رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 17th January,2001 العدد:10338الطبعةالاولـي الاربعاء 22 ,شوال 1421

الجنادرية 16

رحلة العمر مع الجهيمان
عبدالرحمن بن زيد السويداء
الرواد الأوائل في كل مجال لهم ميزة خاصة قد لا تنطبق على من يأتي بعدهم، ذلك أنهم عاشوا ظروفا تختلف تماماً عن ظروف خلفهم هذه الظروف التي قد يكون لها أثر فعال في صقل مواهبهم وشحذهم وبناء شخصياتهم المميزة، من ذلك قساوة الظروف المحيطة بهم وصعوبة سبل الحياة وشح الأرزاق واليتم أو ما يشبه اليتم من تشتت الأسرة وغير ذلك من الأمور التي تصهر الإنسان وتحيله إلى النضوج المبكر وتغرس فيه الثقة بنفسه في العقد الأول من عمره، هذه الظروف تجعل من يبلغ العاشرة من عمره توكل إليه مهام قد لا يقوم بها الآن مثيله من أبناء الثلاثين سنة، وتجعل من له 15 عاماً يحمل السلاح ويأخذ دوره مع المحاربين الذين يذهبون في الغزوات من الرجال الذين هم في العقد الثالث والرابع والخامس من أعمارهم هذه الظروف إما ان تجعل الإنسان إنساناً بمعنى الكلمة أو يصبح إنسانا عادياً، فإذا وافقت معدنا طيبا فإن حرارة صلوها لا يزيده إلا صقلاً وصفاء ومن هنا تبرز مجموعة الرواد كل في مجال اختصاصه الذي يتميز به، ومن هؤلاء الرواد الشيخ عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان الذي لاقى من ظروف الحياة وقسوتها منذ طفولته ما لاقاه الكثيرون غيره لكن هذه الظروف وجدت عنده معدنا طيباً زاد معها صفاء ونقاء ونضوجاً مبكراً فخاض غمار ميدان الحياة على صغره وكأنه المجرب المتمرس واتجه إلى منار العلم وهو النبراس الذي يضيء للإنسان معالم الطريق فقرأ القرآن الكريم كغيره ممن كانوا يتعلمون القرآن ومبادئ الكتاب عند المعلمين أو من يسمون المطاوعة و الخطباء في ذلك الوقت، ولكن طموح الجهيمان لم يتوقف عند هذا الحد بل كان يتوق إلى ما هو أبعد من أفق القرية الضيق إلى ما هو أبعد من ذلك وسافر إلى الأماكن البعيدة في ذلك الوقت عندما كانت وسيلة السفر على ظهور الإبل سافر إلى مكة المكرمة على مسافة نحو 15 يوماً على ظهور الإبل وذلك لمواصلة التعليم وعندما حصل على الشهادة الابتدائية التي تعتبر في ذلك الوقت أعلى شهادة رسمية وهي التي يشار إلى حاملها بالبنان فيقال فلان معه السادسة وكأنه يحمل درجة الدكتوراه في وقتنا الحاضر وربما أعلى منها تخطفته الأيدي ليكون معلما، ومن هنا شق طريقه في الحياة العملية ولكنه لم يقنع بأن يكون معلماً فقط كما اقتنع غيره وبقوا في مجال التعليم حتى استنزف طاقتهم وحتى إدارة المدرسة لم ترو ظمأه لأنه كان يتوق إلى ما هو أسمى من ذلك، فقد ترسخت فيه الثقة بالنفس وأراد ان يباشر الحياة ويدخل من باب أوسع وأفق أرحب فترك التعليم إلى الوظائف الأخرى التي تعطيه مدى أبعد من الانفتاح على الآخرين فكان يقرأ أفكار من سبقوه لا في بلده فحسب وإنما في الأقطار العربية الأخر, ومن هنا تكونت وتخمرت ثم ولدت لديه محبة الصحافة، لم يتوان عن اقتحام مجال الصحافة ويقل إن مستوى من يكتبون فيها أعلى من المستوى الذي بلغته، ولكنه صممم على اقتحامها بالثقة بنفسه وبما يحمله بين جوانحه من الطمورح والرؤى البعيدة وإن كانت الصحافة مما جلب له بعض المتاعب، لكنه إرواء الظمأ وإرضاء الذات وكل ما يحصل له في سبيله فهو عليه سهل، ذلك أنه يشعر في أعماق ذاته انه يجب أن يعبر عن رأيه بكل جرأة فكانت مقالاته التي نشرها في عدد من الصحف منها الصحيفة التي أنشأها بالظهران باسم أخبار الظهران قد تمثلت في ثلاثة كتب هي دخان ولهب وأين الطريق و آراء فرد من الشعب هذه المقالات التي عبر فيها عن رأيه إزاء مواضيع مختلفة في وقت لم يكن هناك على الساحة الصحفية إلا قلة من أمثاله في هذه الأثناء كان في فترة الشباب وما يزخر به فكر الشاب من الطموحات والتطلعات التي يتمناها ويتوق إلى تحقيقها، ومن يكون لديه طموح لا يتوقف إذا عاضلت الظروف في تحقيق ما يصبو إليه وكثرت النتوءات والمنحنيات والمزالق في طريقه ولكنه يسلك جادة أخرى لعله أن يصل من خلالها إلى ما تهفو إليه نفسه وإن كانت هذه الجادة أقل تحقيقا لما في نفسه ولكنها قد تشبع رغبة عنده يتمكن عبرها من خدمة وطنه ومواطنيه وأن يرصد شيئا من تراث مجتمعه ذلك التراث الذي كان معظمه قفراً لم يطأه أحد أو يمر به إنسان، فبدأ يرصد الأساطير الشعبية التي كانت مجال التسلية الوحيدة التي يتناقلها الرواة من الرجال والنساء في المجالس الخاصة والعامة هذه الأساطير التي كانت تروى على ما يحدث على ألسنة الجن والسعالي وهي ترمز إلى معان ومغاز لها أهميتها، صدر من هذه الأساطير خمسة مجلدات تزخر بهذه القصص الأسطورية التي كانت تدور على ألسنة الرواة وكانت تروى للأطفال والصبيان والصبايا لتنمية مداركهم وتوسيع خيالهم وتصور ما فيها من مفاجآت وأحداث مثيرة تكون في الغالب خارقة للمعتاد وطالما تحلق الصغار حول الأجداد والجدات وأنصتوا بآذانهم وحواسهم للاستماع إلى هذه القصص الأسطورية وكانت تسلية مفيدة للصغار قبل ظهور وسائل الإعلام الحديثة المسلية ولولا مبادرة الشيخ عبدالكريم ورصدها لضاعت مثل ما ضاع غيرها، ولم يتوقف توجهه نحو الصغار عند تسجيل الأساطير التي تعجبهم بل انبرى ليسجل لهم قصصا مصورة بالألوان لتكون أكثر رسوخاً في أذهانهم وابلغ أثراً في عقولهم فكانت عشرة كتيبات كل قصة في كتيب مستقل يحوي أحداث القصة ومجرياتها وتفاصيلها فتلقفها الصغار بشوق ولهفة إلى قراءتها، وكأن حاسته الوطنية والتربوية أشارت إليه ألا يتوقف عند هذا الحد بل يتابع تطلعات هؤلاء الأطفال عندما يجتازون هذه المرحلة فأوجد مكتبة الأشبال وهي عشر قصص أخرى تناسب أعمار الصبيان والصبايا الذين تأسسوا على قراءة كتيباته الأولى فصار لديهم حب القراءة أحد مقومات شخصياتهم ومفتاح معارفهم والشمعة المضيئة في طريقهم، ولم يغفل الشريحة الواسعة من المجتمع الذي يعيش فيه حيث أصغى إليه بكل جوارحه وأحاسيسه ليستمع إلى تلك الأمثال التي تدور على ألسنة الناس في أحاديثهم الخاصة والعامة فقام برصد عشرة آلاف مثل من الأمثال الشعبية في مختلف شؤون الحياة هذه الأمثال ضمنهاعشر مجلدات, يحتوي كل مجلد على ألف مثل وعند ذلك أحس أنه أدى جزءا من واجبه نحو مجتمعه في الجزيرة العربية بطولها وعرضها ثم استنشق الهواء وخرج من جزيرته المحبوبة إلى خارجها وكانت باريس محط أنظاره الأولى، والتي تتوق نفسه لزيارتها في الوقت الذي كانت فيه باريس تعد مركز اشعاع فكري يعشقها الكثير ممن هم في مستوى تفكير الجيهمان، ولم يكتف بمثل ما يكتفي به الكثير ممن يزورون البلدان الأخرى بالنظر إلى معالم البلد الذي يزوره ويتمتع بمباهجه ولذاته لكنه رصد ما شاهد مما أعجبه في باريس وما يمكن ان يبوح به كاتب مثله دونما غضاضة أو إحراج وقدمه لقارئيه كتابا يقرؤه كل قارئ بعنوان ذكريات في باريس هذا الكتاب الذي يعكس انطباعاته في بلد يختلف عن بلده ثقافة ونهجا وأطر حياة وسكانا ومناخاً وغير ذلك وكان يتمنى في حياته وهو يرى الشمس هذا الكوكب الوهاج المنير ان يدور مدارها في الكون وأن يرى كوكب الأرض الرائع بجماله وجاذبيته فكان له ما أراد من دورة حول الكرة الأرضية على مسار الشمس الذي طالما حلم به وهو يافع وتمناه وهو كبير، وفي هذه الرحلة الكروية لم يقف موقف المتفرج المبهوت لكنه كان يرصد ما يراه ويسمعه وتدركه حواسه في كل قطر يحط فيه رحاله وتهبط فيه مطيته مبتدئا من غرب الكرة الأرضية ومنتهياً في شرقها فقدم للقارئ كتابا باسم دورة مع الشمس وهذان الكتابان يمكن تصنيفهما تحت مسمى كتب الرحلات بعد هذا عاود الكتابة في الصحف بعد أن نضج تفكيره ورأى أشياء لم يرها عندما كان يكتب في مرحلته الأولى عندما كان يتطلع إلى جوانب الأفق يتطلع إلى الضياء من أي صوب أتاه، الآن استوت أفكاره ورأى الكثير وسمع الكثير فجاء كتابه أحاديث وأحداث زاخراً بهذه الانطباعات الناضجة التي رآها وسمعها ووعاها بذهن متفتح ناضج بعد ذلك وضع عصا الترحال فعاوده الحنين إلى الذكريات التي تشده لماض من حياته وشبيبته الأولى ومقدار اللذة التي يجدها في تلك الفترة من حياته فنبش محفوظاته حيث وجد فيها ما ينعش وجدانه ويهز جسمه النحيل بنشوة واهتزازة طرية متوثبة فاختار من هذه المحفوظات كتابه رقم (13) وسماه رسائل لها تاريخ وهي تعني بالنسبة له شيئا عظيما وتعني بالنسبة للقارئ ومضة وفاء لمن كان له بهم علاقة معينة أياً كانت هذه العلاقة فهي وفاء منه لهم وأي وفاء.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved