أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 17th January,2001 العدد:10338الطبعةالاولـي الاربعاء 22 ,شوال 1421

متابعة

لقد رحل عنّا في أحلك ظروفنا
ان المصيبة التي ألمت بالعالم الإسلامي بوفاة العالم الجليل الشيخ محمد بن صالح العثيمين مصيبة عظيمة يشعر بها كل من عرف نشاط هذا الشيخ في مجال الفقه الاسلامي والدعوة إلى الله وإنارة طريق الحق بما يقدمه في فتاويه ومؤلفاته.
لقد كان هذا الشيخ مع استاذة الشيخ عبدالعزيز بن باز علمين بارزين يضيئان للأمة الاسلامية الطريق ويبددان الظلمة التي سببها الجهل بالدين وبالعقيدة الاسلامية الصحيحة، أوضحا للمسلمين في كتبهما وفتاويهما ما يجب على كل مسلم معرفته من دينه وعبادة ربه وما يبعده عن عقيدته من البدع والخرافات التي ادخلت على المسلمين من الاديان والفلسفات الاخرى، وما كان من بقايا الوثنيات في الجاهلية الاولى,وكان رحمهما الله يقولان كلمة الحق في كل ما يعرض عليهما، لا يداهنان ولا يجاملان ولا يخافان، وكان يسيران على نهج السلف الصالح ويتبعان خطوات الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في محاربته للبدع والخرافات والتزامه بالكتاب والسنة، وقد كان الشيخ ابن عثيمين من العلماء العاملين أهل الورع والتقوى والصلاح المتصفين بالاخلاق الفاضلة ممن يقل وجودهم في هذا الزمن، وعندما يفقد المسلمون هذا النوع من العلماء المتصفين بالتواضع والاخلاص وحسن المعاملة مع الناس تعظم المصيبة وتشتد الحاجة إليهم في النوائب، وعندما تخلو الساحة من اهل العلم والفضل الذين يحرصون على رضا الله تتضاعف مشاكل المسلمين ومصائبهم، فهؤلاء هم الأمل في الخلاص، لأنهم يضعون نصب اعينهم قول الله سبحانه في محكم تنزيله (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين) 83/القصص, فكل هدفهم هو رضا الله في الآخرة، وإذا كان لأحد مأخذ على الشيخ فهو من أجل رفضه لتولي القضاء، وبذلك حرم الجهاز القضائي من كفاءته وعطائه وهو بلاشك لا يريد يبتلى بالقضاء لأن مسؤولية وظيفة القضاء خطيرة في الدنيا والآخرة ولا بد انه تذكر ما جاء في الحديث الشريف من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين وقوله صلى الله عليه وسلم: القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة، قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض قضى بجهل فهو في النار وقاض عرف الحق فجار فهو في النار ، فابتعاده رحمه الله عن القضاء على الرغم من إلحاح فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم عليه يدل على زهده وورعه، ولكن إلحاح الشيخ محمد باعتباره رئيس القضاء قد رأى ان من مسؤوليته ان يولي الاكفاء والنزهاء وان من واجبهم المشاركة في المسؤولية حتى لا تخلو الساحة من الاكفاء والمخلصين ويترك الحبل على الغارب وتكون النتيجة عكسية فيتحمل مسؤوليتها الجميع امام الله، وقد قال العلماء السابقون رضي الله عنهم ان القضاء تلو النبوة وخلق الله الخلق وكلفهم بالشرائع وابتعث رسله صلوات الله وسلامه عليهم قضاة ليحكموا بينهم قال تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس في ما اختلفوا فيه) البقرة:213، وقال تعالى لرسوله (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) المائدة:49 (فاحكم بينهم بما أنزل الله) المائدة:48، وقال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) ص:26، وفي الحديث الشريف: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله اجران وإن أخطأ فله أجر وفيه ايضا ليوم واحد من أيام عادل خير من عبادة ستين سنة وقال عليه الصلاة والسلام: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله,, وذكر منهم إمام عادل وقال ابن مسعود رضي الله عنهم: لأن أجلس قاضيا بين الناس بحق واجب أحب إلي من عبادة سبعين سنة ,المهم هناك أحاديث ترغيب وأحاديث ترهيب وقال العلماء ان المرغب فيها محمول على الصالح للقضاء المطيق لحمل عبئه والقيام بواجبه والمرهب منها محمول على العاجز عنه وعلى ذلك يحمل دخول من دخل فيه من العلماء وامتناع من امتنع عنه فقد قلدوه بعد المصطفى صلوات الله وسلامه عليه الخلفاء الاربعة سادات الاسلام وقضوا بين الناس بالحق ودخولهم فيه اقوى دليل على علو قدره ووفور اجره فإن من بعدهم تبع لهم ووليه بعدهم من أكابر التابعين وتابعيهم ومن كره الدخول فيه من الائمة مع فضلهم وصلاحيتهم وصلاحهم فهو محمول على مبالغة في حفظ أنفسهم وسلوك لطريق السلام فإن الأمر فيه خطر.
ومن العلماء من جعل احاديث الترهيب مثل من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين دالا على الترغيب فهو يدل على اجر عظيم مقابل ما يعانيه من امور القضاء ومنسبه تشبيها له بالذبح بغير سكين وإنه مبالغة في وصف المذبوح بأبلغ درجات الألم، وكذلك الحديث يأتي على القاضي يوم يود ألا يقضي بين اثنين في تمرة واحدة وحديث ما من حاكم يحكم بين الناس إلا وكل به ملك أخذ بقفاه حتى يقف به على شفير جهنم فيرفع رأسه إلى السماء فإن أمر أن يقذفه فيهوي به أربعين خريفا .
وممن رفض تولى القضاء من العلماء السابقين الامام ابو حنيفة والإمام الشافعي وسفيان الثوري وللشيخ ابن عثيمين في هؤلاء اسرة حسنة، وليس غريبا على الشيخ ابن عثيمين ان يكون على خلق ودين وتقوى وورع وتواضع فقد كان كذلك شيخه الذي قال انه قد تأثر به وهو الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي وكذلك الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز فقد قال رحمه الله إنه تأثر بالشيخ السعدي كثيرا في طريقة التدريس وعرض العلم وتقريبه للطلبة بالامثلة والمعاني وتأثر به من ناحية الاخلاق الفاضلة فهو يمازح الصغير ويضحك إلى الكبير، وتأثر بالشيخ عبدالعزيز بن باز كما يقول من جهة العناية بالحديث وبالاخلاق وبسط نفسه للناس.
فرحم الله الشيخ محمد بن عثيمين ترك ثروة علمية تزيد على اربعين كتابا ورحم الله شيوخه الذين اثروا الحياة العلمية بالتأليف والفتاوى، وجاء الشيخ وسلك نهجهم، رحمهم الله جميعا رحمة الابرار وأسكنهم دار القرار ونعزي انفسنا وأسرة الفقيد الذي رحل عنا في احلك ظروفنا ولا نقول إلا ما قاله الصابرون، إنا لله وإنا إليه راجعون.
عبدالقادر بن محمد العماري
دولة قطر

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved