| محليــات
هذا البحر الممتد على مدى النَّظر,.
في,, سكونه ما يدعو للتأمل الصَّامت، بمثل ما يبعثُ الحسَّ الصارخ,.
الخوف من مدى عمقه، يعادل الخوف من مدى اتساعه وبُعده,.
جدة النائمة اليقظة فوق شاطئها,, لا يحاجُّها النُّهى كما ناداها شاعرها العبقري حمزة شحاتة ,, فالنُّهى بين شاطئيها قد رحل,, ولَّى مع عَصرنة الهدوء في مدى الصَّخب، وصخب الهدوء في ثورة الحركة، وتمازج الأشياء في سرعة الحركة,, حتى غدا الجنون سمة المكان، بمثل ما هو سمة الزمان، فجدَّة المكان، لا تختلف اللَّحظة عن جدَّة الزَّمان,, فأينها وعقلنة العمَل في صهر كلِّ معقولٍ على واقع اللامعقول؟ وحمزة شحاتة ، وأحمد قنديل لم يعد لصوتهما ما يبعث الوجدَ في نداء القرية الخضراء ، وجدَّة النُّهى ، ذلك لأن عبير الكادي ليس كانسيابية الموجة، في لحظة تداخل العبير وضياع الموجة,,، ذلك لأن المسافة بين صوت النِّداء الحميم، وصوت الصَّخب الأليم قد تفتَّقت عن بوحٍ جامدٍ في عباراتٍ آليةٍ قُتل فيها الحسُّ,, وإلاَّ فأين الشعراء والشعر؟ وأين الأحلام والصَّفاء؟ وأين النِّداء تحمله الموجة، أو بساط الريح، فيأتي بالذي يقابله من الحدس المقابل؟!,.
وعلى الرغم من أنَّ زمن العلم الآن يمحور البحثَ في أدقِّ الأمور، ويلهثُ في تجاويف الدِّماغ، ويحلِّل حركة المؤشرات، وأسهم الاتجاهات في تركيبة الرأس، ويوظِّف الحركة والإشارة، والصّمت والصّوت، واليقظة والنَّوم، والانفعال والسلوك، في الحالات كلِّها كيفما تتوصَّل إليه آليات المعامل، أو نتائج الأزرَّة اللَّيزرية، أو صور الانعكاسات الإشعاعية، إلا أنَّ النِّداء والحدس عند أولئك، بين نداءٍ وإجابة، كان أقوى وأصدق قبل أن يلج أولئك ما هو عليه هؤلاء، في لحظة سكون البحر وامتداده في جدَّة النائمة اليقظة لا يحاجُّها النُّهي.
ولكن,.
ألم يقل شحاتة بأن النُّهى بين شاطئيها غريق؟
للِّه درُّه، فلقد تنبَّأ بما أتى,,، وكان ذلك منطلق عبقريته؟
فمن الذي يأتي بنبوءة تفجُّر بركان الصَّمت في مدى البحر، وسكونه بما لا يدريه من كان قبلاً؟
وما لا يحيط به من سيجيء بَعداً,,، وكلُّ النبوءات في تركيبة الصمت والصوت، تأتي بجديدٍ، إلا أن يكون هناك عقلٌ يَعقل، أو لا يكون هناك ما هو يُعقل، في زمنٍ يتلوَّى بما فيه، وبقادمٍ يبرأُ ممّا فيه؟.
فمن تنبَّأَ بجنون الرَّاهن؟ إلاَّ من تخطَّى، وتمطَّى، في أخيلته غير السرابيِّة من ذوي الحسِّ اليقظ الذي لم يكلّ ولم يملّ، ولا أحسب أنه هدأ بصاحبه، إلا حين أسلم الروح,,، وربَّما ترك صوته، وصدى يقظته، وحفيفَ غضبه، وعنفوان أثره، تُحرِّكُ في صمت الورق أصداءَ الحياة؟!
ومن الذي أدرك أنَّ الجنون يتنوع، وتتسع دائرته، وتختلف أنماطه، وتتلوَّن أشكاله؟
ولا يفتأ أن يحلَّ في الحيوان، كما حلَّ ويحلُّ بالإنسان؟
ومن الذي لا يقول إنَّ الريح جنونٌ، وإنَّ الغضب جنونٌ، وإنَّ الطوفان جنونٌ، وإنَّ الرعود جنونٌ، وإنَّ البروق جنونٌ، وإنَّ المطرَ الغزيرَ جنونٌ، وإنَّ البكاء!! جنونٌ؟
وإنَّ,, الاختلاف جنونٌ؟!
هذه لحظات الجنون تعبثُ بموج البحر,.
تلك الصورة التي لازمتني طيلة أيامٍ ستةٍ، ما بارحتُ فيها شاطىء الأحمر في لحظات ليله ونهاره، وتلك القواقعُ الصغيرة قد تخلَّت عمَّا بداخلها، وصمتت فوق التراب بجنونٍ؟!
ونُهى الشاطئين غريقٌ,,.
وتلك النبوءات تصطلي في أُتون بوتقتها,, تتيقَّظُ، وتتبركنُ، كي أرسلها في لحظة صمتٍ ناريٍّ صاخبٍ في زجاجة صغيرةٍ إلى حيث لا أدري,.
تحمل نبوءة الحدس الذي لا يهدأ,.
بأنَّ ثمَّةَ من سيقرأ سطورها ذات يومٍ,.
وبأنَّها ستذهبُ من جدَّة فاقدة النُّهى,,، إلى حيث ,, مارستانات العالم الذي أجهل، في قادمٍ لا أدريه، ربما تلتقي بسواها مما قذفتُه مودَعاً في المسيسبي ، والآخر في الدَّانوب ذات لحظات، كانت لواعج القادم تهيج بشيء,,، لم يكن يخرج عن نبوءة الجنون الكوني.
تُرى,.
هل ستلتقي الرسائلُ الثلاث ذات يومٍ حين تتحوَّل مجاري البحور والأنهار، وتفاصيل اليابس والجامد، إلى بسطة ماءٍ كبيرٍ يلتهمُ خيال الإنسان، بمثل ما يمتزج برفاته النَّائمُ تحت التُّراب الممتزج بذرّاته؟
وهل سيرتفع صوت التَّوجُّس، بما كان من التَّوقُّع، ويصلني حيثُ أكونُ صداهُ؟
أشيءٌ من الجنون هذا,,؟
في ضياع النُّهى، منذ غرق البحرُ بين شاطئيه,,، وسرى في ليله ونهاره، بنبوءة الحلم,,، بصوت الذي يكون، وأسرى؟!
لكنَّ ثمة ما يؤكد نبوءة الذي يكون في فرح النُّهى وكل جميلٍ قد أتى,,.
|
|
|
|
|