|
| متابعة
بفقد العلماء يحل ظلام الجهل على الامة ويشتد الظلام كلما توالى فقدنا لعالم من علماء الأمة,, ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر,, فنسأل الله أن يجيرنا في مصائبنا وان يخلف لنا خيرا منهم,, فبالأمس القريب فقدنا سماحة الوالد العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله,, واليوم نفقد فضيلة الوالد الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله رحمكم الله يا شيوخنا واسكنكم فسيح جناته اللهم اجعلهم في الفردوس الاعلى من الجنة,, مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا إنا لله وإنا إليه راجعون الله اجرنا في مصيبتنا وأخلف لنا خيرا منها,, وبارك لنا فيما بقي من علمائنا واحفظهم يا رحمن وأمد بعمرهم على طاعتك,, ووفقهم للصواب,, ووفق شبابنا لطلب العلم النافع,, آمين.
أيها الأحبة,, ان من فقد سماحة والدنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وهو يعرفه عن قرب وتعامل معه فان المصيبة عليه مصيبتان مصيبة فقد عالم من علماء الامة وهي مصيبة نسأل الله سبحانه وتعالى ان يعوض الأمة الاسلامية خيرا بفقده.
والمصيبة تكبر عندما تفقد والداً مربياً فاضلاً عرف بالعلم والتقى والورع والزهد,, وتميز رحمه الله بالتروي في الامور والتعامل مع الآخرين فلم يكن يستعجل في الحكم على الناس ولم يكن يتخذ قراراً ارتجاليا كان منهجه رحمه الله منهج الأنبياء والخلفاء الراشدين والسلف الصالح ما ان تصله معلومات او شكوى حول موضوع معين او شخص ما، فمهما نقل اليه او قيل له أو كتب له وعرض عليه الا كان منهجه الروية والرفق والتحقق مما ذكر,,وما يصدر قرار الا بعد يقين جازم ,, وكان يبادر بالنصيحة مرات عديدة قبل اتخاذ أي قرار في أي موضوع كان,, فانه رحمه الله يتعامل مع كل ذلك,, تعامل الطبيب المعالج لاعضاء المريض بالعلاج الناجع,, وكان يجعل الكي آخر الطب,, ولا يلجأ لبتر العضو الذي يمكن علاجه بل كان رحمه الله يدعو الله سبحانه وتعالى ان يهدي الضال ويرد المنحرف,, ويقدم النصيحة لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم وفي صحيح مسلم عن تميم الداري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم قال العلماء: النصيحة لله اخلاص الاعتقاد في الوحدانية ووصفه بصفات الألوهية وتنزيهه عن النقائص والرغبة في محابّه والبعد من مساخطه,, والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتوقيره، ومحبته ومحبة آل بيته، وتعظيمه وتعظيم سنته، واحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتفقه فيها والذب عنها ونشرها والدعاء اليها، والتخلق باخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم, وكذا النصح لكتاب الله: قراءته والتفقه فيه، والذب عنه وتعليمه واكرامه والتخلق به, والنصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، ارشادهم الى الحق وتنبيههم فيما اغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم, والنصح للعامة: ترك معاداتهم وارشادهم وحب الصالحين منهم والدعاء لجميعهم وارادة الخير لكافتهم.
وفي الحديث الصحيح مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى سئل رحمه الله عن المناصحة وعن انكار المنكرات وجهود فضيلته في ذلك حيث ان هناك من لديهم عدم معرفة بمنهج الشيخ رحمه الله في التعامل مع هذه الامور فأوضح رحمه الله حيث قال: ان انكار المنكر يتطلب امرين الأمر الأول ان يستجاب للانسان ويزال المنكر الذي طلب ازالته,, وفي هذه الحالة لا يجب ذكر ما قام به الانسان من جهود في ازالة المنكر حيث انه ذكر مثل هذه الامور ينافي الاخلاص,, الأمر الآخر ألا يستجاب للانسان في ازالة المنكر فيذكر انه طلب ازالة المنكر ولم يسمع له فيكون في ذلك اثارة لاخير من ورائها وكان رحمه الله يرفض التطرق في دروسه ومجالسة والنقد لأشخاص بأسمائهم بل يلمح دون تصريح او تجريح ويقول ما بال اقوام,, رحمك الله فقد كنت حليما,, عالما,, زاهدا,, رفيقا بالضعفاء والعصاة,, ناصحاً أميناً,, مارست دورك البناء في نشر العلم والدعوة الى الله وقد جاء في الحديث عنه انه قال: اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له وأنت يا شيخنا رحمك الله جهودك مشكورة كتبك متعددة شروحاتك بذلت فيها جهدا وانفقت وقتك ومالك في الدعوة لله سبحانه وتعالى وقمت بما أوجب الله عليك من بيان للحق ودحض للباطل وان الامة الاسلامية لمصابها جلل بموتك,, وقد جاء في الحديث: ان الله لا يقبض العلم انتزاعا من صدور الرجال ولكن يقبضه بموت العلماء حتى لا يبقى عالم فيتخذ الناس رؤساء جهالا فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون ,, اللهم يا رب السموات والأرض يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يا رب كل شيء ومليكه أسألك ان ترحم شيخنا وتسكنه فسيح جناتك,, وتبارك لنا فيما بقي من علمائنا وان تحفظهم وتمد بعمرهم على طاعتك,, وتوفقهم للصواب,, وتوفق شبابنا لطلب العلم النافع وتبارك فيما ورثه علماؤنا رحمهم الله من علم نافع آمين,, وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبدالله بن ابراهيم السلوم
مدير ادارة الاوقاف والمساجد والدعوة والارشاد بمحافظة عنيزة
|
|
|
|
|
