ماذا أقول ودمع العين يشرق بي (1)
ولوعة الوجد أذكت لفحة اللهبِ
ماذا أقول وبوح الحزن يغمرني
على فقيد التقى والعلم والأدبِ
على الذي كانت الركبان تنشده
من كل أرض ومن صقع ومن حدبِ
على فقيه لأهل الأرض قاطبة
ابن العثيمين و التقوى وذو الحسبِ
قد شفني الحزن حتى طال بي سهدي
وضقت من كربتي وازداد بي نصبي
بكيت حتى رأيت الناس تندبه
فقلت إن الذي أبكيه لم يغبِ
لأنه في قلوب الناس متكئٌ
فحسبه أنه فذ من النجبِ
وأنه عالم الدنيا ومرشدها
وأنه نجمها الزاهي على الشهبِ
بعلمه أرضنا تزهو وتفتخرُ
ويفخر الناس من عجم ومن عربِ
قد كان بين الورى شيخا يعلمهم
ما قاله الله بالآيات في الكتبِ
وما أتى عن رسول الله بينه
وعلّم الفقه والتوحيد في دأبِ
قد كان بحراً لأهل العلم تشرعه
إذا بغت حلية الياقوت والذهبِ
قد كان للناس نهرا في عذوبته
وظل بحراً لهم في العمق والرحبِ )(2)
كم من علوم لأهل العلم أتقنها
وصار فيها امام الحق ذا الأربِ (3)
في كل فن تراه عالماً حذقاً
ينال منها بجد أرفع الرتبِ
يمشي على الأرض قرآناً نشاهده
(فالآي) فوق الثرى تمشي على خببِ (4)
فقد حوى صدره القرآن أجمعه
ولم يزل في ربيع العمر لم يشبِ (5)
مذ كان طفلاً وعين الله تكلأه
حتى مضى العمر بالايام والحقبِ (6)
قضى الليالي مع الأيام منهمكاً
في دعوة الله لا يشكو من التعبِ
كم منبر قد علاه كي يحدثنا
وكم تلا من أحاديث ومن خطبِ
دعا الى الله في صبر بلا كلل
فلم يكن عاجزاً يوماً ولم يهبِ
كم صد بالحق أقوالاً مكفرة
كم انبرى ضد أهل الشك والريبِ
قد كان لم يخش في الرحمن لائمة
وإن أتى اللوم في شتم وفي عتبِ
إذا ألمت بأهل الأرض فاجعة
بدا كبدر تجلى من علا السحبِ
يضفي على الناس في أقواله أملاً
ويبعث البلسم الشافي من النوبِ
تا الله ما كان يرجو غير مغفرة
ولم يكن يرتجي شيئاً من النشبِ (7)
وكم أتت هذه الدنيا لتتبعه
لكنها لم تنل شيئاً من الأربِ (8)
أتته منقادة تبغي مودته
فصد عنها بوجه عابس غضبِ
فكان حقا تقياً زاهداً ورعاً
وقد رأيناه فينا خير محتسبِ
فأعطه يا إله الكون مطلبه
وجنة الخلد أسمى غاية الطلبِ