| فنون تشكيلية
الرسام الفرنسي بيار أوغست رينوار، من عباقرة الفن في العالم,, في سن الثالثة عشرة من عمره بدأ رسم بعض الأشكال البسيطة على الخزفيات، وذلك بقصد مساعدة والده المتوسط الحال الذي كان يعمل خياطا رجاليا, عندما ولد رينوار عام 1841م قرر والداه الانتقال من قريتهم الصغيرة الى باريس العاصمة التي كانت تعيش فرحة انتصارات نابليون بونابرت, وهناك بدأت بوادر نبوغ رينوار تبدو للعيان، ولكن عندما قدم أولى لوحاته الضخمة وكانت تسمى امرأة باريسية بملابس جزائرية، رفضها المديرون المسيطرون على الصالونات الفنية والأدبية في باريس، ورينوار يواصل تثبيت قدميه كواحد من أساتذة الموجة الانطباعية في فن الرسم, بعد سنوات تطور السحر الكامل لفن رينوار الانطباعي، وبدأت خصوبة خياله تجنح بشكل لا حدود له فوصل الى قمة الشهرة, لقد صار يجسد في لوحاته أفكارا غير مسبوقة، وصارت تلك اللوحات روائع يتخاطفها عشاق الفن التشكيلي, وتباع بمبالغ خيالية فتمتع بالثراء العريض بعد أن ذاق مرارة الحرمان وشظف العيش في طفولته, وانتقاما من أولئك النقاد الذين تحكموا في سوق الفن وكثيرا ما رفضوا لوحاته في البداية.
صار يقتني لوحات الرسامين المتبدئين ويعرضها في مرسمه ويبيعها بأسعار كبيرة ويفتح أمامهم آفاق الشهرة والنجاح,, متخطيا أولئك السماسرة والنقاد الجاحدين, وهكذا جمع ثروة عظيمة من خلال الاهتمام بالفن الانطباعي الذي أخذ يهيمن على عالم الفن,, والانطباعية في الرسم تعني التأثر بما تشاهده من مناظر وصور وألوان في الطبيعة تنطبع ذاكرته ومن ثم ينقلها الى لوحات مع بعض الانفعالات الداخلية والألوان المبهرة.
عندما استقر رينوار ماديا بدأ يجتاحه هاجس السفر والترحال مثل كل المبدعين الباحثين عن المجهول والجديد والمتألق,, يستمدون منه مادة لرسوماتهم، أعجبته شمس الجزائر المشرقة عندما زارها وسحرته بتعدد الألوان في طبيعتها، فرسم العديد من اللوحات من وحيها، واستقبله النقاد بحفاوة بالغة,, وزادت شهرته وثروته.
قرر عام 1890م الزواج من الموديل الحسناء آلين شاريجو في مقاطعة بورغاندي الفرنسية، وزاد نشاطه وترسخت طريقته الانطباعية في الرسم وصار في لوحاته يلقي الضوء على الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة في فرنسا,, ونتف من حياته الشخصية فكانت لوحاته علامات وتسجيل حي لفترة تاريخية فنية من حياة بلده.
كان رينوار يميل الى التعبير عن الجمال الأنثوي بأكمل صوره، وعن الجاذبية والسحر في الحركة وتعبير الوجوه، من الحركة والانفعال الذكي، رسم العديد من اللوحات لزوجته وهي تحمل طفلهما الأول بيار، لقد حاول أن يحلل كل شيء في الحياة الى أشكال دقيقة ودوائر ومخروطيات بأسلوب حديث غير مطروق من قبل ثم عاد الى أسلوبه الكلاسيكي, كان يجرب ويبحث ويصور الحياة المعاصرة القادمة في ذلك الوقت, لقد أراد ان يحيط لوحاته بجاذبية عالمية الى جانب الاحتفاظ بشخصه كفنان عبقري.
ولكن عاش رينوار مأساة خاصة، لقد حصل على الثروة والشهرة ولكنه تعذب من مرض التهاب المفاصل, تشوهت عظام جسمه، وجف جلده، ولم يستطع الحركة أو السير وظل حبيس مقعده المتحرك,, وشلت يده اليمنى التي يرسم بها عبقرياته اللونية, كان يربط الريشة الى أصابعه المتورمة ويحاول الرسم, واتجه الى صنع تماثيل عن طريق توجيه فنان شاب يساعده, توفيت زوجته عام 1915م, وجرح ولداه الشابان جان وبيار في الحرب فغمر قلبه الحزن العميق وكان يقول: عندما ارسم الأزهار والورود يرتاح قلبي ويصنع قيما لونية وظلالا عذبة، وصار سحر الألوان لديه أكثر قوة وعظمة,, الألوان تتجاوز العالم المادي وتغمر كل شيء بقوة الجمال, ولوحاته الأخيرة تبدو شفافة وكأن الألوان تتوهج مثل الغبار الدقيق الملتصق على جناحي فراشة ملونة, كان طاهرا غير معقد وانسانا بسيطا ودودا,, حاول أن يجسد الحياة بشكل متناغم وسعيد.
رسم ستة آلاف لوحة على مدى ستين عاما، وتباع لوحاته الآن بالملايين بالمزادات العالمية.
منى الذكير
|
|
|
|
|