| متابعة
نحمد الله على قضائه وقدره، والموت حق ولا راد لقضائه, إن فقد الشيخ محمد بن عثيمين مصاب جلل على الأمة الاسلامية كلها، لأنه علم من اعلام الدين، نذر حياته كلها وامضى أوقاته في سبيل العلم تحصيله ومن ثم تعليمه وتدريسه للناس والفتيا به بلسانه وقلمه وفعله، فكانت حلقات العلم في مسجده منارات للهدى والنور يستضاء بها ويشع منها العلم النقي الصحيح الذي ينبني على الدليل الصحيح، وكانت هذه الحلقات في مسجده بعنيزة مقصد طلاب العلم من مختلف الانحاء من داخل المملكة وخارجها لما عرف عن الشيخ من جلالة في القدر، وغزارة في العلم واستنتاج فقهي مبني على ما يصح عنده من الدليل فرحمك الله يا شيخ محمد وجعل الجنة مثواك, أيها الاخوة:
لقد نذر الشيخ محمد (رحمه الله) حياته لبيان الحكم الفقهي للأمة الاسلامية لذلك كان لفتواه صدى واسع عند الخاصة والعامة لما تمثله من ثقل لأنها مبنية على الدليل الصحيح, لذا كانت فتاواه (رحمه الله) تطير بها الركبان ويرتاح لها الناس، ويتناقلها الناس لذا لا تجد الشيخ في أي مكان يحل به الا وقد احيط بمجموعات كبيرة من المستفتين وكان يفتيهم ويوجههم الى ما فيه خيرهم وصلاحهم فرحمك الله يا شيخنا وأجزل الله لك المثوبة والأجر وإنا على فراقك لمحزونون.
ولكننا لا نقول الا ما يرضي ربنا (سبحانه وتعالى) و(إنا لله وإنا اليه راجعون).
ولم تمنع مشاغل الشيخ (رحمه الله) والتزاماته المتعددة والكثيرة عن أعمال جليلة ظل يحافظ عليها مع وقته الضيق المزحوم بمهمات كبرى، ومن ذلك التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الامام بالقصيم وإمامة الناس والخطابة في مسجده منذ ان توفي شيخه (عبدالرحمن السعدي) رحمه الله الى وفاة الشيخ (رحمه الله) ومن التأليف في شتى صنوف العلم الشرعي في العقيدة والتفسير والحديث والفقه وغير ذلك فخلف ثروة كبيرة للامة يُستنار بها بعد مماته وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
فإذا كان الشيخ قد توفي وهذه سنة الله في خلقه فإن علمه باق الى ان يشاء الله من خلال كتبه وفتاواه المطبوعة والمسجلة وهذا من فضل الله على العبد اذا صدق مع الله وأخلص النية رزقه الله التوفيق والقبول في الأرض وبارك الله في علمه ووقته وجهده وهذا درس لكل عاقل فاهم مدرك يعلم ان الموت هو نهاية الحياة فيرى ان مثل هؤلاء العلماء يموتون ولكن تبقى آثارهم فعلمهم وذكرهم الحسن لا يموت بموتهم ويستمر اجرهم, وانتفاع الناس بهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الناس شهداء الله في أرضه).
بخلاف أهل الضلال والإضلال والزيغ والفساد فإن أعمالهم تكون وزراً عليهم وحسرات عليهم يوم القيامة.
لقد مرض الشيخ في آخر حياته لكنه كان صابراً محتسباً راضياً بقضاء الله وقدره مؤمناً بذلك نسأل الله ان يكون ذلك في ميزان حسناته إنه بالاجابة جدير.
إن موت الشيخ محمد (رحمه الله) ليس موتاً لرجل واحد بل بفقده فقدنا امة في رجل لأنه أمة في العلم واستحضاره ودراسته وتدريسه والعمل به وتعليمه وتطبيقه والفتيا به, وبقاء العلم ببقاء حملته فإذا ذهب حملته وقع الناس في الضلال والجهل إننا يا شيخ محمد لن نوفيك حقك مهما سال القلم وعبر اللسان ولا نملك الا الدعاء فاللهم خفف على الأمة الاسلامية قاطبة مصابها اللهم اغفر له وارحمه واكرم نزله ووسع مدخله اللهم اجعل الفردس مثواه واجزه خير الجزاء وارحمه برحمتك يا حي يا قيوم.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د,عبدالعزيز بن محمد الربيش
جامعة الملك سعود فرع القصيم
|
|
|
|
|