختلف حكم الرشوة باختلاف سببها.
5 الرشوة وما في ما يسبب منع المطر وحصول الفقر والجشع.
6 عند التوبة مما قد يحصل من ظلم كرشوة وهضم حق ووشاية يترتب على ذلك ضرر مادي او معنوي يجب هنا اعادة الحق الى صاحبه خاصة المعنوي فيعاد اليه حقه كاملا من اعتبار وعلاج ان كان قد ترتب على ذلك مرض نفسي لأن بعض القهر بسبب الوشاية ونحوها يولد مرضا نفسيا متدرجا وهذا خطر شديد موجب لبوار الظلم ولو لم يدع المظلوم ولم يفزع الى الله تعالى والبوار وان تأخر فانه محيط بالظالم ولو بعد حين.
وبعض الناس قد يتفنن بالوشاية خاصة بين الأقرباء وقد تأتي الوشاية والظلم على سبيل النصيحة والبذل كحال الثناء يكون كثيرا على سبيل الذم والقدح وما هلك من هلك وبار من بار الا بظلم جاء على هذا السبيل وخاصة اذا كان الواشي متفننا ومتقنا للوشاية.
والبيع والشراء بين الشركات والأفراد يعتريه ما يعتريه من أمور اذا لم يعها كلا الطرفين بحذق ودراسة فقد يقع هنا ما موجبه ظلم او أكل للحرام.
وقد بينت الشريعة شروط وأركان وضوابط البيع والشراء كما بينت كذلك مبطلات وعوارض البيع والشراء بين شخص وآخر وبين مؤسسة ومؤسسة ومؤسسة وفرد وشركة وشركة وشركة وفرد أو أفراد.
ولما كنت قبل الآن قد بينت هذا بواسع من النظر المكين فان ما بينته هنا من النصوص عند فهمها والاحاطة بها وكذا سؤال العلماء المتقنين يبين ما يحتاجه الانسان من امور لابد له منها حتى يكون امره بيناً ولا يكون امره عليه غمة.
المراجع والبيان
(1) أخرجه أبو داود والطبراني، والدار قطني قلت هو : صحيح.
(2) رواه البخاري قال في البلوغ وزاد الاسماعيلي من تمر .
(3) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وقال ابن حبان صحيح، قال ابن لحيدان هو كما قال.
(4) رواه: الترمذي والنسائي وأبو داود والنسائي وتصحيح أبي عبدالله الحاكم له ليس بذاك لكن له شواهد، قلت: وقد تكلم في سنده الترمذي.
(5) اخرجه احمد في المسند والطبراني وابن الجارود واخرجه ابن حبان في: صحيحه قال ابن لحيدان هو: صحيح صححه ابن حبان وابن خزيمة ولم أر من رده ببيان صحيح.
(6) بلوغ المرام ص 172.
(7) المصدر السابق ص 176.
|
|
|
|
|