| متابعة
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
في هذا الحديث بيان أهمية العلماء الذين أورثهم الله ومنحهم ميراث انبيائه، ورضيهم للقيام بحجته والنيابة عنه في الإخبار بشريعته، واختصهم من بين عباده بخشيته فقال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) كما ان في هذا الحديث بيانا لخطر ذهابهم، لأن في ذهاب العلماء ذهاب العلم الذي هو الطريق الى معرفة الله والوصول إلى رضوانه والفوز بجنته فإذا ذهب العلم وقع الناس في الجهل والشبه والشكوك، وقد أدرك السلف هذه الحقيقة فهذا عمر بن عبدالعزيز كتب إلى أبي بكر بن أخزم يقول له: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ، لأن ذهاب العلماء يفتح المجال لأن ينطق بالعلم ويدعيه من ليس من اهله، وهذا سبب في انقلاب الاحوال وتناقصها، وسبب في ضلال الناس وزيغهم واختلاف أمرهم وتفرق كلمتهم، وهذا واضح في واقع الناس اليوم، فإن أكثر بلاد المسلمين اليوم تعيش فتنا طاحنة يؤجج نارها أدعياء العلم وسفهاء الأحلام من الذين لم يثنوا ركبهم في حلق العلماء ولم يسترشدوا بآرائهم، فتلك البلاد لما خلت ساحتها من العلماء (الربانيين) اطلت الفتنة برأسها ونطق الرويبضة ووسد الامر إلى غير اهله، وعلى العكس من ذلك فإن أكثر بلاد المسلمين اليوم أمنا واستقرارا البلاد السعودية التي تسير بحمد الله على هدي الشريعة بسبب وجود علماء ربانيين وولاة أمر صالحين نحسبهم كذلك وهكذا فإن وجود العلماء يعتبر صمام الأمان للامة، وبالمقابل فإن موت العلماء الربانيين ينتج عنه ظهور البدع وارتفاع أعلامها وبروز اقطابها ودعاتها، كما ينتج عنه انتشار الفساد الاخلاقي بسبب فقد العلماء الذين ينكرون المنكر ضمن ضوابط شرعية وأصول مرعية، إلى غير ذلك من الشرور التي لا تخمد إلا إذا وجد العلماء الربانيون، ومن هنا فإن الفاجعة بموت العالم ليست كأي فاجعة، وقد توالت على أهل السنة في العامين الأخيرين فواجع يشيب لها الولدان وذلك حين ودعت ثلة من أكابر علمائها الربانيين، كان في مقدمتهم شيخنا الامام الهمام العلامة السلفي الكبير سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، وشامة بلاد الشام الامام السلفي المحدث الكبير الشيخ محمد ناصر الدين الالباني عليهما الرحمة والرضوان وخلال هذا الاسبوع حلت بأهل السنة في شرق الأرض ومغربها وفي شمالها وجنوبها فاجعة اخرى اعتصرت لها القلوب ألما وذرفت العيون دما، ألا وهي موت امام من الائمة الذين قل ان يجود الزمان بمثلهم سماحة الشيخ السلفي الفقيه الاصولي المفسر علامة القصيم وزينتها محمد بن صالح العثيمين (ابن تيمية العصر)، الذي ملأ الارض علما، وكان وجوده يخفف عنا شيئا من ألم فقد ذينك الامامين، وكان رحمه الله يقف سدا منيعا في وجه المتأثرين بالافكار (المستوردة) التي تخالف منهج السلف ولم يكن عليها ائمة الدعوة من علماء هذه البلاد المباركة والشيخ قد شب وشاب على المنهج الرباني، ولا شك انه قد فقد علم كثير بوفاة هذه الكوكبة من علمائنا، فلابد إذن أن يدرك أتباع المنهج الحق انه يجب عليهم مضاعفة الجهد للحفاظ على ما خلفه هؤلاء العلماء من تراث علمي عظيم ولتدارك العلم الذي فقد بفقدهم، ومن فضل الله عز وجل ومنته علينا انه مازال يوجد بين أظهرنا علماء أجلة ولكنهم والله قلة فيجب على الحريصين على مستقبل هذا الدين ونقائه الارتباط بهؤلاء العلماء وبذل الوسع ومضاعفة الجهد في طلب العلم وتحصيله، فإن أمتنا بحمد الله أمة مباركة، لن تعقم رحمها أن تأتي بمثل ابن تيمية أو ابن القيم أو ابن عبدالوهاب أو ابن باز أوالالباني أو ابن عثيمين أو غيرهم من أئمة, قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله، وعليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه والله تعالى أسأل أن يرحم علماءنا ويجمعنا بهم في مستقر رحمته، إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين.
سعود بن ملوح بن سلطان العنزي
عرعر
|
|
|
|
|